عرض مسرحية “أخذ الكلمة” ببرلين: بوح ذاتي وإضاءة على تاريخ المغرب

0

فاطمة تيمجردين: بعد باريس وبروكسيل، حطت الفرقة المسرحية المغربية “عبور” الرحال نهاية الاسبوع الماضي في العاصمة الالمانية برلين، لعرض مسرحيتها “أخذ الكلمة” التي هي عبارة عن مونو دراما تطلق العنان لبوح ذاتي وفي نفس الوقت تقدم إضاءة على أحداث هامة طبعت تاريخ المغرب منذ ستينيات القرن الماضي.

على مدى ساعة، شدت الممثلة الهام الوليدي في عرض مسرحي من اخراج محمود الشهدي، أنظار الجمهور المغربي والالماني، وهي تتقمص دور صحافية في عقدها الخمسين، تعود الى منزل والديها بعد وفاتهما، حيث يصبح هاجسها هو “نفض الغبار عن الذاكرة” ، من خلال الحكي عن حياتها ومسارها، وعن أحداث اجتماعية وسياسية.

وتطرح الصحافية، عبر الغوص في ذكرياتها التي كانت مأساوية وأحيانا أخرى مضحكة، تطرح الصحافية في حوار مع الذات باللغة الفرنسية، مرفقة بترجمة الى الالمانية، أسئلة هوياتية ووجودية، تتناول عدد من قضايا المجتمع من قبيل الفن، ومهنة الصحافة والعلاقات العاطفية.

وتسلط المسرحية الضوء على فترات من تاريخ المغرب من خلال رؤية ذاتية ليس فيها بعد وثائقي أو تقريري، ولا أحكام قيمة بقدر ما هي انعكاس لواقع معين بتناقضاته ، يمكن لكل واحد قراءته حسب تجربته الخاصة.

وبين مقدمة تستحضر فيها طفولتها من خلال صورة معلقة في المنزل وهي طفلة بين ذراعي أمها، وخاتمة حيث تقيم حياتها الراهنة، ترنو الشخصية الى أن “تصبح شفافة للحظة لاسكات جميع أصوات العقل التي تتردد داخلها”.

وترى الممثلة ومغنية الاوبرا إلهام الوليدي أن المونودراما هي حوار مع الذات وفي نفس الوقت تقاسم لمجموعة من التساؤلات ومن هنا جاء عنوان العرض “أخد الكلمة” حيث يفسح المجال لسيدة صحافية بلغت سن الامل لطرح أسئلة وجودية ، معبرة عن رؤيتها وإحساسها و علاقتها بالمحيط الذي تعيش فيه.

واعتبرت الوليدي التي في رصيدها مسرحيات غنائية ومسرحيتي “التنين” و”الفلوجة” أن هذا المونولوغ هو مشروع متفرد بالنسبة لها لانه كان تحديا ومجازفة لكنه ايضا مغامرة فنية منحتها المتعة وهي التي ظلت تحلم بأداء هذا النوع من الفن المسرحي.

وقالت في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، أن كل ممثل يحلم بنص ولكن من أجل جعله فرجة، يجب أن يكون لدى المخرج رؤية لايصال مستوى الحكي بشكل سلس وجميل، مشيرة الى ان نص المونولوغ فيه عمل على اللغة ، مما يمنح مساحة للابداع وانتاج عرض جميل.

أما عصام اليوسفي، كاتب النص المسرحي ، فيرى أن موضوع المسرحية يشتغل على نوع من الحكي الفردي حول مسار صحفية تحاول من خلال التذكر الوقوف على مجموعة من المحطات في حياتها و بالموازة مع ذلك هناك احالات على تاريخ المغرب من بداية الستينات الى اواخر التسعينات التي طبعتها مجموعة من الاحداث البارزة.

وحول اختياره الفرنسية كلغة في العرض المسرحي، قال عصام اليوسفي “جمهور عروضنا في الغالب جمهور مهتم له رغبة في اكتشاف تجارب خارج اطار المسرح المغربي المتعارف عليه ، اللغة الفرسية سمحت لنا بالحديث عن مواضيع بشكل مختلف”.

واعتبر اليوسفي الذي سبق أن كتب نصوصا مسرحية بالدارجة المغربية، أن المسرح هو بشكل عام فن نخبوي لكن هناك درجات، مؤكدا على ضرورة تقديم مسرح ليس مملا وليس فيه ترفيه مجاني، ولكن مسرح أفكار يمنح المتعة.

وتابع أن الرهان بالنسبة له كان هو أن يقدم للجمهور المغربي مسرحا مختلفا يحاول أن يدفع المتفرج الى التأمل والتفكير وليس فقط الاحساس والترفيه.

وأبرز أنه يشتغل كثيرا على المونولوغ لانه يمنح مسافة ويخلق تحديا للممثل ومتعة للمتفرج ، معتبرا أن مسالة الحكي والبوح جد مهمة في المسرح وليس فقط مواقف فيها حوارات.

من جانبه، أبرز مخرج المسرحية محمود شهدي بان الامر يتعلق بأول تجربة له في الاشتغال على نص مسرحي باللغة الفرنسية والتي كللت بالنجاح ولقيت اقبالا كبيرا خلال مختلف الجولات في أوروبا.

وتميز هذا العرض المسرحي حسب مخرجه بالتعامل مع أرشيف التاريخ المغربي بتقنية حديثة توجد في “مابينغ” والتي تستعمل في مجالات اخرى لكن تم تطبيقها على المسرح مما يمكن من العمل على جمالية العرض من حيث الصورة والانارة والتركيب في الفضاء والتشخيص .

كما تم الاعتماد على تقنية الفيديو من خلال البث المباشر للصوت والصورة.

يشار الى أن هذا العرض المسرحي يندرج في إطار مبادرة الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، والتي ترمي إلى تنظيم حوالي 180 عرضا تقدمه 41 فرقة مسرحية في مختلف القارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.