اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة يضفي المزيد من الغموض على المشهد السياسي اللبناني

0

الناصري المصطفى: مع تقديم مصطفى أديب رئيس الوزراء اللبناني المكلف اعتذاره، أول أمس السبت، عن تشكيل الحكومة الجديدة يكون المشهد السياسي قد دخل مرحلة صعبة قد تعيد البلد إلى نقطة الصفر، وتضفي المزيد من الغموض على مستقبل هذا البلد الذي يصارع للخروج من نفق الأزمات التي يمرها بها منذ شهور.

وأعطى اعتذار أديب عن مهمة تشكيل الحكومة، بعد أقل من شهر على تكليفه، شعورا بالعودة إلى المربع الأول في ظل غموض تام يلف المشهد اللبناني، في ظل تفاقم الأوضاع العامة بالبلاد.

وقد أدخل القرار الصعب الذي أقدم عليه الرئيس المكلف ، في لحظة سياسية دقيقة، البلاد في دوامة التجاذبات السياسية التي تفتح أبواب الجحيم، الذي بشر به رئيس الجمهورية ميشال عون، واضعة البلاد أمام أسوأ الاحتمالات وعلى مختلف المستويات خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتدهورة والتي تفاقمت مع الانفجار المدمر الذي هز مرفأ العاصمة بيروت في الرابع من شهر غشت الماضي.

كما ان هذا الاعتذار، قلب الطاولة على رأس السياسيين الذيت تسببوا في تعطيل مسار تشكيل الحكومة، طارحا أكثر من علامة استفهام حيال مصير المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون، فضلا عن مصير الدعم الدولي والبرنامج مع صندوق النقد الدولي، الذي كان يعول عليه البلد بقوة بغية إخراج البلاد من قعر الانهيار الاقتصادي والإفلاس.

ومع هذا المستجد الذي سيطر على واجهة الأحداث المحلية واهتمام القوى الإقليمية والدولية، يدخل لبنان في مرحلة من التأزم بالغة الخطورة، ويكتنفها الغموض بعد أن رمى الرئيس المعتذر كرة النار في أحضان من أعاق مهمته بتأليف حكومة مستقلة من اختصاصيين.

ومن الاعتذار إلى إجراء الاستشارات النيابية التي أعلنها عنها الرئيس اللبناني ميشال عون بحر الأسبوع المقبل لاختيار الرئيس الجديد المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، تكون أجواء المشهد السياسي اللبناني ملبدة بغيوم مقرونة ببصيص أمل لتنازل الطبقة السياسية عن مواقفها من أجل مصلحة البلاد في ظل التراجع الكبير للعملة المحلية وارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية.

وبعد قرار الرئيس المكلف ومع عودة البلاد الى المربع الاول وبروز هواجس من فقدان لبنان الفرصة الاخيرة المتمثلة بالمبادرة الفرنسية التي باتت مهددة الآن، توالت ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية بين مؤيد لقرار أديب ومندد ب “الفشل” الذي من شأنه أن يبقي البلاد في حالة التوتر.

وفي هذا السياق، قال رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب إن إعتذار أديب جاء ليعيد الأمور إلى الوراء وليزيد الصعوبات على لبنان واللبنانيين.

وناشد دياب الرئيس الفرنسي الاستمرار بالوقوف إلى جانب لبنان في هذه المرحلة الصعبة، ومواصلة مساعيه ومبادرته لمساعدة لبنان، داعيا القوى السياسية الى التوقف عن الممارسات والتجاذبات التي تهدد ما بقي من مقومات صمود الوطن والاسراع بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية بتشكيل حكومة قادرة على التعامل مع المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان.

من جانبه، أعرب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، عن أسفه إزاء “فشل” مبادرة الرئيس الفرنسي. وقال الحريري، في بيان، “مرة جديدة، يقدم أهل السياسة في لبنان لأصدقائنا حول العالم نموذجا صارخا عن الفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية”.

وأضاف مخاطبا المؤيدين لسقوط المبادرة الفرنسية: “ستعضون أصابعكم ندما لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء”، مبديا أسفه “لهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب”.

أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، فقال إن “اعتذار الرئيس المكلف أكد أنه لا يمكن التفكير بأي إنقاذ إلا بحكومة مستقلة فعلا، وأن تسمية الوزراء من قبل فرقاء المجموعة الحاكمة الحالية قد أثبت فشله وأدى بالبلاد إلى ما أدى إليه”.

وأضاف “لا يمكن التفكير من الآن فصاعدا بتشكيل أي حكومة إلا انطلاقا من الأسس التي اعتذر الرئيس أديب بسببها”.

من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، إن “لا أحد متمسك بالمبادرة الفرنسية بقدر تمسكنا بها ولكن هناك من أغرقها فيما يخالف كل الأصول المتبعة”، مضيفا أن “المبادرة الفرنسية روحها وجوهرها الإصلاحات، والحكومة هي الآلة التي عليها تنفيذها بعد إقرارها”.

وأعرب بري، زعيم “حركة أمل” عن اعتقاده بأن “كل الكتل مع هذه الإصلاحات، وأن المجلس النيابي أكثر المتحفزين لإقرار ما يجب، ونحن على موقفنا بالتمسك بالمبادرة الفرنسية وفقا لمضمونها”.

من جهة أخرى، أعرب رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، عن “أسفهم” على “ضياع الفرصة التي أتيحت للبنان”.

وأكد الثلاثة، في بيان مشترك، وقوفهم “إلى جانب أديب في اعتذاره عن الاستمرار في مهمته التي جرى الإطاحة بها”، آملين “أن يصغي الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير حزبية”.

وكان الخلاف بشأن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة قد تمحور بصورة رئيسية حول وزارة المالية، حيث أصر الثنائي الشيعي ممثلا ب “حزب الله” و”حركة أمل” على تسمية وزرائهم والتمسك بحقيبة المالية.

وفي الرابع من غشت الماضي، قضت العاصمة اللبنانية ليلة دامية، إثر انفجار ضخم في مرفأ بيروت، خلف 191 قتيلا وأكثر من 6 آلاف جريح، وعشرات المفقودين، بجانب دمار مادي هائل قدرت خسائره بنحو 15 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية غير نهائية.

وعقب ستة أيام على وقوع الانفجار، استقالت حكومة حسان دياب، وكلف الرئيس اللبناني، في 31 غشت، مصطفى أديب بتشكيل حكومة، تزامنت مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم.

ويمر لبنان بأزمة اقتصادية خطيرة وسط ركود اقتصادي وارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى تراجع قيمة العملة المحلية في السوق السوداء وقيود فرضتها المصارف على السحب وتحويل الأموال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.