فاطمة الزهراء الراجي: بين المناسبات والمحافل الوطنية والدولية التي تشجب العنف ضد المرأة، وتتوعد مرتكبيه بأقسى العقوبات، والجهود المبذولة على الصعيد الدولي لاجتثات الظاهرة أو ربما إيجاد تفسير منطقي لها، ثمة خيط رفيع ناظم بين القانون والقيم في مسار مناهضة العنف ضد المرأة.
وإذا كانت ظاهرة العنف ضاربة في القدم، فإن أشكالها تتعدد ولا يتمايز أبطالها ولا ضحاياها من حيث وضعهم المادي أو المعنوي، كما أنها ظاهرة لا تستوعبها العقول لا سيما إذا ما تعلق الأمر بالمرأة، ومورس العنف بذريعة قيم مرجعية أو أخلاقية أو دينية وتحت مظلة القانون أحيانا.
وبالنظر إلى تعدد مظاهرها وصعوبة وضع حد لها في بعض الأحيان، ما تزال ظاهرة العنف ضد المرأة والسعي الحثيث لاجتثاتها مثارا للجدل، ومحركا للجهود الجمعوية والبرامج الإصلاحية عبر العالم.
في المغرب كسائر دول العالم، تتضافر الجهود الحكومية والجمعوية والمدنية لمكافحة الظاهرة وترسيخ ثقافة احترام حقوق النساء، نصف المجتمع، وتنشئة جيل مدرك لهذه القيم ومؤمن بها.
وتعتبر مناهضة العنف ضد النساء من أولويات وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، لما يترتب عن هذه الظاهرة من آثار وخيمة تعوق مسار التنمية بالبلاد.
وقد نص دستور 2011 على سمو المواثيق الدولية لحقوق للإنسان التي صادق عليها المغرب، وعلى مبدأ المساواة بين الجنسين في كافة الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والحق في السلامة الجسدية والمعنوية للأفراد، ومبدأ المناصفة وإحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل اشكال التمييز.
كما أولى البرنامج الحكومي عناية خاصة للنهوض بأوضاع النساء وحمايتهن، لا سيما تلك المحددة في محوره الرابع، والمتمثلة، أساسا، في تقوية السياسات العمومية الخاصة بمحاربة كل أشكال العنف ضد النساء، ووضع الآليات والتدابير القانونية والمالية الخاصة بذلك، إضافة إلى التعزيز المؤسساتي والجغرافي لمراكز الاستماع والمساعدة القانونية والنفسية للنساء ضحايا العنف.
وفي خضم هذا الزخم، صادق مجلس النواب بالأغلبية، في 23 فبراير المنصرم، على مشروع القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي يتوخى تمكين المغرب من نص قانوني معياري متماسك وكفيل بضمان شروط وضوابط الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف.
ويتضمن هذا القانون في طياته التحديد المفاهيمي والمقتضيات الزجرية والتدابير الوقائية والمبادرات الحمائية، ومنظومة تكفلية بمضامين تكرس بعد النوع الاجتماعي عند التأكيد على وضعية ممارسة العنف على المرأة بسبب جنسها، بل وتشديد العقوبة في هذه الحالة.
ويجيب هذا القانون على وضعيات لم تكن بالأمس موضوع تشريع أو تقنين، كالتحايل على مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالنفقة والسكن، وتجريم بعض الأفعال باعتبارها صورا من صور التحرش الجنسي، وتشديد العقوبات إذا ارتكب التحرش في ظروف معينة ومن طرف أشخاص محددين، كزميل في العمل، أو شخص مكلف بحفظ النظام، أو أحد الأصول أو المحارم.
وجاء المشروع بمنظومة للتكفل بالمرأة المعنفة، عبر إحداث هيئات وآليات للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وكذا آليات للتنسيق بين المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، كما بات لجمعيات المجتمع المدني، هي الأخرى، حضور وازن داخل هذه المنظومة.
لكن المدخل القانوني لمكافحة ظاهرة العنف ضد النساء يبقى غير كاف لوحده، في ظل غياب وعي مجتمعي بضرورة اعتماد مقاربة شمولية وعرضانية، وطنيا وجهويا، وخلق تعاون وتكامل بين كافة المؤسسات والفاعلين في المجال، تعزيزا للحقوق وتكريسا للديمقراطية والمساواة.
عن هذا القانون الذي رافقه نقاش محتدم حول صياغته ومقتضايته، يقول يوسف معضور، الباحث في القضايا الاجتماعية، “كان من الضروري المصادقة على قانون يجرم فعل العنف لأن الفراغ القانوني يخول للرجل سواء الزوج أو شخص آخر تعنيف المرأة، ويضمن عدم متابعته، ناهيك عن تبني مرجعيات فكرية معينة تكرس سلوك العنف بشتى أشكاله المادية واللامادية”.
واعتبر معضور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المصادقة على القانون رقم 103.13 “مكسب حقيقي للمجتمع ككل وليس فقط للنساء”، موضحا أن الهدف في الأخير توفير بيئة مجتمعية تضمن حق الجميع في العيش بكرامة، والاحساس بالآمان وتقوية العلاقات الروابط الأسرية.
وأضاف “يلزمنا قانون زجري يساهم على الأقل في تقليص حالات العنف المسجلة ضد النساء، الذي يتسبب في أضرار نفسية ليس فقط لدى المرأة المعنفة ولكن في الغالب لدى الأبناء والأقارب”، مؤكدا أن انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة “وصمة عار” على جبين المجتمع في المنتظم الدولي و”عاهة” تعيق تنميته وتطوره في مناخ يضمن كرامة وحقوق المرأة ويعزز مكانتها الاجتماعية.
ولهذا الغرض ارتأت وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، بحكم اختصاصاتها في المجال، إعادة تفيعل آلية المرصد الوطني للعنف ضد النساء سنة 2014، وهي المبادرة التي تم إطلاقها سنة 2005.
وتعد هذه الآلية المؤسساتية التي تجمع شركاء من مختلف الفاعلين الحكوميين، من فعاليات حكومية وجمعيات محتمع مدني، خيارا استراتيجيا يروم ترسيخ المقاربة التشاركية لرصد ظاهرة العنف ضد النساء، وبنية إدارية قارة في شكل مصلحة إدارية بمديرية المرأة بالوزراة.
ومن أهداف هذا المرصد توحيد المقاربات الرصدية لظاهرة العنف ضد النساء بالمغرب، وتجميع الجهود المتفرقة (مؤسساتية ومجتمعية) في مجال مناهضة العنف ضد النساء وتنظيمها في شكل بنيوي ووظيفي جديد، يسعى لتحقيق التقائية تدخلات مختلف الفاعلين المعنيين بمحاربة الظاهرة، وتطوير المعرفة المشتركة والتوافقية حول الظاهرة.
أما مهام المرصد فتتمثل أساسا في الرصد واليقظة من خلال تجميع المعطيات والتتبع وتعميق المعرفة بالظاهرة، وإحداث بنك للمعطيات من خلال تجميع الإحصائيات الجهوية والوطنية، ثم إصدار تقرير سنوي حول الظاهرة.
وكان بحث وطني أجرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2011 حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء، وأعادت نشر نتائجه، قد كشف أن حضور المرأة القوي في الفضاءات العامة يثير بالضرورة مسألة العنف، لا سيما العنف المرتبط بالتحرش الجنسي، بخلاف العنف المنزلي أو الأسري الذي يحدث في الغالب في فضاءات مغلقة.
وأبرز البحث ذاته أن “الإعاقة لا تقي المرأة ذات الاحتياجات الخاصة من العنف بالفضاءات العامة”، كما ربط ارتفاع مستوى تعليم النساء بارتفاع معدل انتشار العنف في صفوفهن”، فضلا عن ارتباط تغير مستوى معدل انتشار العنف بلباس المرأة خارج المنزل”. البحث ذاته أشار إلى أن الزواج لا يشكل عاملا محصنا للمرأة ضد العنف في الفضاءات العامة.
وكشف البحث أن 2,3 مليون امرأة من أصل 5.7 ملايين بالمدن تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، تعرضن للعنف بشتى أشكاله، أي ما يمثل نسبة 40.6 في المائة، وذلك خلال الإثنى عشر شهرا السابقة للبحث”.
وبحسب أشكال العنف، يعتبر العنف المعنوي (الذي هو كل فعل يهدف إلى السيطرة على المرأة أو عزلها عن محيطها وإذلالها أو جعلها في وضعية غير مريحة) الشكل الأكثر شيوعا، تعرضت له حوالي مليونا امرأة (32.1 في المائة) مرة واحدة على الأقل بالمدن، يليه العنف الجسدي بنسبة 14.2 في المائة من النساء بالمدن.