فيروس “كورونا” يقوض جهود الصين لسد فجوة الفوراق الاجتماعية في البلاد

0

نورالدين بوشيخي: تسعى الصين جاهدة منذ سنوات إلى تقليص فجوة الفوارق الإجتماعية ، إيمانا منها بأن معالجة التباين المتزايد في الدخل أمر لا محيد عنه لتحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام. لكن تفشي فيروس “كورونا” الجديد عرقل البرامج والخطط التنموية وتسبب في انكماش حاد لثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وكشفت نتائج دراسة استقصائية حديثة أن التفاوت في الدخل بين الطبقات الاجتماعية في الصين قد يتفاقم عام 2020، على الرغم من عقود من الجهود المبذولة من لدن الحكومة لاحتواء الفجوة الاجتماعية وانتشال الملايين من براثن الفقر، بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور في المناطق القروية والأقل نموا.

ورجح مسح أنجزه أغان لي، أستاذ الاقتصاد في جامعة “تكساس إي آند إم”، أن يتعرض ذوو الدخل المحدود في الصين لأزمات سواء من حيث تراجع إيراداتهم السنوية أو قدرتهم على تحمل الصدمات . وتوقع نحو ثلث الأسر الصينية التي يتراوح دخلها السنوي بين 10 آلاف يوان (1426 دولارا) و30 ألف يوان أن تنخفض مداخيلها بشكل ملموس هذا العام، مقارنة ب11 في المائة من الأسر ذات الدخل المرتفع التي تصل أرباحها السنوية إلى أكثر من 200 ألف يوان (500 28 دولار أمريكي) لكل أسرة.

وكشف المسح، الذي شمل 2000 أسرة تنتمي لطبقات اجتماعية مختلفة، أن 13 في المائة فقط من الأسر الميسورة، أو تلك التي تزيد مداخيلها عن 1.3 مليون يوان (185 ألف دولار أمريكي) سنويا، ترى أن إيراداتها ستتضرر بشدة بسبب فيروس (كوفيد-19).

وعزز هذا المنحى البيانات الاقتصادية الرسمية الصادرة بداية الأسبوع الحالي، التي رسمت صورة قاتمة عن الوضع الاقتصادي في البلاد جراء تداعيات تفشي الفيروس وتدابير الوقاية والقيود الصارمة على حركة تنقل الأفراد لاحتوائه، حيث تراجع الإنتاج الصناعي بأكبر وتيرة له في ثلاثة عقود في أول شهرين من العام بنسبة 13.5 في المائة، فيما انخفضت مبيعات التجزئة بواقع 20.5 في المائة عن العام السابق.

وقد تناول المسح الذي أنجز في فبراير الماضي، وشمل عينة من حوالي 40 ألف شخص، الإنفاق المالي للأسر الصينية، وقاده أغان بمعية فريق بحثي من جامعة “ساوث ويسترن” للمالية والاقتصاد في مدينة شينغدو غرب الصين .

وأظهر أن مدخرات الأسر التي تعتمد على الدخل المتأتي من العمل المؤقت دون عقود رسمية تكفي في فترة تفشي الوباء لمدة شهرين ونصف، في حين أن الأسر التي تعمل بدوام كامل يمكن أن تتحمل الوضع لمدة 5 إلى 6 أشهر. أما الأسر التي تمتلك مقاولات فمدخراتها تكفي ل9 أشهر.

وكشفت الأرقام أن الفيروس قد يؤثر على جميع الطبقات الاجتماعية، لكن بدرجات متفاوتة إذ أن حدة تأثيره تشتد على الأسر ذات الدخل المحدود، وخاصة العمال المؤقتين الذين توقفت أجورهم بفعل تعليق أنشطة الانتاج.

ونقلت صحف محلية عن تقرير حديث لمكتب “غافيكال” الاستشاري للحلول المالية، أن القيمة الإجمالية للأجور المفقودة للعمالة الصينية في يناير وفبراير، لعدم التحاقها بالعمل جراء التدابير الإحترازية، قد تصل إلى 800 مليار يوان (حوالي 114 مليار دولار)، مضيفا أن هذا الرقم قد يصل، في حال إدراج الأفراد العاملين لحسابهم الخاص، إلى 1.5 تريليون يوان (214 مليار دولار)، وهو ما يمثل 3 إلى 4 في المائة من حجم الدخل المعيشي للأسر.

ولمعالجة هذا الوضع، سارع مجلس الوزراء الصيني، الجمعة الماضية، إلى الإعلان عن استئناف نشاط 95 في المائة من الشركات الكبرى خارج مقاطعة خوبي، مركز تفشي الفيروس في الصين، مقابل 60 في المائة فقط من المقاولات الصغرى بسبب بطء انتعاش الخدمات اللوجستية ونقص السيولة النقدية .

ولمنع اتساع الفجوة الاجتماعية والتفاوت في الدخل، اقترح معدو الدراسة على الحكومة الصينية السماح للأسر بإرجاء سداد الرهن العقاري المنزلي وتقديم إعانات نقدية للفئات ذات الدخل المحدود، مؤكدين أن هذه الإعانات “لن تشكل عبئا كبيرا على الميزانية العمومية للحكومة”.

وقد بذلت الصين جهودا جبارة على مدى عقود لخفض مستويات الفقر في المجتمع، مما جعلها مساهما رئيسيا في المساعي الدولية للحد منه. وركزت البلاد في الآونة الأخيرة على تطوير صناعات جديدة مثل السياحة البيئية وتشجيع زراعة بعض المحاصيل في المناطق القروية الفقيرة في أفق القضاء على هذه الآفة نهائيا العام الحالي.

ووفقا للمكتب الوطني للإحصاء، انخفض عدد الفقراء من سكان القرى في الصين من نحو 99 مليونا أواخر 2012 إلى 5،5 مليونا نهاية العام الماضي.

وخططت الصين، قبل ثلاث سنوات، لاستثمار قرابة تريليون يوان (141 مليار دولار) حتى عام 2020 لنقل مواطنيها الأشد فقرا من مناطق نائية إلى أخرى تتوفر على بنية تحتية أساسية، وذلك ببناء المساكن ومرافق الدعم واستصلاح الأراضي الزراعية.

وبنهاية العام الماضي، صرفت الصين 384 مليار يوان (45 مليار دولار) من القروض الائتمانية لدعم 6.5 ملايين امرأة لخلق مقاولاتهن وتحقيق دخل قار.

وأثمرت هذه الجهود عن تراجع حدة التفاوتات في الدخل في الصين تدريجيا على مدى العقدين الماضيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى نمو مداخيل سكان القرى . وارتفع نصيب الفرد من الدخل في المناطق القروية بنسبة 9.6 في المائة ليصل إلى 16021 يوانا (2300 دولار أمريكي) في العام الماضي مقارنة بالعام الذي سبقه، في حين تحسن الدخل الحضري بنسبة 7.9 في المائة ليصل إلى 42359 يوانا (6000 دولار أمريكي)، وفقا لبيانات حكومية.

ولكن أبحاثا دولية بديلة رسمت صورة مختلفة عن التقارير الرسمية. فقد أظهرت دراسة حول “التفاوت الاجتماعي في العالم” التي تقارن توزيع الثروات على المستوى العالمي وتطوره منذ حوالي أربعة عقود، أن “التفاوت في الدخل زاد في كل مناطق العالم تقريبا”.
وأوضحت الدراسة ، التي أشرف عليها لوكا شانسيل من معهد باريس للاقتصاد وتوماس بيكيتي مؤلف الكتاب الشهير “الرأسمال في القرن الحادي والعشرين”، أن حصة العائدات الوطنية، التي يراكمها 10 بالمئة من دافعي الضرائب الأكثر ثراء، ارتفعت من 27 بالمئة إلى 41 بالمئة في الصين بين عامي 1980 و2016.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.