الأنشطة الموازية: دعامة أساسية للتوازن الصحي والنفسي لدى الطفل شريطة الاعتدال وحسن الاختيار

0

هناء ضاكة: ليس لكونها أنشطة موازية للتحصيل الدراسي، فهذا يعني مزاولتها كما اتفق، إنها قاعدة يجمع عليها أخصائيون في طب الأطفال وفي علم التربية، وأيضا سوسيولوجيون، كل من زاوية اختصاصه، حيث يحذرون من أن ممارسة الطفل لعدة أنشطة موازية في الآن ذاته تؤثر سلبا على صحته الجسدية وسلامته النفسية.

فبين الرياضة والموسيقى والرسم وحفظ القرآن والحساب الذهني، وتعلم اللغات، تتنوع الأنشطة الموازية التي تشهد إقبالا كبيرا من لدن الأطفال، كما الآباء، الذين يدركون أهميتها باعتبارها دعامة أساسية في مجال التربية، وإضافة نوعية لتنشئة الطفل وتكوين شخصيته وتطوير مواهبه وتحسين قدراته العقلية والمعرفية والسيكولوجية.

غير أن اختيار النشاط المناسب لاهتمامات الطفل وميولاته ووتيرة ممارسته تبقى عوامل محددة في جني ثماره وإدراك مقاصده، إذ من الملاحظ في الآونة الأخيرة أن اهتمام بعض الآباء بهذه الأنشطة أصبح يتجاوز اهتمامهم بالمسار الدراسي لأبنائهم، بل وفي كثير من الأحيان أضحى محط تفاخر وتباهي بين من يزاول ابنه أكبر عدد من الأنشطة والأغلى ثمنا !.

والأكثر من ذلك، فإذا كان الهدف من هذا النوع من الأنشطة هو بناء شخصية طفل متوازن نفسيا وجسديا ومساعدته على الاندماج بشكل سليم في المجتمع وتعويده على تحمل مسؤولية اختياراته وتبعاتها، فإن من الآباء من يجبر طفله على ممارسة نشاط معين لكونه كان يرغب هو نفسه في ممارسته في طفولته، ليتحول تحديد النشاط من تمرين بيداغوجي على الاختيار إلى خطأ في العملية التربوية ينبني على فرض التوجه بدل حرية الاختيار ومواكبته بالتأطير.

وفي هذا الإطار، يقول الأخصائي في الأمراض العصبية عند الطفل، البروفيسور عبد الإله المدني، إن الأنشطة الموازية تعتبر “متنفسا وضرورة ملحة لتكوين شخصية الطفل وتهذيب سلوكه، فهي تكسب الطفل مهارات القيادة وتساعده على ترشيد أفكاره”، مشددا على أنه “لا يمكن اختزال حياة الطفل بين المدرسة والمنزل، بل يجب علينا أن نقوي صحته الجسدية وسلوكه العاطفي وعقله المدبر من خلال ممارسة أنشطة معينة”.

فمن الناحية الفيزيولوجية، يؤكد البروفيسور المدني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يتطور الدماغ، باعتباره مادة خام، بشكل سريع لدى الطفل “فأهمية هذه المرحلة العمرية ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تربية الطفل وتنمية ذكائه”.

ويوضح الأخصائي أن التمارين الرياضية تزيد من تدفق الدم إلى الدماغ وتجعل الجسم يفرز خلايا جديدة عبارة عن هرمون الأندروفين “هرمون السعادة”، مضيفا أن “الرياضة تجعل الطفل قويا جسديا، محبا لعضلاته، يفكر في كمال جسمه وهو الاهتمام الذي يثنيه عن التدخين أو تعاطي المخدرات”.

كما سجل أن ممارسة الأطفال للرياضة تسهل عليهم التركيز في دروسهم، وتمكنهم من تحسين أدائهم الدراسي.

بالمقابل، حذر البروفيسور المدني من المبالغة في ممارسة التمارين الرياضية، مشددا على أنها لا يجب أن تمارس لعدة مرات في الأسبوع، بل حصة أو حصتان فقط، إلى جانب الحصة التي يزاولها الطفل في مؤسسته التعليمية.

وفي ما يتعلق بتعلم اللغات، يقول البروفيسور المدني إن النضج الدماغي، بشكل سليم، عند الطفل يساعده على اكتساب اللغات منذ صغر سنه وقد يجعله يتقن لغة، إثنتين أو حتى ثلاث لغات إلى جانب لغته الأم.

أما الموسيقى، فاعتبرها الأخصائي في الأمراض العصبية عند الطفل بمثابة غذاء للروح حيث تمكن الأطفال من التعبير عن ذواتهم وتعزيز ملكة الإبداع لديهم، في حين تزيد ممارسة الحساب الذهني من مهارات الأطفال وتنمي خلايا الدماغ وتقوي قدرتهم على معالجة المعلومات وتخزينها واسترجاعها.

وخلص البروفيسور المدني إلى أن التنوع في هذه الأنشطة يساهم في تجدد الحيوية والنشاط عند الطفل، وتطوير قدراته العقلية، وتخلصه من الكسل والخجل والخمول وضعف الثقة بالنفس.

بدوره، يرى الباحث السوسيولوجي يوسف معدور، في تصريح مماثل، أنه يتعين اتباع القاعدة المشهورة “لا تفريط و لا إفراط ” في إشارة ترمز إلى الاعتدال في الشيء، لأن مزاولة الكثير من الأنشطة بين الجسدية والذهنية تجهد الطفل، وتستنزف طاقته وقدراته وتخلق لديه نوعا من الارتباك.

وشدد على أنه ينبغي الحرص على أن لا يتعدى عدد الأنشطة الموازية نشاطين، الأول جسدي يساهم في الحفاظ على صحة الطفل، والثاني ذهني حسي ينمي قدراته الإدراكية والحسية.

ومن هذا المنطلق، دعا المختص الاجتماعي الآباء إلى إدراك أهمية اختيار الطفل لنشاط يريده ويرغب في مزاولته بنفسه، مؤكدا على ضرورة مشاركته في الاختيار، دون تسلط أو إجبار، لأن اختيار الطفل لنشاط مواز حسب قناعاته وميولاته يعزز لديه الثقة بالنفس، ويساعده على حسن الاختيار مستقبلا.

واعتبر أنه في كثير من الأحيان تعود مسألة فرض الآباء ممارسة نشاط معين على أبنائهم إلى عدم تمكنهم هم من مزاولته في الماضي واستدراكه من خلال فلذات كبدهم أو اتباع “موضة” يمارسها آباء آخرون فقط بداعي التقليد أو التباهي، دونما الاستجابة لما يحبه أبناؤهم وما يميلون إليه، وما يوافق قدراتهم الجسدية والعقلية، محذرا من أنه عندما يفوق النشاط مستوى الطفل، يتكون لديه شعور بالفشل بدلا من الترويح على نفسه.

ولم يفت المتخصص في القضايا الاجتماعية التنبيه إلى الخصاص المسجل في ما يتعلق بالجمعيات المهتمة بالأطفال، خاصة المنحدرين من الفئات المعوزة، ما يضطر معظم الآباء إلى تسجيل أبنائهم في النوادي الرياضية أو مدارس اللغات أو المعاهد الموسيقية، وهو ما يتطلب تخصيص ميزانية مهمة تثقل، حتما، كاهل العديد من الأسر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.