ألمانيا: الائتلاف الحاكم أمام محك تراجع النمو الاقتصادي واختراق اليمين المتطرف

0

فاطمة تيمجردين: وهو يدنو من منتصف ولايته، يمر الائتلاف الحاكم في ألمانيا بفترة عصيبة تزيد من هشاشته في ظل مخاوف من ركود اقتصادي بعد تراجع الناتج المحلي الإجمالي وتزايد قوة اليمين المتطرف على إثر المكاسب الكبيرة التي حققها حزب “البديل من أجل المانيا” اليميني الشعبوي في الانتخابات المحلية التي جرت نهاية الاسبوع الماضي في ولايتي ساكسونيا وبراندبورغ شرق ألمانيا.

فبعد طفرة نمو استمرت نحو عشر سنوات، شهد الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا انكماشا في الربع الثاني من السنة الجارية بنسبة 1ر0 في المائة، مقارنة بالربع الأول، الذي سجل فيه نموا بلغ 4ر0 في المائة بحسب معطيات مكتب الإحصاء الالماني.

وحسب المصدر ذاته، من المتوقع مستقبلا تراجع إيرادات الدولة بسبب خفوت النشاط الاقتصادي، حيث يشكك المحللون في حدوث التعافي المأمول للاقتصاد في الربع الثالث من هذا العام.

ويتحدث خبراء الاقتصاد عن “ركود تقني” حال انخفض الناتج المحلي الإجمالي لربعين سنويين على التوالي، إلا أن الأمر في هذه الحالة يتعلق بركود خفيف للغاية.

وكان آخر انكماش اقتصادي على مدار عام سجلته ألمانيا في عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية العالمية.

وعزا مكتب الإحصاء الالماني انكماش الاقتصاد إلى التجارة الخارجية، حيث تراجعت الصادرات الألمانية من البضائع والخدمات على نحو أكبر من الواردات مقارنة بالربع الأول من هذا العام.

ويرى محللون أن ردود الأفعال الألمانية والأوروبية على هذا التراجع الطفيف بدت أوسع وأكبر من حجمها الفعلي رغم المخاطر من انتقال التراجع إلى مرحلة ركود مع احتدام حرب الرسوم التجارية التي يخوضها الرئيس الامريكي ترامب ضد الصين والاتحاد الأوروبي وتوقع خروج بريطانيا من الاتحاد بشكل غير منظم.

ولمواجهة هذا الوضع، فإن غالبية الخبراء يحثون حكومة المستشارة ميركل على التحرك بسرعة من خلال زيادة الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية والبحث العلمي وتخفيض الضرائب التي تنهك فئات الدخل المحدود بهدف الحفاظ على الوظائف وتعزيز الطلب في السوق الألمانية.

وفي هذا الاطار، يرى سيباستيان دولين، مدير معهد “آي ام كيه” للأبحاث الاقتصادية في ألمانيا، أن الاقتصاد الألماني في حاجة لخطة شاملة بقيمة 450 مليار يورو (490 مليار دولار) للتكيف مع التغيرات الهيكلية التي تواجه صناعة السيارات الرئيسية ومواجهة المخاطر الاقتصادية المتنامية في البلاد.

وقال دولين في مقابلة مع صحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية إنه في ظل الانكماش الذي تشهده صناعة السيارات لما يربو عن عام “يواجه الاقتصاد الألماني الموقف الأكثر خطورة منذ أزمة اليورو.”

وبالرغم من أن الحكومة الألمانية تعمل بوتيرة “قياسية”، فان 10 في المائة فقط من الناخبين يعتقدون أن الحكومة قد أوفت بمعظم وعودها،وفقا لدراسة حديثة.

وأظهرت الدراسة التي أجرتها مؤسسة برتلسمان الالمانية ومركز برلين للعلوم الاجتماعية، أن الائتلاف الحاكم قد نفذ بالفعل ما يقرب من 61 في المائة من وعوده السياسية ، وذلك في منتصف فترة ولايته.

وحسب المشرفين على هذه الدراسة فإن الحكومة الحالية تعمل بوتيرة “غير مسبوقة” في تنفيذ الأهداف المرسومة في اتفاق الائتلاف.

وقال روبرت فيركامب ، أحد مؤلفي الدراسة ، لـقناة (دويتشه فيله) “لم نقيم ما إذا كانت ما تفعله الحكومة صحيح أم خاطئ من الناحية السياسية”.

وأضاف “قمنا بتقييم موثوقية الحكومة وهي مرتفعة للغاية. التحالف الكبير ينفذ ما وعد به.”

وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي الذي بات يثير القلق لدى الطبقة السياسية، تلقى الائتلاف الحاكم ضربة موجعة خلال انتخابات البرلمان المحلي التي أجريت في ساكسونيا وبراندنبورغ شرقي ألمانيا ، حيث مني الحزبان الشعبيان العتيدان حزب المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل، الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي بخسارة في الاصوات بالرغم من تصدرهما لنتائج الانتخابات، فيما حقق حزب البديل الالماني تقدما غير مسبوق جعله ثاني أقوى حزب في ولاية ساكسونيا.

وفاز الاتحاد المسيحي الديمقراطي بـ 32.1 في المائة من الأصوات في الانتخابات في ساكسونيا ، التي يحكمها منذ عام 1990، فيما تصدر الحزب الاشتراكي الديمقراطي نتائح الانتخابات في براندنبورغ ، معقله منذ توحيد شطري ألمانيا، بحصوله على 26.2 في المائة من الأصوات، بينما حقق حزب البديل أفضل نتائجه على مستوى ألمانيا في هذه الانتخابات، بحصوله على نسبة 27.5 في المائة من الأصوات، ليطيح بذلك بحزب “اليسار” من مركزه كثاني أقوى حزب في ولاية ساكسونيا.

وقد استبعد الحزبان بشكل قاطع أي شكل من أشكال التحالف مع حزب البديل حيث يستعد رئيسا الحكومتين في الولايتين للدخول في مفاوضات مع شريك ثالث، يمكن أن يكون حزب الخضر ، في كلتا الحالتين.

ووصفت رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، أنيغريت كرامب-كارنباور، نتائج الانتخابات الإقليمية في ولاية سكسونيا بالصعبة.

واعترفت بأخطاء حزبها أيضا، قائلة “نحن، أيضا كحزب مسيحي ديمقراطي، نمر بأوقات عصيبة منذ الانتخابات التشريعية العامة. نحن في خضم اتجاه تجديدي، ونعلم أن هذا العام الانتخابي لن يكون سهلا… نقر أيضا بحقيقة أننا لم نكن مرنين سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الشخصي في تجاوز بعض العقبات على النحو المطلوب”.

ويعتقد الباحث كلاوس بيتر سيك أن “صدمة” النتائج التي حققها حزب البديل ستجبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي على مراجعة استراتيجيتهما.

وفي هذا الاطار، دعا مفوض الحكومة الألمانية لشؤون شرق ألمانيا، كريستيان هيرته، إلى مواصلة تعزيز الجهود في تنمية شرق البلاد .

وقال هيرته، الذي يشغل أيضا منصب وكيل وزارة الاقتصاد “نتائج الانتخابات تحرك الأوضاع من منظور إيجابي “يتعين علينا مواصلة تدعيم طريق سياسة الهيكلة الذي بدأته الحكومة الألمانية… شرق ألمانيا يحتاج في ذلك لأن يكون له الأولوية”.

الحدث/ و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.