عبد الحكيم قرمان: إرساء نموذج مؤسساتي مغربي لحماية الملكية الفكرية يقتضي “رفع تحديات الحكامة الجيدة والعدالة المجالية” في تدبير حقوق المؤلفين
زهرة نجاح: أكد الباحث المغربي عبد الحكيم قرمان، رئيس الائتلاف المغربي للملكية الفكرية، أنه في ظل التطورات الراهنة التي يعرفها قطاع حقوق المؤلف، أصبحت الحاجة تقتضي إرساء نموذج مؤسساتي مغربي عصري للتدبير الجماعي لحقوق المؤلفين المادية والمعنوية، مما يطرح عددا من الإشكاليات المرتبطة بالحكامة الجيدة والعدالة المجالية في الانخراط والتحصيل وتوزيع المستحقات، في أفق إرساء نظام فعال يؤمن حماية وتثمين الإبداع وتكريم الصناعات الثقافية الخلاقة.
وشدد الباحث المغربي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه على الرغم من التطور الكبير على مستوى التشريعات والنصوص التي تشكل نقطة قوة وتميز للتجربة المغربية في القطاع على المستويين العربي والإفريقي، تظل الكثير من النقائص بارزة بقوة وتشكل عائقا مركزيا أمام الارتقاء بالتجربة الوطنية في مجال الحماية والتنظيم والتدبير والتنمية نحو ما هو معتمد من معايير والتزامات دولية في نطاق المعاهدات التي تمت المصادقة عليها.
يضع قرمان التجربة المغربية في سياقها التاريخي مذكرا بأن المغرب يعتبر من بين البلدان القلائل الأولى التي انخرطت مبكرا في المنظومة الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية منذ مطلع القرن الماضي، بحيث انخرط في الاتفاقيتين العالميتين الأساسيتين في ما يخص المعاهدة الدولية لحماية حقوق الملكية الصناعية والتجارية لسنة 1883 وكذا المعاهدات الدولية لحماية حقوق الملكية الأدبية والفنية لسنة 1886.
فالمغرب عرف تطورات ملحوظة في مجال إرساء البنيات القانونية والمؤسسية مبكرا في مجال حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، بحيث كان عضوا منذ سنة 1943 ضمن إطار المكتب الإفريقي لرجال الأدب وكتاب المحاضرات (BADA ) وبعدها تمت مغربة الهيئة ليتم تأسيس المكتب المغربي لحقوق المؤلفين سنة 1965 ثم بعد ذلك تم وضع أول قانون وطني جامع سنة 1970 ، نسخت بمقتضاه الظهائر السلطانية الثلاث التي كانت بموجبها تنتظم اليات الحماية والتدبير الخاصية بالحقوق المادية والمعنوية للمبدعين منذ عهد الحماية، مرورا بوضع القانون رقم 02.00 لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة لسنة 2000 ليتم تعديله بالقانون 34.05 سنة 2006 وصولا إلى التعديل الأخير بموجب القانون 79 .12 لسنة 2014 من أجل المواءمة وإقرار مقتضيات جديدة متصلة بتدبير ” المكافأة عن النسخة الخاصة”.
مع ذلك، لازال المغرب يسجل العديد من النقائص، يذكر منها هذا الباحث والناشط الجمعوي تأخر صدور النصوص المتعلقة بتوضيح الصفة القانونية والتدبيرية للمكتب المغربي لحقوق المؤلفين وغياب نصوص قانونية تطبيقية للعديد من الاختصاصات والمهام والمجالات الموكولة للمكتب في القانون الجديد 79.12 خصوصا في مجال تدبير وتوزيع “المكافأة على النسخة الخاصة”، فضلا عن غياب نص قانوني خاص باستخلاص وتوزيع الحقوق المادية للمؤلفين وذويهم وفقا لمعايير وآليات شفافة ومنصفة.
أما عن الرؤى المطروحة من قبل الخبراء والمهنيين للنهوض بحقوق التأليف، فيسجل قرمان ضرورة مواصلة الحملات التحسيسية عبر كافة وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة لإشاعة ثقافة المواطنة في مجال حقوق الملكية الفكرية، وإبراز مخاطر و أضرار القرصنة و انعكاساتها السلبية اقتصاديا واجتماعيا وفنيا، وتنظيم حملات توعية للمقاولات الصغرى و المتوسطة العاملة في هذا المجال، وكذا إبرام اتفاقيات مع المؤسسات الإذاعية و التلفزية بشأن الحضور الإعلامي لموضوع حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة .
كما يؤمن الأكاديمي المغربي بأهمية إبرام اتفاقيات تعاون و شراكة مع القطاعات الحكومية من أجل التربية على حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة و إدماج هذا الموضوع في البرامج و المقررات الدراسية بالمعاهد و المدارس العليا التابعة لها، وإشراك المبدعين و الفنانين في التحسيس و التوعية بأهمية احترام حقوق الملكية الفكرية، اضافة الى إنجاز دراسة حول إمكانية إحداث صندوق للتقاعد خاص بالمبدعين.
وعلى المستوى القانوني، يرى عبد الحكيم قرمان ضرورة الإسراع بإخراج قانون تحويل المكتب المغربي لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة إلى مؤسسة عمومية في صيغتها المحينة؛ وإحداث نظام جديد للمكتب يتم بموجبه فصل البنية التدبيرية المتصلة بالحقوق المادية والمعنوية للمؤلفين وأخرى خاصة بتدبير كل الجوانب المتعلقة بالمكافأة عن النسخة الخاصة ضمن تفعيل المقتضيات الناظمة للهيئة التي سيناط بها تدبير الحقوق المجاورة.
أما بخصوص قواعد الاستخلاصات و التوزيعات المتعلقة بالحقوق المجاورة وفق المعايير الدولية، فيؤكد الباحث المغربي على تبسيط المساطر و الإجراءات في قضايا حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة و تسريع تنفيذ الأحكام القضائية المرتبطة بها.
وعلى صعيد محاربة التقليد و القرصنة و تأهيل الصناعات الثقافية، فالضرورة – يضيف قرمان- تقتضي تكثيف الحملات عبر التراب الوطني لإتلاف المنتوجات المقرصنة المصادرة خلال حملات التفتيش، بحضور وسائل الإعلام للتعريف بها على أوسع نطاق، وتأهيل الصناعات المرتبطة بحقوق المؤلف و الحقوق المجاورة عبر التنسيق بين القطاعات الحكومية المعنية و مختلف الفاعلين في القطاع، وتفعيل اللجنة الوطنية لمحاربة التقليد والقرصنة.
وفي معرض تناوله للتدابير التي يمكن اتخاذها في ظل ظهور مصنفات جديدة (المصنفات الرقمية)، يقف قرمان عند هذه النقطة كثيرا معتبرا أن ” هذا هو الرهان الأكبر بالنسبة لمستقبل القطاع عموما، ومستقبل الصناعات الثقافية الخلاقة ضمن منظومة متكاملة من القوانين والأليات والممارسات التدبيرية الجيدة”. فهو يشدد على أن ولوج عهد حماية وتدبير الملكية الفكرية في الفضاء الرقمي لا زال يطرح العديد من التحديات، سواء على مستوى ضعف المنظومة المؤسسة والتقنية والخبرات المهنية بالقطاع، أو حتى على مستوى تحديد مفهوم المصنف الرقمي نفسه، بحيث لازال الجدل قائما حتى في الدول المتقدمة في المجال.
وينبه رئيس الائتلاف إلى حقيقة “أننا نتجه بقوة نحو عهد جديد قائم على اقتصاد المعرفة، سيقلب كل المعادلات المألوفة بما يعد به من طاقات وتقنيات ومعارف وما يفتحه من افاق وامكانيات يتيحها العالم الرقمى سواء للدول أو للمبدعين بهذه المجتمعات. والمغرب محكوم عليه بالاسراع بمباشرة الاصلاحات الضرورية لتطوير قدراته وتحيين قوانينه وبناء منظومته المؤسسية والتدبيرية الضرورية للاندماج السلس في معالم العهد الرقمي.
أما كيف ينعكس الخلل المؤسساتي والتدبيري على اوضاع المبدعين وذوي الحقوق، فيؤكد قرمان أنه كل ما تأخر المغرب عن مواءمة نصوصه التشريعية مع بلورة وإحداث وتطوير نسقه المؤسسي والتدبيري الناجعين، فهو من جهة، يتأخر أولا عن ركب التحديات المتسارعة في مجال التنمية الثقافية وإرساء قواعد الصناعات الثقافية والإبداعية الواعدة بإنتاج القيمة المضافة اقتصاديا ، والقيم الإبداعية والديناميات الثقافية المطلوبة للحياة العامة، ومن جهة ثانية، فإن البلاد تخسر من حيث الهدر الاقتصادي البين في مجال تنظيم وحماية مختلف حلقات السلسلة الانتاجية للمعارف والعلوم والفنون، وما يخلفه ذلك من هدر في محاصيل الضرائب لخزينة الدولة، وما يتم هدره من فرص للشغل بالنسبة لفئات كثيرة من المنتجين والمنشطين والفاعلين الذاتيين والوسطاء في حقل الصناعات الثقافية والفنية.
وأمام موجة فنية عارمة تتميز بإقبال العديد من الفنانين على إعادة أداء أغاني تراثية لفنانين مجهولين أو معروفين، وما يرتبط بذلك من حماية المبدعين الأصليين، يقول قرمان إن “الثقافة الشعبية” في بعدها التراثي العريق، وخصوصا تلك الأعمال الأصيلة التي لا يعرف لها مؤلف أو مبدع أصلي، تحمل ملكية فكرية مشتركة للمجتمع المغربي برمته. ولذلك، ينص القانون المنظم لحقوق المؤلفين والحقوق المجاورة على أن المكتب المغربي هو المكفول له السهر على حماية هذا الموروث الثقافي والفني، بحيث يمنح التراخيص باستعماله.
إن استثمار وإعادة إنتاج الأعمال التراثية، يضيف الباحث والناشط الجمعوي، أمر مباح ويساهم في تعريف الأجيال الجديدة بما أنتجه السلف، لكن ينبغي كذلك الالتزام بالمساطر الإجرائية قصد الجمع بين الحسنيين، من جهة العمل على تحيين وإحياء التراث مع المحافظة على خصوصيات المصدر المرجعي للعمل التراثي وتوثيقه وصيانته من الضياع أو التشويه، ومن جهة ثانية، إطلاق ديناميات الإبداع المتجددة فيما يخص إحياء وتجديد التراث المغربي الغني والمتنوع في حلل إبداعية حديثة، قصد ربط الأجيال الشابة بجذورها الثقافية.
الحدث/ وم ع