فضيحة “المدرسة القرآنية” بالرقاب: التونسيون يبحثون عن الحقيقة

0

بعد تجاوز وقع المفاجأة، والذهول والصدمة، على خلفية الكشف عن حقائق مثيرة حول وجود مدارس قرآنية عشوائية تشتغل على طريقة طالبان أفغانستان، جاء طرح تساؤلات شائكة حول الحكامة، والدور الموكول للسلطات الجهوية، وحول التهديدات الكامنة التي تتربص بمدنية الدولة والمؤسسات التونسية.

الحقائق حول المدرسة القرآنية بالرقاب (ولاية سيدي بوزيد بوسط غرب البلاد)، التي تناقلتها وسائل إعلام، خلفت صدمة بالبلاد، بعدما كشفت أن الحركات الدينية المتطرفة لم تلق بعد أسلحتها، على الرغم من الجهود المبذولة لمحاربتها.

بل على العكس من ذلك، وأمام ذهول الجميع، فقد صعق التونسيون بعدما اكتشفوا أن هذه الحركات واصلت انتشارها في مختلف المناطق وبكافة الوسائل، بغرض توسيع أذرعها وخلق هياكل موازية للمؤسسات العمومية.

فقد أثار سوء معاملة أطفال، غالبيتهم غير متمدرسين، وتجنيدهم، على مسمع ومرأى من الجميع وبموافقة سلبية من آبائهم، الذهول في بلد يستفيق كل مرة، مشدوها أمام توالي قضايا تزيد من إغراقه كل يوم أكثر في حالة من الشك والخوف.

وبغض النظر عن مساسها بمدنية الدولة ودستور البلاد، فقد هزت هذه القضية البلاد برمتها وعرت عن اختلالات خطيرة، وتراخ على مستوى تدبير القضايا الجهوية، فضلا عن سلفية زاحفة ما فتئت تزداد انتشارا تحت أوجه متعددة.

وقد انكشف الأمر على إثر بث قناة “الحوار التونسي”، يوم 31 يناير الماضي، ربورتاجا أماط اللثام عن وجود “مدرسة” موازية، فتحت منذ سنة 2012، وهي أشبه بمعسكر احتجاز، حيث تدور وقائع مرعبة في الخفاء وفي ظل إفلات تام من العقاب.

وقد تخلى هؤلاء التلاميذ، وأغلبهم في سن التمدرس، عن المدرسة العمومية، الإلزامية والمجانية بتونس، للالتحاق بهذه المدرسة، حيث يقاسون ظروفا أقل ما يقال عنها إنها غير إنسانية، ويجبرون على القيام بأعمال شاقة، ويعانون من الربو، والجرب، والقمل ويتعرضون لاعتداءات جنسية.

وأكد تقرير الطبيب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي شارل نيكول بتونس العاصمة الشكوك حول ارتكاب اعتداءات جنسية خطيرة في حق أطفال “المدرسة القرآنية” بالرقاب.

وقد تسبب الربورتاج الذي تم بثه في زلزال حقيقي. فعلاوة على ردود الفعل التي صدرت عن مختلف مكونات المجتمع المدني، سارعت الحكومة، التي يبدو أنها فوجئت بهذه القضية، إلى تدارك الموقف بسرعة. وبالفعل، فإن هذه القضية تأتي في توقيت سيء وقد يتم استغلالها من قبل العديد من الأطراف.

ومن الواضح أن هذه القضية اتخذت، بطبيعة الحال، أبعاد قضية دولة، تتجاوز بكثير هذا المخبأ للتكوين على الإرهاب والاعتداء الجنسي على الأطفال.

ففي ظل السياق المتوتر الذي تعيشه تونس حاليا، ينتظر الفاعلون السياسيون أكثر من أي وقت مضى أن تكشف الحكومة للرأي العام الحقيقة كاملة حول هذا الملف، والذي “يبدو كالجزء الظاهر من برنامج واسع معد ليفرض على التونسيين نموذج مجتمع ماضوي”.

ولعل ذلك ما يفسر تسارع الأحداث، حيث أعلنت رئاسة الحكومة بسرعة عن إقالة والي سيدي بوزيد، وكذا معتمد الرقاب.

ومن جهتها، أشارت وزارة الداخلية إلى أن وحدات أمنية متخصصة تم إيفادها إلى عين المكان، يوم 29 يناير الماضي، لاحظت أن 42 طفلا تتراوح أعمارهم ما بين 10 و18 سنة و27 شخصا بالغا تتراوح أعمارهم ما بين 18 و35 سنة يتقاسمون الداخلية نفسها، وهم ضحايا سوء المعاملة والاستغلال في أشغال للفلاحة والبناء وتتم حشدهم من خلال تلقينهم أفكارا وممارسات متطرفة.

وأعلنت النيابة العامة، أن مالك المدرسة، الذي يتوفر على مبالغ مالية كبيرة في حسابه البنكي، تم وضعه رهن الاعتقال من أجل الاتجار بالبشر، والاستغلال الاقتصادي لأطفال والعنف، فضلا عن شبهات حول انتمائه لتنظيم إرهابي.

من جانبه، وضع قاضي الأسرة الأطفال تحت حماية أطباء نفسانيين ومساعدين اجتماعيين وأطباء شرعيين داخل أحد المراكز بالعاصمة.

وعلاوة على ذلك توجه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، يوم الثلاثاء الماضي، إلى مركز الإيواء بحمام الليف (ضاحية تونس العاصمة)، حيث تم إيواء الأطفال الذين تم العثور عليهم بالمدرسة القرآنية بالرقاب.

وأكد رئيس الحكومة أن “تونس دولة مدنية ولا تقبل تعبئة أطفال واستغلالهم”، مشددا على أن جميع الأشخاص المتورطين من قريب أو بعيد في هذه القضية ستتم محاسبتهم على أخطائهم.

أما وزيرة المرأة والطفولة، فقد وجهت أصابع الاتهام لهذه الآفة التي تنخر المجتمع التونسي، داعية الآباء إلى المزيد من اليقظة وإخطار السلطات في حالة ما إذا ساورتهم شكوك.

ودقت العديد من الجمعيات المهنية ومن المجتمع المدني ناقوس الخطر حول هذه المدارس التي اعتبرت بمثابة “مشاتل” أو “حاضنات لإرهابيين” مستعدين للالتحاق ببؤر النزاع (سورية، العراق أو ليبيا).

وعلى الرغم من الزوبعة التي تسببت فيها هذه المدرسة، فقد تم اكتشاف أن مدرسة الرقاب ليست حالة معزولة، حيث جرى الإعلان عن وجود مدارس مشابهة بالعديد من مناطق البلاد.

ففي فوشانة (ضاحية قريبة من العاصمة) تم إغلاق مدرسة، كانت تحتضن 38 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 16 و27 سنة كانوا ينامون في الفضاء نفسه. كما أن مبروك كرشيد الوزير السابق لأملاك الدولة كشف عن وجود فضاء مماثل بمدنين (جنوب شرق). وجرى الحديث أيضا عن وجود فضاءات أخرى على التوالي بالمنستير (وسط شرق) وفضاءين آخرين بولاية بني عروس.

ومما يثير الاستغراب أنه فضلا عن أولياء التلاميذ، اختار العديد من المحامين السباحة ضد التيار، مفضلين الدفاع عن هذه “المدرسة”، بل وذهبوا إلى حد توجيه تهديدات مباشرة ضد وكيل الجمهورية بسيدي بوزيد.

الحدث/و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.