وتقاطعت مداخلات الباحثين فريد الزاهي ومحمد نور الدين أفاية، في جلسة أدارها الباحث محمد زرنين، ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، لتضيء أبعاد متن فكري وإبداعي كبير ومتعدد هدم الحدود بين الحقول المعرفية وحجز مكانا متميزا ضمن نخبة الأسماء التي رفدت الفكر المغربي المعاصر بإسهام فارق، بالأسلوب والمضمون معا.
ومن خلاصات صحبة فكرية وشخصية طويلة، استعاد الزاهي صورة قامة فكرية وإبداعية سامقة تنقلت بفعالية بين عوالم السوسيولوجيا والفكر والأدب والنقد والفنون، وهي سمة لعلها أحدثت شرخا على مستوى تلقي تراث الراحل، بين العالم العربي والغربي.
“لم نقرأ بعد الخطيبي كاملا”، يقول فريد الزاهي الذي ترجم عددا من مؤلفات الرجل الذي كان سباقا الى طرح سؤال الجمع بين تمثل الحضارة المغربية الجامعة وفكرة المغرب المتعدد الغني بمكوناته الثقافية المختلفة.
وهو يقدم نموذجا “لآفة النسيان” التي تلف هذا الإرث الفكري، على حد تعبيره في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، رواية “كتاب الدم” التي نشرها الراحل بالفرنسية، ولم يترجم إلا فصل منها عن طريق الشاعر أدونيس، مع أنها أرفع قيمة، في نظره، من نصوص روائية كثيرة حققت الشهرة في سماء الأدب المغربي المكتوب بالفرنسية.
كما توقف صاحب كتاب “عبد الكبير الخطيبي: الكتابة والوجود والاختلاف” عند العلاقات السجالية التي أقامها الراحل مع نخبة من الأعلام، من موقع الندية والقراءة المتحررة من أي عقدة، من قبيل عبد الله العروي مغربيا، أو جاك بيرك وجاك ديريدا ورولان بارث فرنسيا. في هذا السياق، يقول الزاهي إن الخطيبي “حرر جيلا كاملا من دوغمائية الماركسية وعبثية سارتر..”.
في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي المتعدد، صانع القلق، حسب محمد نور الدين أفاية، الذي يستعرض رصيدا عابرا بين الرواية والمسرح والنقد التشكيلي والثقافة الشعبية فضلا عن البحث في العلوم الانسانية والاجتماعية.
يرى أفاية أن صاحب “الاسم العربي الجريح” نحت لنفسه أسلوبا خاصا، مستفزا، وصاغ نمطا من الكتابة يتغير بتغير مجالات اهتماماته، وتمرد على الحدود المنهجية للسوسيولوجيا في مقاربة الظواهر رغم تكوينه فيها، منبها إلى أنه اكتسب الجدارة والتفرد ضمن كوكبة لامعة من رواد الفكر المغربي الحديث من أمثال بول باسكون وعزيز بلال وعبد الله العروي.
هو خصم للثنائيات المعرفية (مثلا بين التراث والحداثة)، يقول أفاية، يغوص في المسكوت عنه، ويسائل الهامش، ويكسر الحدود الوهمية بين الحقول وأنماط التفكير، بين مجالات الكتابة العقلانية والمتخيلة. وأكثر من ذلك، هو فاتح طريق للبحث في المجال البصري المغربي والعربي من فن الخط الى الزربية مرورا بالوشم..الخ.
يذكر أن عبد الكبير الخطيبي ولد بالجديدة سنة 1938 وتوفي سنة 2009 بالرباط. عمل أستاذا جامعيا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس، ومديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي. من أعماله “الذاكرة الموشومة” (1971)، “فن الخط العربي” (1976)، “النقد المزدوج” (1980)، “الرواية المغاربية” (1993)، “صيف بستوكهولم” (1990)، “صور الأجنبي في الأدب الفرنسي” (1987).
الح:م