“اتفاقية جدة للسلام” بين إثيوبيا وإريتريا: تعزيز للأمن والسلم في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر

0

يوسف صدوقنافذة الأمل للسلام في العالم، هكذا وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اتفاقية السلام التي وقعها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي أمس الأحد في جدة السعودية، والتي أنهت الصراع الدائر بين البلدين الجارين في القرن الإفريقي لأزيد من 20 عاما.

ولعل ما عزز نبرة التفاؤل في حديث غوتيريس الذي حظر مراسيم التوقيع على الاتفاقية برعاية السعودية، أن الاتفاق يأتي في سياق عالمي “ينضب فيه الأمل”، وبعد أسابيع قليلة فقط عن اتفاق مماثل وقعه الفرقاء السياسيون في دولة جنوب السودان، وهو ما اعتبره الأمين العام الأممي تمهيدا للتعاون والتبادل التجاري في القرن الإفريقي والقارة الإفريقية.

وليس بخاف أن تحقيق السلام بين البلدين المتصارعين منذ تسعينيات القرن الماضي هيأت له ظروف موضوعية وجيوسياسية، إلا أنه كان أيضا تتويجا لجهود دبلوماسية بذلتها السعودية بدعم إمارتي، امتدت على مدى أشهر طويلة، تخللتها زيارات متبادلة لبحث سبل وإمكانيات الوصول إلى اتفاق بين البلدين المتجاورين، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

ويؤكد المراقبون أن المساعي التي بذلتها السعودية لاحتواء هذا النزاع الدائر في هذه المنطقة الاستراتيجية المطلة على خليج عدن والقريبة من باب المندب، أحد أبرز مسارات النفط والتجارة في المنطقة والعالم، نابعة من إدراك الرياض لمدى الارتباط الوثيق بين أمن القرن الأفريقي والخليج العربي.

وفي هذا السياق، قال الكاتب والمحلل الاستراتيجي السعودي، علي بن حسن التواتي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الجهود الدبلوماسية للمملكة لتكريس المصالحة الإثيوبية الإيريترية تندرج في إطار تعزيز الأمن القومي السعودي والعربي بصفة عامة، وتروم تفادي حرب إقليمية على غرار ما حصل في اليمن الذي استخدمت فيه قوة أجنبية مؤثرة في المنطقة (إيران) مليشيا تابعة لها للانقلاب على الشرعية وتهديد أمن دول الجوار.

وأوضح الخبير السعودي أن أي صراعات في منطقة البحر الأحمر أو بحر العرب له انعكاسات سلبية على الأمن القومي السعودي خصوصا والعربي بصفة عامة، مبرزا في هذا الصدد أهمية حل النزاع الإثيوبي الإيرتيري الذي “ليس أكثر من مجرد مشاعر مترسبة منذ حرب الاستقلال”.

وفي ظل هذه الأجواء من عدم الثقة وما شهدته منطقة القرن الإفريقي من اختراقات حولت جيبوتي إلى مجمع للأساطيل الأجنبية، يضيف المتحدث، سارعت المملكة والامارات إلى إصلاح ذات البين بين اثيوبيا واريتريا من أجل فتح صفحة جديدة تمكن البلدين من التعاون من جهة، ومن ضمان أمن الجزر والموانئ التي توثر على حركة الملاحة في البحر الأحمر من جهة أخرى.

وأكد أنه ليس من مصلحة الأمن القومي العربي أن تتجمع مزيد من الأساطيل الأجنبية في المنطقة كما حصل في جيبوتي ، لاسيما وأن إريتريا تملك أرخبيل جزر “دهلك” ذات الموقع الاستراتيجي القريب من مضيق باب المندب، ومن خطوط الملاحة الرئيسية في البحر الأحمر.

وقال التواتي في هذا الصدد، إن نزع فتيل الصراع بين الطرفين بموجب اتفاقية جدة للسلام من شأنه أن يسمح لأثيوبيا التي لا تملك منفذا على البحر أن تستفيد من موانئ أريتريا، معتبرا أن هذه الخطوة قد تمهد السبيل أيضا للتعامل الحضاري والسلمي مع قضية حوض النيل، لاسيما في ضوء الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي مؤخرا إلى مصر.

وبدوره قال الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي خالد باطرفي إن الأمر يتعلق ب”مرحلة تاريخية” في علاقات البلدين، ذلك أنه على الرغم من وثوق العلاقة بين شعبي البلدين، إلا أن الخلاف السياسي بين الدولتين حال دون إرساء جسور التعاون بينهما والاستفادة من إقامة مشاريع مشتركة.

ولفت باطرفي إلى أن اتفاقية جدة للسلام دشنت أيضا “مرحلة من التعاون الأمني في منطقة القرن الإفريقي”، موضحا أن الصراعات في هذه المنطقة تترك فراغا تستفيد منه المنظمات الإرهابية كتنظيمي (داعش) و(القاعدة) وغيرهما، مثلما تستفيد منه جماعة الحوثي اليمنية في تهريب السلاح، في تهديد مباشر للسلم في المنطقة والخليج العربي.

ويأتي توقيع اتفاق السلام بين أسمرة وأديس أبابا لينهي فصلا من فصول القطيعة والحرب التي سادت علاقة البلدين لأكثر من 20 عاما، وكانت إحداها تلك التي اندلعت بينهما في مايو 1998 حول ما يعرف باسم “مثلث بادمي” الحدودي الذي يضم 3 مناطق بادمي وتسورنا ويوري.

وكانت إريتريا تابعة لإثيوبيا منذ استقلال الأخيرة عن الاستعمار البريطاني، قبل أن تحصل على استقلالها في أوائل تسعينات القرن الماضي، ليدخل البلدان في عداء طويل، أصبحت معه إثيوبيا دولة مغلقة وبدون أي منفذ على البحر.

ووقع الطرفان على اتفاقية الجزائر عام 2000 التي أنهت القتال المباشر بينهما، لكن حالة اللاحرب واللاسلم والقطيعة تواصلت بين البلدين، ولا سيما بعد رفض أديس أبابا تنفيذ قرار اللجنة الدولية للحدود، الذي قضى بتبعية المثلث المتنازع عليه لإريتريا.

وبدأت بوادر انفراج الأزمة بين البلدين الجارين بتطورات سريعة استهلها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد وحكومته بإعلان تبعية مثلث (بادمي) لإريتريا، وتعهد بسحب القوات الإثيوبية منه وتنفيذ قرار اللجنة الأممية الصادر في 2002 بتبعية المنطقة لأسمرا.

وتجاوبت أسمرة مع الخطوة الإثوبية وقامت بسحب قواتها من الحدود ضمن إجراءات بناء الثقة، إضافة إلى إعلان فتح السفارة الإثيوبية في أسمرة، وخطوات أخرى باتجاه السلام، ما فسح المجال لفتح الحدود البرية للمرة الأولى منذ 20 عاما.

كما تبادل زعيما البلدين زيارات حظيت بحفاوة شعبية، وجرى خلالها الاتفاق على خطوات لتعزيز العلاقات الثنائية منها إطلاق الرحلات الجوية بين البلدين وتطوير الموانئ، وأصدرا في 24 يوليوز الماضي بيانا مشتركا أشادا فيه بالدور السعودي في جهود إنهاء الخلاف بينهما.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.