عبدالله بوصوف …المغرب..طوق نجاة الجزائر منذ معاهدة ” دو بورمون “….

0

و تأتي هذه الدعوات الى المصالحة في سياقات سياسية و اقتصادية مختلفة…لم يكن فيها المغرب أبدًا طرفا ضعيفا أو مهزومًا..بل كان في دائرة مستقرة و واثقا من امكانياته و مدركًا لكل التحديات… وفخورا بالدينامية الإيجابية بخصوص ملف الوحدة الوطنية و الترابية ، الصحراء المغربية سواء من خلال قرارات إيجابية من مجلس الامن الدولي أو من خلال اعترافات مباشرة بمغربية الصحراء و فتح قنصليات بالعيون و الداخلة أو دعم مبادرة الحكم الذاتي…

وحتى نكون اكثر دقـة و واقعية ، فيكفينا التذكير السريع لبعض سياقات الأحداث قبل و بعد خطابيْ العرش لسنتي 2022 و 2023..اذ عرفت هذه الفترة تحركا عدائيا من جانب واحد تمثـل في قطع العلاقات من جانب واحد في صيف 2021 ثم قطع أنبوب ” ميدغاز” في شهر أكتوبر من نفس السنة…ثم مختلف محاولات النيل من صورة المغرب بالخارج كتورط الأجهزة الجزائرية في ملف ” قطرغيت ” و فشل محاولة بثر الصحراء من مغربها في خريطة القمة العربية بالجزائر و وَعْـد مساعدات للرئيس التونسي بقيمة 300 مليون دولار مقابل استقبال زعيم الانفصاليين ، و الخروج الإعلامي المُؤدى عنه لرئيس الجزائر في قنوات خليجية و وفرنسية من أجل النفخ في تمثال ” القوة الضاربة ” ، و إقحام ” القزم ” حفيد مانديلا في نشاط “الشان ” الرياضي..و هزيمة الجزائر في تمثيل شمال افريقيا في ” الكاف ” مقابل فوز كبير لممثل ليبيا الشقيقة..

و مقابـل هذه اللائحة المتنوعة من المحاولات الحاقـدة والفاشلة ، حقق المغرب في نفس الفترة انتصارات كبيرة تمثلت أساسا في عودة العلاقات المغربية/ الاسبانية و اعترافها بقوة و فعالية مبادرة الحكم الذاتي، إعادة تشغيل أنبوب ” ميدغاز ” ، اعترافات دول قوية وكبيرة بالصحراء المغربية كأمريكا و المانيا و هولندا و بلجيكا و البرتغال..آخـرها دولة إسرائيل..فشل اقحام المغرب في ” قطرغيت ” و استقالة مُـذلـة للقاضي البلجيكي ، و انجاز غير مسبوق للفريق الوطني في ” مونديال قطر ” و فتح المزيد من القنصليات بمدن الصحراء المغربية …

و لأن الخطابات الملكية ليست ذات طبيعة انفعالية ، بل هي مؤسِسة لمنظومات سياسية و تشريعية و قانونية و توجيهية و لمفاهيم وقيم أخلاقية..فقد تميزت ومنذ سنة 2008 بعدم قطع ” شعرة معاوية ” مع الجزائر شعبًا وقيادة..و دعت الى طي صفحة الماضي و التركيز على مستقبل الشعبين الشقيقين..
و هي رغبة فسرها بعض قصيري النظر بأنها ضعف الموقف المغربي…في حين أنها تطبيق عميق لروح القول المأثور ” العفو عند المقدرة ” أي أن الذي بإمكانه العفو بإمكانه العقاب أيضا…

لكن لا يمكن أن تغيب عن كل قارئ متأني..رغبة أخرى تضمنتها الخطابات الملكية تتعلق بطمأنة الجزائر قيادة و شعبا عن أمنها و استقرارها و عدم الإساءة إلى الأشقاء في الجزائر…وانهم سيجدون المغرب والمغاربة إلى جانبهم في كل الظروف و الأحوال…و أن المغرب لن يكون أبـدا مصدر أي شـر أو سـوء..
و حتى هذه الرغبة فسًـرها بعض معاول الهدم بأنها حالة وهـن مغربي..لكن الحقيقة المُغيبة في الاعلام الجزائري ، هي أن هذه الرغبة ليست وليدة السياق السياسي الحالي ، بل هي عنوان كبير لمسلسل طويل من الاحداث التاريخية التي دفعت فيها المملكة الشريفة ضريبة حسن الجوار و التضامن مع الأشقاء في الجزائر..

نحن لا نقول هذا الكلام من أجل إشباع رغبة شخصية أو الإفـراط في الإنتماء لهذا الوطن المغربي الذي آمن الشعب الجزائري من خوف و أطعمهم من المجاعات و الأوبئة التاريخية لسنوات 1865 و 1868 ذهب ضحيتها 500 الف جزائري ..حيث عُرفت هذه الفترة ب ” عام الشًـر “..
المغرب الذي خاض معركة ” إيسلي ” سنة 1844 ضد الجيوش الفرنسية بعد احتضانه للأمير عبد القادر و رفضه تسليمه لفرنسا مع تزويد المقاومة بالسلاح و الرجال…المغرب الذي تحمل ضريبة التضامن والجوار بفرض شروط معاهدة ” لالة مغنية ” القاسية من ضرائب و اقتطاع لأراضيه…سنة 1845..
هو نفس المغرب الذي سيقف مع الحركة الوطنية و تزويدها بالسلاح و إيواء الهاربين من الجيوش الفرنسية..و تشكيل أول حكومة موقتة بمنزل المجاهد ” محمد الخضير الحموتي ” بمنطقة ” بني انصار ” بالناظور…في الخمسينيات من القرن الماضي..
و هو نفس المغرب الذي قـدم دعما سياسيا في ملف استقلال الجزائر بهيئة الأمم المتحدة مع المغفور لهما السلطان محمد الخامس و الملك الحسن الثاني رحمهما الله…الدعم السياسي سيتعزز بإجراء المغرب لمقابلة في كرة القدم سنة 1958 مع المنتخب الجزائري و يتحمل عقوبة ” الفيفا ” التوقيف لسنتين ،لكن السلطان محمد الخامس سيرد عليهم بقولـه ” حتى لو كانت العقوبة أربع سنوات سيخوض منتخبنا هذه المباراة من أجل الجزائر ..” هو نفس السلطان محمد الخامس الذي سيرفض التجارب النووية لفرنسا / ديغول في الصحراء الشرقية..التي ضمتها لاحقا للجزائر…!
و هو المغرب نفسه ، الذي يـمد يـد المصالحة للأشقاء في عهد الملك محمد السادس ، و يؤكد لهم أن المغرب لن يكون أبدًا مصدر للشـر أو السوء…
فلا يمكن إنكـار كل هذه الحقائق التاريخية..فالمغرب و على مـر تاريخ جِـواره مع الجزائر شكل الامتداد الجغرافي و الإنساني للأشقاء الجزائريين…لذلك فلا يمكن تفسير النداءات المغربية للمصالحة و الطمأنينة…خارج سياقات تقاليد السلاطين والملوك المغاربة اتجاه جار عانى ويلات الكوارث الطبيعية و المجاعات و فترات استعمار طويلة و تنوع المُستَعمريـن…

إن ما تعيشه الجزائر اليوم من عزلة دولية واضحة و إخفاقات سياسية و اقتصادية و ديبلوماسية..تجعلنا نطرح السؤال : هـل يعيد التاريخ نفسه ، ليقوم المغرب بدوره التقليدي كطوق نجاة للجزائر..؟
فالجزائر لم تنجح في تطويرعلاقاته المتشنجة مع المستعمر السابق فرنسا..لم تنجح في لَـوْي دراع اسبانيا في ملف اعترافها بقوة الحكم الذاتي..لم تنجح في علاقاتها مع روسيا بدليل عدم قبولها في مجموعة البريكس..لم تنجح أن تكون فاعلا عربيا بدليل فشلها في إرجاع سوريا للجامعة العربية..لم تنجح في ملف توحيد الفصائل الفلسطينية رغم هبـة30 مليون دولار..لم تنجح في توظيف العائدات المالية الكبيرة في تنمية البلاد بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا..كما فعلت دول أخرى منتجة للغاز الطبيعي كالنرويج مثلا…ولم تنجح في في تشويه صورة المغرب بالخارج رغم سيل أنبوب الدولارات من حنفيات سونطراك..
كما لم تنجح في خلق علاقات جادة مع كل جيرانها فلا هي أوفت بوعودها المالية تجاه تونس/ قيس السعييد ، و لا هي نجحت في مصالحات ليبيا و لا هي نجحت في ان تكون فاعلا افريقيا اذ لم تشارك في وفد المصالحة الافريقية في الحرب الأوكرانية/ الروسية..

لكن يبقى ملف النيجر من أكبر تحديات القيادة الجزائرية..ليس لأنها تشترك معها في 1000 كيلومتر حدودية فحسب ، مما يجعل من كل صراع مسلح أو تدخل عسكري هو تهديد حقيقي للجزائر من هجرات جماعية و مساحة جديدة لتحرك الجماعات الإرهابيين بالمنطقة، بل هناك مصالح اقتصادية مشتركة خاصة مشروع أنبوب الغاز النيجيري مرورا بالنيجر و في ظل هذه الأجواء المتوثرة ، فإن ذات المشروع سيعرف التأجيل الى أجل غير مسمى ، كما كانت غائبة في ملف انقلاب النيجر الأخير..كما تربطها بالنيجر إتفاقية ثنائية في مجال الهجرة تسمح للجزائر طرد المهاجرين بالقوة..إذ وصلت الأرقام منذ بداية السنة إلى 20 الف حالة طرد..و لا يمكن القفز على ملف ” قبائل الطوارق” التي تستقر في كل من ليبيا و النيجر و الجزائر و مالي..و هي القبائل التي طالبت أكثر من مرة بالحكم الذاتي…لذلك سارع ” تبون ” يوم 5غشت الى التصريح بأنه لا يمكن الحديث عن حلول بالنيجر بدون الجزائر…لانه يعرف مسبقا أن الجزائر ستحترق بنار النيجر على المستوى الأمني و السياسي…
و لنقف على حقيقة واحدة ، وهي أن الجزائر الآن معزولة عن كل جيرانها الحدوديين تونس و ليبيا و النيجر …و مهددة في استقرارها السياسي في أفق الرئاسيات لسنة 2024…من جهة و من ” القنبلة الموقوتة الطوارق ” من جهة ثانية..فهل سيكون المغرب طوق نجاة الجزائر..؟ التاريخ يقول نعم ،و سيجدون المغرب و المغاربة بجانبهم في كل الظروف و الأحوال…فماذا تقول القيادة الجزائرية..و ماذا يقـول الشعب الجزائري..؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.