2017 : سنة فارقة في إصلاح منظومة العدالة وتجسيد الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية

0

تكثفت في السنوات الأخيرة جهود إصلاح منظومة العدالة بالمغرب وعرفت وتيرة متسارعة، لكن 2017 ستظل السنة الفارقة في مسار إصلاح هذه المنظومة والتي تجسد خلالها انبثاق الهيئات القيادية للسلطة القضائية المستقلة.
فخلال هذه السنة، التي ستبقى بحق مرجعا في تقوية ركائز البناء المؤسساتي والديمقراطي للمملكة عبر توطيد الفصل بين السلط، تم تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية من خلال تنصيب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفصل تبعية النيابة العامة عن وزارة العدل بتسلم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض السيد محمد عبد النباوي سلطة رئاستها.
وفي هذا السياق، قام جلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، يوم 6 أبريل 2017، باستقبال وتعيين أعضاء المجلس، حيث تم تعيين السيد مصطفى فارس، بصفته الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا للمجلس.
ولعل من أبرز المميزات التي يتسم بها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى جانب تعزيز انفتاحه على محيطه وتوسيع اختصاصاته، تنوع وتعددية تركيبته، إذ يضم شخصيات مؤسساتية وطنية مهمة وقضاة وأشخاصا من ذوي الكفاءة والخبرة القانونية والقضائية والحقوقية العالية ومشهود بعطاءاتهم القيمة في الساحة الوطنية.
ومواصلة لهذا المسار الإصلاحي لمنظومة العدالة، احتضن مقر رئاسة النيابة العامة بالرباط، في 6 أكتوبر 2017، حفل تسلم الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض السيد محمد عبد النباوي سلطة رئاسة النيابة العامة من وزير العدل السيد محمد أوجار، في خطوة لافتة أنهت تبعية النيابة العامة لوزارة العدل، وبالتالي تكريس فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. 
ومهدت المناقشات المتعددة والمتنوعة للحوار الوطني حول الإصلاح الشامل والمعمق لمنظومة العدالة، والخلاصات الصادرة عنه سابقا، الطريق لبلورة مختلف هذه التوجهات الإصلاحية الرامية إلى تعزيز مكانة القضاء في البناء المؤسسي الوطني والارتقاء بالسلطة القضائية إلى سلطة قائمة الذات، مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولا إلى محطة مصادقة البرلمان على القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، المتضمنين في دستور 2011.
وفي هذا السياق، قال الأستاذ بكلية الحقوق أكدال الرباط، محمد أشلواح، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفصل النيابة العامة عن وزارة العدل يمثل تجسيدا للمبدأ الديمقراطي المتعلق بالفصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية.
وقال أستاذ القانون إن فصل النيابة العامة عن وزارة العدل “يكرس البداية الحقيقية لاستقلال الجهاز القضائي، لأنه لا يمكن الحديث عن فصل السلطات إذا كان وزير العدل يترأس النيابة العامة”.
واعتبر أن وزارة العدل تعد “جهازا سياسيا ينتمي للسلطة التنفيذية، فيما النيابة العامة جهاز قضائي وهو ما يؤدي إلى تأثير السياسي على القضائي”، مؤكدا أن فصل النيابة العامة عن وزارة العدل “خطوة جريئة ومتقدمة في إطار ترسيخ العدالة، وتكرس بشكل عام استقلالية السلطة القضائية بما يعزز البناء الديمقراطي للبلاد ويوفر ضمانات مؤسساتية وقانونية للقضاة، تقوي استقلاليتهم أكثر في مواجهة أي تأثيرات أثناء فصلهم في الملفات المعروضة أمامهم”.
ولفت الأستاذ أشلواح إلى أن استقلالية السلطة القضائية “لا تعني أن هناك طلاقا مع باقي السلط الأخرى، بل هناك دائما تعاون وتكامل، لكن الأساسي أن كل سلطة لها اختصاصات وصلاحيات لايمكن لأي سلطة أخرى أن تنازعها اختصاصاتها أو تؤثر عليها”.
من جانب آخر ، اعتبر الأستاذ الجامعي أن تنوع وتعددية تركيبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية تعتبر “مسألة مهمة لكونها تخلق نوعا من التكامل الداخلي والتوازن في القرارات بما يعزز العدالة، إضافة إلى أنه يوفر ضمانات للمشتغلين في المجال، وباﻷساس القضاة”.
وأشار إلى أنه بالموازاة مع تجسيد مؤسسات استقلالية السلطة القضائية يتعين أيضا الانكباب على مراجعة وإصلاح القوانين المرتبطة بالقضاء ومنظومة العدالة بشكل عام، وكذا بالقوانين والنصوص المؤطرة لبعض المهن المساعدة للقضاء كالمحاماة والخبراء والموثقين والعدول والتراجمة المحلفين والمفوضين القضائيون. 
وخلص إلى أن 2017 تمثل انطلاقة حقيقية وفعلية لتكريس منظومة العدالة وتجسيد استقلالية السلطة القضائية على مستوى العلاقة مع باقي السلط.
وموازاة مع ذلك، تتواصل جهود إصلاح منظومة العدالة بالانكباب على مراجعة القانون الجنائي في اتجاه إقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، وكذا القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية لتعزيز أكثر ضمانات المحاكمة العادلة، فضلا عن قانون المسطرة المدنية لضمان فعالية الجهاز القضائي، وانتهاء بإصلاح العدالة العسكرية، فضلا عن جهود إصلاح المهن المرتبطة بالقضاء.
كما تنكب جهود السلطات العمومية على إحداث آلية وطنية للوقاية من التعذيب طبقا للبروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة، الذي صادق عليه المغرب.
ويبقى تفعيل هذه الإصلاحات إلى جانب القضاء على ظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، بعد اتخاذ عدد من الإجراءات الصارمة ومراجعة الجوانب القانونية المتعلقة بالأمر، فضلا عن الاشتغال الفاعل والنشيط للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة في مختلف الاختصاصات الواسعة، التي يتوفران عليها بموجب القوانين المؤطرة لعملهما من أبرز رهانات السنة المقبلة.

ح/م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.