دعت ندوة مغربية قطرية، اليوم الاثنين بالرباط، إلى وضع مخطط عملي واستراتيجية محكمة للتطبيق الأمثل للقانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني بكل من المملكة المغربية ودولة قطر.
وأكد المشاركون في مائدة مستديرة حول موضوع “إدماج القانون الدولي الإنساني وطنيا” أن التطبيق ينطلق بالنشر والتعريف وينتهي باستكمال مختلف الصكوك الدولية لهذا القانون، مرورا بعملية المواءمة التشريعية للقوانين الوطنية مع أحكام تلك الصكوك.
وقالت رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني السيدة فريدة الخمليشي في كلمة بالمناسبة، إن اللجنة المغربية كان لها حافز كبير على المضي في هذا المسار، مبعثه دستور المملكة المغربية، الصادر سنة 2011، مسجلة أنه أقر بالنهوض بالتزامات دستورية ذات صلة بالموضوع، وذلك من خلال تأكيد ديباجته على سمو الاتفاقات الدولية المصادق عليها.
وأضافت أن اللجنتان القطرية والمغربية تتطلعان إلى أن تكون هذه المائدة المستديرة مختبرا للتفكير في كيفية تفعيل القرار رقم 1 حول إدماج القانون الدولي الإنساني وطنيا، ووضع خارطة طريق لتحسين تنفيذ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني”.
وشددت على ان الطموح من خلال النقاش وتبادل الخبرات حول القرار 1 يبقى هو تحديد الممارسات الفضلى والبحث عن الدينامية وتسريع الخطى لتطوير وسائل وآليات عمل كل من اللجنة المغربية واللجنة القطرية، وتعزيز دورهما لمساعدة البلدين على الوفاء بالتزاماتهما المترتبة على اتفاقيات جنيف لسنة 1949 وبروتوكولاتها الإضافية وغيرها من الصكوك ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني.
من جهته، ذكر رئيس اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بدولة قطر السيد سلطان بن عبد الله السويدي أن التعاون المغربي القطري أطرته مذكرة الدوحة الموقعة بين اللجنتين سنة 2016، مشيرا إلى أنه من بين ثمار هذا التعاون استمرار تنظيم مثل هذه الندوات سنويا ما بين مدينتي الرباط والدوحة.
وأوضح السيد بن عبد الله السويدي أن موضوع المائدة المستديرة يكتسي أهمية بالغة، وهو ما دفع اللجنتان إلى اختيار مواضيع ومحاور النقاش بتركيز وعناية، لكي يفي هذا اللقاء العلمي الأكاديمي بالهدف الذي أحدث من أجله.
وأبرز المتحدث ذاته، أنه سيتم خلال هذا اللقاء استعراض تجربتين مختلفتين باختلاف طبيعة كل بلد، وذلك من أجل التعرف على دور كل لجنة وطنية في عملية نشر هذا القانون الهام بين فئات المجتمع.
من جهة أخرى، أكد المسؤول القطري أن القانون الدولي الإنساني يتألف من مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة، مسجلا في هذا الصدد أن حماية المدنيين في هذه النزاعات يشكل حجر الأساس في هذا القانون، خصوصا الأقل استضعافا منهم كالأطفال والنازحين.
وتطرق المشاركون في الجلسة الأولى لهذه المائدة المستديرة، التي خصصت للتدابير التشريعية لإنفاذ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني، إلى التشريعات الخاصة بجرائم الحرب، والتشريعات الخاصة بحماية الشارة.
وفي هذا الإطار، أكد مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل وعضو اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بالمغرب السيد هشام ملاطي، أن موضوع القانون الدولي الإنساني له ارتباط بالسياسة الجنائية، مسجلا أن هاته الأخيرة أولت اهتماما كبيرا لهذا الموضوع منذ صدور نظام روما، ومبادرة المملكة المغربية إلى التوقيع عليه في شتنبر 2000.
ولاحظ السيد ملاطي أن هذا الموضوع واكبه نقاش هادئ ورصين على مستويات متعددة، من خلال الآليات التي ينبغي ان تصاحب التوجه التشريعي لهذا الموضوع، مشيرا إلى أنه تم تسجيل مجموعة من المبادرات في الجانب الحقوقي، لاسيما على مستوى المجتمع المدني توجت بصدور قرار الدار البيضاء سنة 2001، ونداء الرباط سنة 2004.
وشدد على أن هذا النقاش الحقوقي والمجتمعي واكبه نقاش على مستوى آليات أخرى في محطات متتالية، منها العمل الذي قامت به هيئة الانصاف والمصالحة التي أفرزت مجموعة من التوصيات مرتبطة بتطوير السياسة الجنائية، من أجل ملاءمتها مع المعايير المعتمدة في القانون الدولي الإنساني.
وأشار في هذا الصدد إلى أنه من بين توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، الدعوة إلى دعم التأصيل الدستوري لحقوق الانسان كما هو متعارف عليها دوليا، وتجريم الإبادة والعنصرية والجرائم ضد الإنسانية، والدعوة أيضا للمصادقة على نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية تتميما لتوقيع المغرب عليه، فضلا عن الدعوة إلى فحص بعض الاكراهات التي كانت مطروحة على مستوى الملاءمة ما بين القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني.
وبعد ذلك جاءت محطات أخرى، يضيف المسؤول ذاته، ومنها انشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني سنة 2008، ودستور 2011 الذي عزز الخيار نحو الملاءمة بتأكيده على معاقبة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والجرائم المرتبطة بهذا الموضوع، مسجلا أنها دعوة صريحة لخيار وطني نحو تجريم هذا النوع من السلوكات المنافية للإنسانية.
وأبرز أن الرؤية اتضحت اكثر بعد دستور 2011، وذلك من خلال ادماج تجريم جرائم الحرب، وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، في مشروع القانون لمراجعة بعض المقتضيات المتعلقة بمجموعة القانون الجنائي.
وشدد السيد ملاطي على أن الخيار التشريعي الذي تم السير فيه يطرح بعض الصعوبات، معتبرا أنه لا يمكن تقديم مشروع قانون المسطرة الجنائية بمقتضيات إجرائية تنظم جرائم غير موجودة على مستوى النص الموضوعي.
وفي الشق المتعلق بالتشريعات الخاصة بحماية الشارة، أكد مقرر اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بدولة قطر السيد خالد محمد الخميس العبيدلي أن الشارة تستخدم في وقت الحرب بحجم كبير، مشيرا إلى أن الجهات التي يحق لها استخدام الشارة هي الخدمات الطبية للقوات المسلحة، والمستشفيات المدنية التي تصرح لدى السلطات والجمعيات الوطنية التي تصرح لها السلطات بدعم الخدمة الطبية في القوات المسلحة.
وأكد أيضا أن الشارة تستخدم في وقت السلم بحجم صغير، من طرف الجمعيات الوطنية، وعربات الإسعاف الوطني التابعة للدولة، مذكرا أن حماية الشارات هي حماية قانونية أساسية في القانون الدولي الإنساني، و”لابد أن يكون في التشريع الوطني تشريع خاص بحمايتها، وتجريم ومعاقبة الأشخاص الذين يخالفون هذه القواعد الدولية”.
وفي نفس السياق، سجل الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بمكناس وعضو اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، السيد محمد البزاز أن القانون الدولي الإنساني يولي أهمية قصوى لحماية الشارة، لأنها أساس حماية ضحايا النزاعات المسلحة، وتحمي الأشخاص العاملين في المجال الإنساني، ومجال الإسعاف الطبي، وكل ما له علاقة بالعمل والحماية في النزاعات المسلحة.
وأوضح أن المغرب يتوفر على إطار قانوني لحماية الشارة من خلال ظهير سنة 1958 حول استعمال شارة الهلال الأحمر المغربي، مشيرا إلى أن المملكة بمجرد استقلالها انضمت لاتفاقيات جنيف الأربع سنة 1956، وكانت سباقة مند فجر الاستقلال إلى المصادقة على هذه الاتفاقيات العالمية.
وتبحث هذه المائدة المستديرة على مدى يومين، جملة من المواضيع من قبيل التشريعات الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية، والتشريعات الخاصة بالبحث عن المفقودين، ونشر أحكام القانون الدولي لفائدة المدنيين، ونشر أحكام القانون الدولي لفائدة القطاعات العسكرية والأمنية، وأفضل السبل للتعاون مع البرلمان لاعتماد التشريعات، وأفضل السبل للتواصل مع اللجان العربية والأجنبية لتبادل الخبرات.
الحدث/ومع