المجتمع المدني وإدماج السجناء: حلقة وصل بين السجين ومجتمعه وحافز على هجر دروب الإجرام

0

عصام واعيس: حضور جمعيات المجتمع المدني داخل السجون عبر أنشطة الدعم والمواكبة وعملها في مصاحبة المفرج عنهم نفسيا واجتماعيا بعد مغادرة أسوار السجن، يكتسي أهمية بالغة في تجسير الهوة بين السجين ومجتمعه وحمله على إحداث قطيعة مع خياراته السابقة وهجر دروب الإجرام.

ولإن صح أن أي عملية استدماج للسجين في فضاءه القيمي والاجتماعي وتجسير الهوة، التي أحدثتها الجريمة والعقاب الذي تلاها في الوشائج الرمزية للاحتضان والانتماء الاجتماعي، تحتاج انخراطا إراديا وواعيا من السجين نفسه، فإن هذا المسار النفسي يتعقد وتضعف فرص نجاحه دون مواكبة ودعم لمعركة السجين مع نفسه وخوضه معركة استعادة الثقة والأمل في غد أفضل.

ومن هذه الزاوية تكون أدوار جمعيات المجتمع العاملة في السجون بالغة الحساسية. واعترافا بأهمية الحضور الاجتماعي والمدني داخل المؤسسات الإصلاحية تنص المادة 84 من القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية خاصة في فقرتيها الأوليين على أنه ” يمكن أن يقوم بزيارة المعتقلين بترخيص من مدير إدارة السجون، أعضاء المنظمات الحقوقية والجمعيات، أو أعضاء الهيئات الدينية، الذين تهدف زيارتهم إلى تقوية وتطوير المساعدة التربوية المقدمة لفائدة المعتقلين، وتقديم الدعم الروحي والمعنوي والمادي لهم ولعائلاتهم عند الاقتضاء، والمساهمة في إعادة إدماج من سيفرج عنهم، ويمكن أن يمنح لكل شخص أو عضو في جمعية مهتمة بدراسة خطط ومناهج إعادة التربية، رخص خاصة واستثنائية لزيارة المؤسسات السجنية”.

وحسب إحصائيات، حصلت عليها وكالة المغرب العربي للأنباء خلال تتبع أشغال يوم دراسي نظمته المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مؤخرا في إطار مشروع دعم تقني لفائدة المندوبية في دعم تنفيذ سياسات إعادة إدماج السجناء، توجد إلى حدود 2019، ” 187 جمعية نشطة داخل المؤسسات السجنية، تتدخل أغلبيتها بصفة مؤقتة “.

وتنشط 80 في المائة من الجمعيات بالسجون المحلية، و15 في المائة منها بالسجون الفلاحية، و3 في المائة بالسجون المركزية و2 في المائة بمراكز الإصلاح.

وحسب المعطيات ذاتها، تمثل جهة سوس ماسة أعلى نسبة لتدخل الجمعيات في المؤسسات السجنية بنسبة 33,18 بالمائة تليها جهة فاس مكناس ب 31,17 بالمائة ثم جهة الرباط سلا القنيطرة ب22,12 في المائة، فيما تمثل جهتا مراكش آسفي والعيون الساقية الحمراء النسب الأكثر انخفاضا، على التوالي، ب 9,5 بالمائة و4,1 بالمائة.

وانطلاقا من هذه المعطيات، يؤكد الخبراء على أهمية تعزيز حضور جمعيات المجتمع المدني في جهود إعادة الإدماج بالمملكة كما ونوعا، ولاسيما في الشق المتعلق بمواكبة السجناء في الفترة التالية لانقضاء العقوبة باعتبارها الفترة الحاسمة في تحديد اختيارات وآفاق السجين المستقبلية.

في هذا الاتجاه، يرى مدير العمل الاجتماعي والثقافي لفائدة النزلاء وإعادة إدماجهم بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مولاي إدريس أكلمام، وفق ما جاء في مداخلة له خلال اليوم الدراسي الذي سعى إلى مقاربة أدوار المجتمع المدني في إعادة الإدماج، أن دور هذه الجمعيات الذي يبدأ خلال مدة السجن عبر الاقتراب من مشاكل السجناء ومواكبتهم أثناء وجودهم بالفضاء السجني بأنشطة التكوين والتعليم والبرامج الفنية والرياضية وغيرها، يجب أن يتواصل بعد خروجهم من السجن أيضا وبنفس القوة.

وقريبا من هذا الطرح، يرى رئيس قطب المصاحبة وإعادة الإدماج الاقتصادي بمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، أسامة بن الصديق، الأهمية البالغة للمواكبة البعدية للسجناء في تعزيز استعادتهم لمكانتهم داخل المجتمع.

فمواكبة السجناء في إعادة نسج علاقات مع محيطهم الاجتماعي والمهني، وفقا لابن صديق، تتطلب مصاحبة متواصلة وعن قرب ومن طرف جهات متخصصة قادرة على تقديم خدمات للمواكبة النفسية أو التعليمية أو المهنية أو ما شابهها.

ومن أمثلة الأنشطة التي تنظمها جمعيات المجتمع المدني لفائدة السجناء أوراش تربوية وفعاليات فنية وثقافية ومهرجانات سينمائية.

ويعد مهرجان عكاشة للفيلم السينمائي أحد أمثلة هذه البرامج لاستهدافه شريحة واسعة من النزلاء. وفي هذا الصدد، تقول فاطنة لبيه عن جمعية “حلقة وصل سجن-مجتمع” إن هدف هذا المهرجان الذي انبثقت فكرته عن جمعية “سقالة” هو دعم السجناء خاصة الشباب خلال مدة اعتقالهم وبعد الإفراج عنهم.

وتضيف الفاعلة الجمعوية، في حوار مع مجلة “إدماج” التي تصدرها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أن الهدف الأساسي من هذا النوع من الأنشطة هو تعزيز التكفل بالنزلاء القاصرين حتى يتقوى لديهم الشعور بتقدير الذات والثقة في النفس ويتم تشجيعهم على الحلم بمستقبل أفضل ليكونوا قادرين على تقديم مساهمة إيجابية للمجتمع.

ويضع مشروع الدعم التقني المقدم للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل دعم وتنفيذ سياسات إعادة إدماج السجناء والوقاية من العود الذي يموله الاتحاد الأوروبي بالمغرب، تطوير آليات التعاون مع المجتمع المدني ومساهمته في مجال إعادة الإدماج الاجتماعي للنزلاء ضمن أهدافه.

وتحاول المندوبية رفقة شركاء وفاعلين آخرين من مثل مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء هيكلة التعاون مع جمعيات المجتمع المدني بما يرفع من فعالية التدخلات لدى السجناء ويعزز جهود إعادة الإدماج وتعزيز الشعور بالانتماء والوقاية من حالات العود.

وتسعى هذه الجهود إلى تركيز التدخلات في محاور تروم المصاحبة الطبية والنفسية والاجتماعية للسجناء خلال وبعض انصرام العقوبة، والتكوين والتهيئ لإعادة الإدماج المهني وتعزيز حس الانتماء والثقة بالنفس والاشتراك في القيم الإيجابية.

الحدث. و  م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.