اليوم العالمي للمهاجرين: مستجدات الهجرة والتنقل في أوقات تزداد شدا وجذبا !

0

يخلد العالم ومعه المغرب، غدا الجمعة، اليوم العالمي للمهاجرين. وهي مناسبة للوقوف عند التحولات الكبرى التي شهدتها الهجرة الدولية في الآونة الأخيرة، وكذا انعكاساتها على حياة المهاجرين وبلدان الأصل والمهجر، لا سيما في ظل التداعيات الناجمة عن جائحة (كوفيد-19).

والواقع أن الهجرة الدولية لم تعد تتخذ شكلا واحدا في مختلف أنحاء العالم، بل تتشكل وفق عوامل اقتصادية وجغرافية وديموغرافية، وعوامل أخرى، مما أدى إلى تمايز أنماط الهجرة و”ممراتها” التقليدية، القائمة على الانطلاق من البلدان النامية نحو الاقتصادات الأكبر حجما، لاسيما وأن التوقعات تشير إلى زيادة السكان في البلدان النامية في العقود المقبلة، مما يفرض ضغط الهجرة على الأجيال المقبلة.

وبالموازاة مع ذلك، شهد نطاق الهجرة الدولية اتساعا كبيرا تماشيا مع التغيرات التي شهدها العالم في السنوات الماضية، حيث تذهب التقديرات إلى أن عدد المهاجرين الدوليين بلغ زهاء 272 مليون شخص (ما يعادل 3,5 من سكان العالم)، ثلثاهم مهاجرون من أجل العمل.

من ناحية أخرى، عرف التشريع الخاص بالهجرة العالمية مستجدا تاريخيا خلال السنتين الأخيرتين، وذلك من خلال وضع الصيغة النهائية لاتفاقيتين عالميتين بشأن المظاهر الدولية للهجرة والتشرد، وتتمثلان في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، والاتفاق العالمي بشأن اللاجئين.

ويرجع الفضل في إنجاز الاتفاقيتين إلى جهود بذلتها على مدى عقود الدول والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وجهات فاعلة أخرى، من خلال جلسات الحوار، ودورات التشاور، والأحداث الموازية المتعددة، التي نظمت على الصعد العالمية والإقليمية والوطني، ما أدى إلى تعميق فهم مزايا الهجرة والتحديات التي تطرحها.

إلا أن التغيرات السياسية والاقتصادية المتسارعة في مناطق معينة من العالم أفضت إلى واقع مؤسف في مجال الهجرة، يتمثل في تشرد الملايين وخسائر في الأرواح جراء النزاعات السياسية، والعنف الشديد، وكذا نتيجة للاضطرابات الاقتصادية، فضلا عن تأثير البيئة وتغير المناخ في التنقل البشري.

زيادة على ذلك، وفي ظل استشراء الأزمة الصحية الناجمة عن (كوفيد-19)، سجلت أعلى الإصابات والوفيات جراء الفيروس في صفوف المهاجرين وأفراد أسرهم، ذلك أنهم يعانون من عدم سلاسة الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى.

كما أن وظائفهم غير مستقرة، ولا يتحصلون على إعانات أو تلك المرتبطة بالبطالة، ويتم استبعادهم من تدابير المساعدة الاجتماعية التي تقوم بها الدول رغم إسهاماتهم الاقتصادية الكبيرة في المجتمع.

وفي المقابل، لا تخلو ظاهرة الهجرة من إيجابيات يقطف ثمارها بلدان المهجر والأصل على حد سواء، حيث يعتبر المهاجرون عوامل تغيير مهمة في مجالات الاقتصاد والثقافة والسياسة والاجتماع خلال السنتين الأخيرتين.

وفي هذا الصدد، أكد تقرير الهجرة في العالم لسنة 2020، الذي تصدره المنظمة الدولية للهجرة، أن معدل أنشطة ريادة الأعمال في صفوف المهاجرين الوافدين أعلى من سكان البلد، حيث أسهم المهاجرون في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أكثر من غيرهم في مجال الابتكار.

كما أبرز التقرير أن الهجرة الدولية نحو الاقتصادات الكبرى تعتبر مصدرا مهما للتحويلات المالية، إذ بلغ حجم التحويلات المالية الدولية للمهاجرين نحو بلدانهم الأصلية 689 مليار دولار سنة 2018.

وعلاوة على ذلك، أكدت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالعمال المهاجرين أن أعدادا كبيرة من المهاجرين، بغض النظر عن وضعيتهم، يوجدون في الخطوط الأمامية لمواجهة فيروس كوفيد-19، ويؤدون أعمالهم في مجالات تعتبر أساسية وضرورية، بما في ذلك الصحة والفلاحة ومصانع المنتجات الغذائية والمحلات التجارية الكبرى والمطاعم وخدمات توصيل المنتجات والنقل والتنظيف وكذا رعاية الأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة أو المسنين.

وعلى الصعيد الوطني، أبانت الجالية المغربية المقيمة بالخارج، خلال الظرفية الحالية المتسمة بتفشي وباء كوفيد-19، عن اندماجها الكامل في بلد الإقامة، مع تشبثها بوطنها الأم. وأعطت الدليل عن انخراطها المواطن خلال مرحلة فرض الحجر الصحي واحترام حالة الطوارئ التي تقررت في عدد من البلدان.

وتجلى هذا الالتزام في انخراط جمعيات المهاجرين المغاربة في المبادرات التطوعية، خاصة الدعم والخدمات المقدمين للفئات الهشة المنحدرة من جنسيات عدة والمقيمة في بلد الإقامة، والتي تأثرت بحدة بتداعيات الجائحة طيلة فترة الحجر الصحي.

كما أظهرت الجالية المغربية استعدادها لتقديم المساعدة لبلدها الأصلي، ليس فقط في إطار عائلي محض ولكن أيضا في مساهمات شريحة واسعة منها في صندوق تدبير جائحة كوفيد-19 المحدث تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وعلى الصعيد الاقتصادي، سجلت التحويلات المالية لمغاربة العالم متانة ملحوظة، إذ ارتفعت بنسبة 1,7 في المائة، حسب المعطيات المتاحة إلى غاية نهاية شهر أكتوبر، ومن المتوقع أن تعرف شبه استقرار في 65,8 مليار درهم سنة 2020، لتتعزز وتبلغ 70 مليار درهم سنة 2021، ثم 71,4 مليار سنة 2022.

وفي ظل استشراء جائحة كوفيد-19، وفداحة تداعياتها الاقتصادية المدمرة، لا يستبعد أن يشهد العالم موجات هجرة جديدة حال فتح الحدود بين الدول، ما قد يحدث تغيرا عميقا في خارطة الهجرة ومتعلقاتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.