موريتانيا: حمى الوادي المتصدع تحصد الأرواح مجددا، وتضع السلطات في حالة استنفار قصوى

0

العربي العثماني: بعد أن اختفت طيلة السنتين الماضيتين، عادت حمى الوادي المتصدع لتحصد الأرواح من جديد في موريتانيا، وتثير حالة من “الذعر” وسط الساكنة، خاصة بالمناطق النائية، واضعة السلطات في حالة استنفار قصوى، ومجبرة إياها على الدخول في سباق ضد الزمن لوقف تفشيها.

وإذا كان تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد يشهد، في الآونة الأخيرة، انحسارا كبيرا بموريتانيا، فإن عودة حمى الوادي المتصدع، وهي مرض فيروسي يصيب الحيوانات بالدرجة الأولى، لكنه يمكن أن ينتقل إلى البشر، للظهور في مناطق متفرقة من هذا البلد المترامي الأطراف، قد قضت مضجع المصالح الصحية والبيطرية، التي لم تجد بدا من اتخاذ إجراءات استعجالية للحد من انتشارها.

وبحسب أرقام رسمية كشفت عنها وزارة الصحة الموريتانية، فقد أودت هذه الحمى النزيفية القاتلة، التي ظهرت، منذ منتصف شتنبر الماضي، في تسع من الولايات الموريتانية الـ13، بحياة 16 شخصا، على الأقل، في حين بلغ عدد الإصابات المؤكدة بها 44 حالة حتى الآن.

وبعد أن اقتصرت في بادئ الأمر على ولاية تكانت (وسط)، حيث أصابت بعض قطعان الإبل، قبل أن تنتقل إلى مربيها، الذين “تقاعسوا” عن تلقيحها، فإن حمى الوادي المتصدع، التي غالبا ما تعاود الظهور بعد كل فصل خريف تكثر فيه الأمطار، على غرار خريف هذه السنة، الذي سجل تساقطات استثنائية، فإنها سرعان ما امتدت لتشمل ولايات لبراكنة، ولعصابة، والترارزة، والحوض الغربي، وغورغول، والحوض الشرقي، وآدرار، كما أن العاصمة نواكشوط لم تبق في منأى عنها.

ولعل ذلك ما يفسر المخاوف التي تم التعبير عنها من أن يتوسع المرض وينتشر في المزيد من الولايات، خاصة في ظل تدهور الأوضاع البيئية، وأساسا في المناطق التي تأثرت بالأمطار الغزيرة التي تساقطت على معظم مناطق موريتانيا خلال موسم الخريف الحالي، ناهيك عن النقص المسجل على مستوى الخدمات الصحية.

وهي المخاوف التي أكدتها المندوبية الجهوية لوزارة التنمية الريفية في ولاية الترارزة، التي سجلت أن هذا المرض “يتمدد شيئا فشيئا”، مذكرة بأن أول ظهور له في الولاية يعود إلى منتصف شهر شتنبر، حيث تم اكتشاف حالات إصابة وسط قطعان من الإبل، مما أدى إلى نفوق بعضها، التي لو تم تلقيحها في الوقت المناسب لكان بالإمكان تفادي ظهور المرض وسطها على نطاق واسع.

ووفقا لأخصائيين موريتانيين في الأمراض الباطنية، فإن خطورة هذه الحمى تكمن في ارتفاع نسبة الوفيات بين المصابين بها، مؤكدين أن نسبة 4 في المائة من الحالات التي يتم تشخيصها في البلاد، هي من النوع النزيفي، الذي يعرف بارتفاع درجة خطورته.

وما أن ظهرت حالات الإصابة الأولى بحمى الوادي المتصدع، حتى تم إطلاق نداءات بضرورة التدخل على وجه السرعة لتفادي “الكارثة”، خاصة في ظل تزايد أعداد الوفيات، التي تضاعفت من ثمانية إلى 16 حالة في ظرف أسبوعين فقط، فضلا عن ارتفاع أعداد الإصابات، المؤكدة منها أو المشتبه فيها على حد سواء.

وهكذا، اتخذت السلطات الموريتانية، ممثلة في وزارتي الصحة والتنمية الريفية، إجراءات استعجالية، حيث أوفدتا فرقا مشتركة، مجهزة بالسيارات والمعدات والأدوية اللازمة لمكافحة المرض، وبادرت إلى تلقيح الآلاف من رؤوس الإبل ومعالجة المئات منها، في سبيل انقاذ الثروة الحيوانية، التي تمثل إحدى الركائز الرئيسية للاقتصاد الموريتاني، إذ تساهم بنسبة تقارب 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد.

كما تعمل هذه الفرق، بشكل منسق، على توزيع ناموسيات مشبعة، التي تحول دون تسرب البعوض والذباب وغيرها من الحشرات إلى داخل أفرشة النوم، في الأماكن الموبوءة، وكذا التكفل بالحالات المصابة.

وباشرت أيضا حملات لتحسيس الرعاة المخالطين لقطعان الإبل، من أجل أخذ الحيطة والحذر من ملامسة المواد السائلة، في حالة وقوع إجهاض لها.

وفي إطار جهودها المستمرة لدحر حمى الوادي المتصدع ووقف انتشارها، دعت الوزارتان السلطات الإدارية في الولايات، التي سجلت ارتفاعا في حالات الإصابة، إلى تنظيم حملات تحسيسية مسترسلة للتعريف بالمرض ومدى خطورته، والتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات احترازية للوقاية منه، وكذا إبلاغها بأي حالة يشتبه في إصابتها.

وشددت السلطات، في هذا الصدد، على ضرورة الالتزام بإرشادات المصالح الصحية والبيطرية، ممثلة، بالدرجة الأولى، في عدم لمس الحيوانات وغسل اليدين بالصابون بعد كل لمس لها، والفصل بين المنازل واسطبلات المواشي، والنوم تحت الناموسيات المشبعة، على اعتبار أن هذا المرض، الذي ينتقل عن طريق البعوض، قاتل وتجب الوقاية منه.

وأوصت كذلك بتسخين الحليب وطهي لحوم الإبل جيدا قبل تناولهما، وهو ما انعكس سلبا على مستوى الإقبال على هاتين المادتين اللتين لا تكاد تخلو منهما أي مائدة موريتانية، حيث لوحظ عزوف أعداد لا يستهان بها من المواطنين عن استهلاكهما في هذه الظرفية، خشية الإصابة بالعدوى.

وطال هذا العزوف أيضا أسواق المواشي، وعلى رأسها الإبل، التي سجلت ركودا نسبيا في حركتها التجارية، حيث اشتكى مربو المواشي وتجارها مما اعتبروه “تقصيرا من طرف وزارة التنمية الريفية في توفير مختبر بيطري لفحص الحيوانات بصفة دائمة، أو على الأقل في مثل هذه الحالات الاستثنائية”.

وهكذا، تخوض المصالح الصحية الموريتانية حربا مزدوجة، تستهدف، في الوقت نفسه، فيروس كورونا الذي لم يخرج عن زمام السيطرة، ولم ينتقل إلى موجة ثانية من الانتشار، وحمى الوادي المتصدع، عبر تكثيف الجهود لتطويقها وحصر رقعة انتشارها، كي لا تتحول إلى بؤر خطيرة، ومن ثمة الحد من انعكاساتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية الوخيمة.

يذكر أن حمى الوادي المتصدع، كانت قد أودت بحياة أكثر من 17 شخصا بموريتانيا عام 2012، كما عادت للظهور عام 2018 بالبلاد، وخلفت عددا من القتلى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.