الرقمنة لتذليل العقبات أمام الشمول المالي

0

إذا كانت النماذج الكلاسيكية للشمول المالي قد شكلت على الدوام محركات رئيسية للإدماج، فإن موجة الرقمنة جاءت لضخ دينامية جديدة بهدف ضمان ولوج عادل للجميع للمنتوجات والخدمات المالية النظامية، وبأقل تكلفة.

وإلى جانب كونه محفزا للولوج إلى الخدمات المالية، يعتبر الأداء بالهاتف النقال (paiement mobile) الذي يتيح القيام بمعاملات بنكية بواسطة الهاتف النقال، أرضية ذات آفاق واعدة لتدارك ضعف الولوج إلى الخدمات المالية النظامية، وتجاوز العقبات الناجمة عن المسارات الكلاسيكية التي تؤرق عددا كبيرا من الزبناء، أشخاصا كانوا أو مقاولات.

وأفاد تقرير حديث للائتلاف المستقل (الميثاق الرقمي) “ديجيتال آكت” حول الأداء عبر الهاتف النقال والشمول المالي، يسلط الضوء على فرص النمو والإمكانيات التي تنطوي عليها التفاعلات بين شركات الاتصالات والأبناك وشركات التأمين في ما يتعلق بالشمول المالي، بأن “الأداء عبر الهاتف النقال يتميز بثلاث خاصيات أساسية تتمثل في انخفاض تكلفته، وطابعه الفوري، وانتشاره على نطاق واسع”.

وأكدت الوثيقة أنه “على عكس النموذج البنكي، الذي يعتمد على العمولات وهوامش الوساطة، فإن مبدأ التكلفة المنخفضة يعتمد على عمولات صغيرة جدا، ومداخيل منخفضة، بل وهزيلة في بعض الأحيان”، مبرزة اقتران الدفع الفوري عبر الهاتف النقال بجهد استثماري كبير من أجل تزويد مؤسسات الأداء بمنصات قارة وآمنة وقادرة على معالجة المعاملات الكثيرة.

وحسب “ديجيتال آكت” فإن الإطار التنظيمي، والحلول التكنولوجية وآليات الأداء، والرغبة في ولوج السوق، تشكل المكونات الأساسية لإقلاع قطاع الأداء بالهاتف النقال، وهو نشاط يستلزم انخراطا شعبيا قويا، لأنه “وحده الحجم الكبير للمعاملات وتعدد الاستعمالات يشكلان عاملين قادرين على تمكين هذا النشاط من بلوغ استدامة النموذج بالإضافة إلى تحقيق ربحية على المدى الطويل”.

واعتبارا للنسبة الكبيرة من البالغين الذين لا يتعاملون مع الأبناك في المغرب والذين لا يزالون يفضلون النقد (الكاش)، فإن تنفيذ الشمول المالي يعتمد على توفر “آليات تنظيمية محفزة وحلول إلكترونية سهلة الولوج لإدماج هذه الساكنة من البالغين الذين لا يتعاملون مع الأبناك من خلال الدفع بواسطة الهاتف النقال “.

ولهذه الغاية، تدعو “ديجيتال آكت” إلى النهوض بالأداء عبر الهاتف النقال مع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الثقافية والمعيقات المرتبطة على الخصوص بارتياب نسبة كبيرة من البالغين إزاء المؤسسات المالية.

وفي هذا الصدد، قال مدير التمويل الأصغر والشمول المالي لدى ” HPS”، محمد العسري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه لا يمكن إنكار أهمية الأدوات الرقمية في برامج الشمول المالي، لأنها تسمح بإدماج كافة الساكنة بدون تمييز، على أساس شرط وحيد يكمن في التوفر على ربط بالانترنيت وهاتف نقال.

واعتبر أنه من المهم أيضا بذل مزيد من الجهود في مجال التحسيس، موضحا أن “الشمول المالي يمر أيضا عبر التربية المالية لهذه الساكنة من أجل فهم أفضل لأهمية الأدوات المالية واستعمالها اليومي”.

من جهة أخرى، أشاد العسري بدينامية الشمول المالي بالمغرب، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة تشكل جزءا من الاستراتيجية الحكومية وتندرج ضمن أولويات مجمل الفاعلين وعلى رأسهم بنك المغرب، الذي يسهر على توفير كافة الأدوات الكفيلة بالنهوض بالقطاع سواء عبر مؤسسات التمويل الصغرى أو الأبناك.

ودفع اندلاع الأزمة الصحية المرتبطة ب(كوفيد- 19) بالتحديات المختلفة للشمول المالي إلى الواجهة، كما حفز عمليات الأداء المالي عبر الهاتف النقال، وهو الأمر الذي ساهم في استمرار النشاط الاقتصادي والتوزيع السلس للمساعدات العمومية على الساكنة الهشة.

وفي هذا السياق، أكد العسري أن هذه الأزمة “أعادت العدادات إلى الصفر وتلزمنا بمراجعة مقاربتنا في ما يخص التحسيس وتكوين الساكنة المستهدفة” ، مشيرا إلى أن “الإرادة حاضرة، وأن الدينامية ستلحق بالركب في الأشهر المقبلة مع إدماج استراتيجية للرقمنة “.

وترتكز الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي التي تمت بلورتها سنة 2018 ، على 8 رافعات استراتيجية من ضمنها نشر الأداء كنموذج بديل أثبت نجاعته في دول أخرى مشابهة، لإنعاش الولوج العادل للمنتوجات والخدمات المالية النظامية بالنسبة لجميع الأفراد والمقاولات.

وتروم هذه الاستراتيجية بلوغ، ثم تجاوز مستوى الولوج “الناجع” بالنسبة للمغرب، وتقليص فوارق الشمول الأكثر وضوحا والاستفادة من الشمول المالي كرافعة للشمول الاقتصادي والاجتماعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.