المتحف الوطني للخزف بآسفي : فضاء لاكتشاف كنوز أثرية تراثية لمغرب التعدد والتنوع

0

فؤاد بنجليقة: يشكل المتحف الوطني للخزف بآسفي الذي أعاد فتح أبوابه في وجه الجهور منذ بدابة الشهر الجاري ، فضاء للسفر في تاريخ ونمط عيش القدامى من خلال اكتشاف كنوز أثرية وتراثية تغطي تنوع إبداع الفخار والتقنيات المستعملة عى مر العصور لتعكس مغرب التنوع والتعدد.

ويتيح هذا الفضاء المخصص للفن الراقي والسامي للخزف والذي تمت تهيئته وفق المعايير المتخفية العالمية الكبرى، الفرصة للزائرين المغاربة والأجانب لاكتشاف غنى وتفرد الإبداع الخزفي والتقنيات المستعملة على مر الأزمنة في هذا المجال من العصر القديم إلى العصر الحديث.

وتعرض بهذا المتحف أعمال فريدة من نوعها تعود إلى 3800 سنة ومدرجة ضمن التراث الوطني وفق سينوغرافيا جديدة تعيد الحياة لهذا التراث الوطني الغني والمتنوع.

فمن خلال هذا الفضاء الساحر يكتشف الزائر التاريخ المشترك بين مدينة آسفي “حاضرة المحيط” والخزف، حيث تتوافق المصادر التاريخية مع اللقى الأثرية على أن آسفي كانت أحد أقدم مراكز صناعة الخزف بالمغرب ، كما أن الحفريات الأثرية التي أجريت بموقع لالة هنية الحمرية سنة 1994 تؤكد على أن حاضرة المحيط عرفت صناعة الفخار على الأقل منذ العهد المرابطي أواسط القرن الحادي عشر.

ويبرز هذا الفضاء ، حسب السيد سعيد الشمسي، محافظ المتحف الوطني للخزف بآسفي، تطور فن الخزف بالمغرب عبر التاريخ، حيث تعرض فيه حوالي 150 قطعة أثرية ذات قيمة تاريخية وفنية وأركيولوجية كبيرة، مضيفا في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أن هذه البنية المتحفية تشمل الإبداع الخزفي لمختلف مناطق المملكة.

وقال إن افتتاح هذا المتحف يندرج في إطار برنامج إعادة تأهيل المتاحف الذي أطلقته المؤسسة الوطنية للمتاحف وفق سياسة تنبع من التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى استفادة جميع مدن ومناطق المغرب من تثمين التراث الوطني، مبرزا أن الأمر يتعلق بأنشطة تروم جعل المتاحف بالمملكة أكثر ترحيبا وجاذبية بما يتماشى مع معايير صون التراث والحفاظ عليه.

وأكد هذا الباحث في علوم الآثار والتراث والتمدن، أن المملكة تزخر بتراث خزفي غني ومتنوع ويشكل إرثا حضاريا يتعين إيلاؤه الأهمية التي تليق به مع الاعتناء بالثقافة الجمالية والمادية وفن العيش.

فاحتضان مدينة آسفي لهذا المشروع، يقول السيد سعيد الشمسي، يعكس تاريخ هذه المدينة العريق في مجال فن الخزف، ولاحتضانها لأكبر الحرفيين مما جعل هذه الحرفة فنا ومكونا من الهوية المغربية.

كما أن الوثائق التاريخية واللقى الأثرية تجمع، حسب المتحدث ، على أن آسفي التي اعتاد سكانها مند قرون على الجمع بين أنشطة تجارية معتمدة على البحر وأنشطة صناعية أساسها الفخار ، تعد عاصمة الخزف بالمغرب.

وارتباطا بمكونات المتحف ، أبرز المحافظ ، أنه ما عادا القاعة الأولى التي نظمت بشكل كرونولوجي صرف ، فإن باقي القاعات الأخرى رتب فيها الخزف حسب ثلاث معايير (المنطقة الجغرافية ، والتسلسل الزمني والأسلوب الفني) .

وتحتوي القاعة الأولى على الخزف الأثري الذ يعود إلى أربع حقب تاريخية وهي ما قبل التاريخ والفترة القديمة والعصور الوسطى وبداية العصر الحديث ( من 3800 سنة قبل الميلاد إلى منتصف القرن 16 ميلادي).

أما القاعة الثانية فتشتمل على الفخار القروي المصنوع بالمناطق الجبلية (الريف ، الأطلسين الكبير والصغير ، وتامكروت إحدى القرى الصحراوية)، ويوجد بهذه القاعة كذلك خزف المدن التاريخية الكبرى كتطوان وفاس ومكناس، كما أن أغلب القطع المعروضة تعود للقرنين ال19 وال20 باستثناء بعض خزفيات فاس التي ترجع إلى القرن ال18.

وبالقاعة الثالثة توجد تتمة لخزف فاس خلال القرنين ال19 وال20 وقد قسمت إلى جناحين أحدهما لخزف فاس وآخر لخزف آسفي، حتى يتسنى للزائر المقارنة بين النماذج الزخرفية الزرقاء اللون التي اشتهرت بها هاتين المدينتين خلال نهاية القرن ال19 وبداية القرن ال20 ، إلى جانب الخزفيات المتعددة الألوان للمدينتين وقطع معمارية كنموذج للمعمار المغربي خلال القرن ال19.

أما القاعة الرابعة فقد خصصت لخزف مدينة آسفي خلال القرن ال20 ابتداء بخزفيات المعلم العمالي ومعاصريه خلال النصف الأول من هذا القرن وانتهاء بخزفيات أجيال الاستقلال أي من سنوات 1960 إلى سنوات 2000.

كما يقدم المتحف فضلا عن قاعات العرض ، فضاء متعدد الوسائط وأنشطة تربوية ووثائق مخصصة ومكيفة لجميع فئات الزوار .

وقد تم تهيىء هذا المتحف على نحو يجعله أكثر جذبا لعدد كبير من الزوار (تلاميذ، طلبة، باحثون، سياح ، مواطنون عاديون) لاستمالة فضولهم وحبهم لهذا الفن.

كما يشكل هذا المتحف ، حسب السيد سعيد الشمسي، أيقونة تنضاف إلى المآثر التاريخية بمدينة آسفي من أجل المساهمة في الاشعاع السياحي لحاضرة المحيط ، مشيرا إلى أن العديد من الوحدات الفندقية بمدن سياحية كبرى من قبيل مراكش وأكادير والدار البيضاء تبرمج هذا المتحف ضمن الجولات السياحية المقترحة على زبنائها.

وبنفس المناسبة ، وجه السيد الشمسي، شكرا خاصا لمختلف الصناع التقليديين المنحدرين من مختلف الجهات والذين عملوا على تقديم قطع نادرة للمتحف تعبيرا عن حبهم لهذا الفن ولمدينة آسفي.

وفي تصريح مماثل ، أشار جيل كاريت، وهو فرنسي مقيم بآسفي ومحب للأعمال الخزفية، إلى أنه قدم للمتحف حوالي 60 من التحف المتميزة انطلاقا من إيمانه بكون أن المكان الحقيقي لأي عمل فني هو المتحف حتى يكون في متناول الجميع اكتشافه.

ولم يفت هذا الفرنسي العاشق لمدينة آسفي منذ سنوات، التنويه بمبادرة افتتاح هذه البنية المتحفية والتي من شأنها المساهمة في حماية وصيانة وعرض تراث الخزف المغربي.

يذكر أن المتحف الوطني للخزف بآسفي والذي تم توطينه بقاعة العروض القديمة بمدينة الفنون ، أنحز بغلاف مالي ناهز 5ر4 مليون درهم بمساهمة العديد من الشركاء ضمنهم مؤسسة المكتب الشريف للفوسفاط (75 في المائة من الكلفة الإجمالية) والمؤسسة الوطنية للمتاحف (25 في المائة)، إلى جانب دعم ولاية جهة مراكش آسفي ومجلس الجهة ومجلس الجماعة الحضرية لآسفي ومندوبية وزارة الثقافة بجهة مراكش الذين واكبوا جميع مراحل الترميم والتجديد.

يشار إلى أن زيارة المتحف الوطني للخزف بآسفي ستكون مفتوحة في وجه الجميع وبالمجان إلى غاية الثالث من أبريل المقبل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.