ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة: إصلاح بعيد كل البعد عن تحقيق الإجماع

0

عفاف رزوقي: منذ أن أماطت المفوضية الأوروبية اللثام عنه، يوم الأربعاء الماضي، لا زال ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن الهجرة واللجوء يواصل إثارة الجدل، في الوقت الذي أعادت فيه المأساة التي وقعت بمخيمات المهاجرين في موريا بجزيرة ليسبوس اليونانية، إحياء النقاشات حول هذه القضية الشائكة والمعقدة.

هذا الميثاق الجديد، الذي قدمته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كـ “بداية جديدة” للاتحاد الأوروبي في مواجهة تحدي الهجرة، والذي “يعكس توازنا منصفا وعقلانيا بين المسؤولية والتضامن بين الدول الأعضاء”، يظل بعيدا كل البعد عن تحقيق الإجماع.

ويركز مقترح المفوضية، بشكل خاص، على تشديد قواعد الاستقبال، وتعزيز المراقبة عند الحدود، وكذا القيام بافتحاص ما قبل الدخول مع تحديد هوية جميع الأشخاص الذين يعبرون الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي دون ترخيص. فسيتم إضافة إلى أخذ البصمات الرقمية القيام بمراقبة “الصحة والسلامة”، قصد السماح بمراقبة صارمة تروم تقليص أعداد المهاجرين الذين يلجون الاتحاد الأوروبي.

كما يعمل على مراجعة القاعدة التي تتمثل في منح أول دولة يدخلها مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي مسؤولية معالجة طلب اللجوء الخاص به، بموجب “قانون دبلن”.

ووفقا للتدابير الجديدة المقدمة من طرف السلطة التنفيذية الأوروبية، يمكن أن يكون البلد المسؤول عن الطلب هو البلد الذي يرتبط فيه المهاجر بصلات عائلية، أو حيث اشتغل أو درس، أو الدولة التي أصدرت له التأشيرة. وفي المقابل، ستظل بلدان الوصول الأول مسؤولة عن الطلب، وقد تطلب الدولة التي تعاني من “ضغط” للهجرة تفعيل “آلية التضامن الإلزامي”.

وفي إطار هذه الآلية التي تروم ضمان “تقاسم عادل للمسؤوليات والتضامن”، تراجعت المفوضية الأوروبية عن مطالبة كل دولة عضو بقبول عدد معين من طالبي اللجوء على أراضيها، في حال وجود ضغط قوي على دول الدخول الأول. وبدلا من ذلك، فإنها تقترح نظام “مساهمات مرنة” يسمح للدول الأعضاء بالاختيار بين نقل طالبي اللجوء من بلد الدخول الأول، وتحمل مسؤولية إعادة أولئك الذين تم رفض لجوئهم، أو حتى تقديم الدعم المالي للدول الأوروبية التي تتعرض لضغوط هجرة أكبر.

وإزاء تصلب العديد من الدول الأعضاء، لاسيما بلدان “مجموعة فيسغراد” (بولندا، هنغاريا، سلوفاكيا، وجمهورية التشيك)، وكذا دول أعضاء أخرى مثل النمسا، حيال رفض نظام “النقل” الإجباري، الذي أنشأ في صيف 2015 قصد مساعدة البلدان التي تقف على الخط الأمامي في مواجهة تدفقات المهاجرين من قبيل اليونان وإيطاليا، انتهت المفوضية الأوروبية إلى التخلي عن ذلك عن طريق إحداث “آلية التضامن” الجديدة هذه، التي أثارت غضب العديد من المنظمات غير الحكومية.

وينطبق هذا الأمر على المركز الوطني للتعاون الإنمائي، وهي منظمة غير حكومية بلجيكية تصر على أن هذه الآلية يجب أن تكون “في خدمة الاستقبال وليست مقترنة بالعودة”.

وأكد المركز أن “إمكانية اختيار الدول الأوروبية على أساس انتقائي، لإعادة الترحيل أو “التكفل” بعودة الأشخاص غير الناجحين أو مساهمة مالية أخرى، هو أمر غير عادل. فيجب أن يكون التوزيع التضامني للاستقبال مستداما وألا يتم اعتماده فقط في حالة “التدفق الكبير” على حدود دولة عضو، كما توصي بذلك المفوضية. فمن المهم أن تقوم جميع الدول الأعضاء بتطوير أنظمة استقبال عالية الجودة، وأن يتحرك الاتحاد الأوروبي نحو المزيد من الحماية الموحدة”.

وأضاف أن “التغيير المعلن في قانون دبلن ملائم بالاسم، على اعتبار أن بلدان الولوج الأولى ستظل مسؤولة عن الوافدين الجدد. ويجب أن ينصب التركيز على بدائل الاحتجاز وليس على الاستخدام المنهجي للتقييد على الحدود”.

وعبرت منظمة “أوكسفام” غير الحكومية عن نفس وجهة النظر، حيث تعتقد أنه من خلال السعي للحصول على الإجماع، فإن المفوضية الأوروبية “تستسلم أمام الحكومات المناهضة للهجرة”.

وحسب منظمة “أوكسفام”، فإن المقترحات الجديدة للسلطة التنفيذية الأوروبية “من المرجح أن تعيد إنتاج الوضع البغيض الذي شهدناه منذ سنوات في “النقاط الساخنة” باليونان”، الأماكن التي من المفترض أن تنتقي طالبي اللجوء، وحيث “توجد عائلات بأكملها في الواقع رهن الاحتجاز”.

من جانبه، قال كريستوس كريستو، الرئيس الدولي لمنظمة أطباء بلا حدود “عبرنا مرارا وتكرارا للقادة الأوروبيين عن استنكارنا للتكلفة البشرية لسياسة الاحتجاز المشينة، لكن لا شيء يبدو أنه يؤدي إلى تغيير جذري في هذه السياسة”.

وقد وجه أعضاء بالبرلمان الأوروبي نفس الانتقادات، والذين من المتوقع أن يمنحوا الضوء الأخضر للميثاق المقترح من قبل المفوضية، تماما مثل مجلس الاتحاد الأوروبي، قبل دخوله حيز التنفيذ.

وأكدت مجموعة اليسار الأوروبي الموحد وخضر شمال أوروبا بالبرلمان الأوروبي، أنه “بدلا من الترحيب بالمحتاجين وإعادة توطينهم بين الدول الأعضاء، سيتم تسخير مفهوم تضامن الاتحاد الأوروبي بجهد جماعي لطرد الأشخاص ومنعهم من الدخول – الدول الأعضاء ترعى بعضها البعض في عملية الطرد”.

من جهتها، أدانت مجموعة الخضر المعطي الذي يشير إلى أن ميثاق الاتحاد الأوروبي للهجرة قائم على نظام “غير إنساني” و”عديم الفعالية”، مما يؤدي إلى تفاقم أوجه الخلل في قانون دبلن ويواصل تحميل مسؤولية الإجراءات لكل من اليونان وإيطاليا وإسبانيا ومالطا.

أما بالنسبة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، المنقسمة منذ أزمة الهجرة لعام 2015، حول مبدأ التضامن والحصص الإجبارية لاستقبال المهاجرين، فهي لا تزال تتمادى في خلافاتها حول المنهجية التي ينبغي اعتمادها لتدبير هذه القضية الحساسة.

فإذا كانت ألمانيا وفرنسا قد أعربتا بسرعة عن تأييدهما لمقترحات اللجنة، فإن اليونان بدت مؤيدة للاتفاق، مع الإصرار على إعادة التوطين الإجباري وضرورة ضمان التوازن بين المسؤولية التي تتحملها دول خط المواجهة الأول، بما يشمل بطبيعة الحال عمليات الترحيل.

وشددت إسبانيا، من جانبها، على أن مقترح المفوضية لا يعكس المطلب الرئيسي للبلاد، وهو “آلية تضامن إلزامي” في أوروبا لتخفيف الضغط والعبء الثقيل الملقى على كاهل الدول. مع فرض إجراءات حدودية جديدة لا تشاركها الحكومة الإسبانية.

ولا تزال دول “فيزغراد” إلى جانب النمسا وسلوفينيا، من جانبها، متشددة في رفضها لفكرة إعادة التوطين الإجباري، مجددة التأكيد على معارضتها للدعوة إلى التضامن التي أطلقها جنوب أوروبا.

واعتبر رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربان، أن إصلاح الهجرة الذي قدمته المفوضية الأوروبية ليس بخطوة إلى الأمام، في حين شدد نظيره التشيكي أندريه بابيش، على أن دول فيسغراد الأربعة ترى أنه ينبغي وقف المهاجرين وإعادتهم إلى بلدانهم.

ومما لا شك فيه، أن ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد بشأن الهجرة واللجوء سيختبر بشكل أكبر وحدة الاتحاد الأوروبي، التي أضعفتها سلسلة الأزمات والانقسامات التي ما فتأت تزداد أكثر فأكثر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.