واصلت النسخة الـ 15 من المهرجان الدولي للرحل (22- 24 مارس الجاري)، السير على نفس النهج من حيث الجودة والأصالة والمشاطرة، حيث غمرت الحفلات الموسيقية، أمس الجمعة، أرجاء الجماعة القروية لمحاميد الغزلان بإيقاعات الموسيقى الحسانية الشجية.
وهكذا، استمتع المواضبون على هذا الموعد الموسيقي الدولي بحفلات أحياها فنانون مرموقون قدموا من النيجر، ومختلف مدن المغرب، لاسيما كلميم والعيون وقلعة مكونة، والذين قدموا توليفة جمعت بين الأغاني المستمدة من الريبرتوار الغني للموسيقى الأمازيغية الممزوجة بالتأثيرات الحسانية، وبإيقاعات موسيقى البلوز والطوارق أيضا.
واهتزت المنصة الكبرى، بالقرب من إعدادية امحاميد الغزلان، على إيقاعات الأصوات والموسيقى الشجية والأصيلة للصحراء، حيث أدت مجموعة كركدان الصحراء (كلميم)، أروع القطع الموسيقية وأبهى أبيات الشعر الحساني، وذلك من خلال الجمع بين الآلات الموسيقية التقليدية والحديثة.
وتمكن الشباب التسعة الذين تتألف منهم المجموعة، والذين يعرف عنهم أدائهم لصنفين من الفنون الشعبية للصحراء التي يمزجون بينها على نحو متميز، وهما الموسيقى الحسانية الأصيلة ورقصة “الكدرة”، من إمتاع الجمهور الذي حج بكثافة لتذوق الموسيقى التقليدية للصحراء وكذا القطع الراقصة والساحرة.
وكانت هذه المنصة على موعد مع مغني البلوز النيجيري الحسيني أنيفولا، الذي ألهب الجماهير التي حجت من مختلف أنحاء العالم، وذلك بأدائه لكشكول من أغانيه ذائعة الصيت، من قبيل ” إيكفان” و”إيسواد” و”السلام”.
ويتناول هذا المغني المشهور لمجموعة “إثران فيناتوا”، الذي يمزج بين إيقاعات الترانس والقيثار بلوز والصوت الدافئ، مواضيع التغييرات التي يعرفها العالم، وفقدان التنوع الثقافي، وتغير المناخ وتأثيرها المباشر على أبناء شعبه، إلى جانب أهمية الحفاظ على ثقافة بلاده وأسلوب الحياة بها.
وأبرز هذا السفير للتنوع الثقافي عبر عالم متغير، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أهمية هذا المهرجان في ضمان استمرارية موسيقى الطوارق، مسجلا أنه يشكل “مبادرة جيدة وفرصة لمشاطرة عادات وتقاليد مختلف البلدان”.
وأوضح الحسيني أنيفولا، من جهة أخرى، أن أغانيه تتحدث عن جمال الصحراء وحياة البدو، ولكن أيضا عن العزلة والتحولات الاجتماعية مع كل التهديدات التي تشكلها على حياة البدو الرحل، على غرار النزاعات والحروب وآفة الجفاف، داعيا الشباب إلى عدم نسيان هويتهم، والشيوخ إلى نقل ثقافتهم وتقاليدهم للأجيال الجديدة.
بعد ذلك، استلمت المشعل الأيقونة باتول المرواني، التي كانت ترتدي اللباس التقليدي الصحراوي، حيث أدت باقة منتقاة بعناية من قبيل “عنك خليني”، و”قبيل تحميس”، و”ليالي يا ليالي”، فألهبت بذلك حماس الجمهور، قبل أن تؤدي مقطوعات من ريبرتوار الموسيقى الشرقية.
ورافق عرض باتول المرواني، إحدى مواليد مدينة العيون التي أحدثت ثورة في الموسيقى الحسانية التي كانت تؤدى سابقا بكيفية حصرية من طرف الرجال، رقصات صحراوية أدتها ببراعة راقصة أنيقة كانت ترتدي بفخر اللباس التقليدي المزين بالمجوهرات المميزة لهذه الربوع من المملكة.
من جانبها، أتحفت أمناي باند المنحدرة من قلعة مكونة بوادي الورود، الجمهور بباقة موسيقية تزاوج بين مجموعة من الأنماط الموسيقية، من قبيل “الكانتري”، “الفلامينكو”، “السلاو” و”الألترناتيف”، وذلك بصوتها المتفرد وحضورها القوي على منصة العرض.
وتستلهم هذه الفنانة العصامية، من المعيش اليومي لشعوب شمال إفريقيا والحوض المتوسطي والساحل جنوب الصحراء، فهي تغني باللغات الأمازيغية والفرنسيو والإنجليزية، علما أنها تتوفر في رصيدها على أربعة ألبومات صدرت سنتي 2008 و2013.
وإذا كانت المنصات قد خصصت للاستمتاع بسحر الأنغام الموسيقية المتلاقحة، فستحتضن الفضاءات معارض لفنون الطبخ والمنتوجات المحلية والصناعة التقليدية المغربية والأنشطة التقليدية لرحل الصحراء، بما فير ذلك تنظيم مباراة لتحضير خبز الرمال الذي يطلق عليه تسمية “ميلا” إلى جانب عرض لكيفية نصب خيام الرحل.
كما سيتم تنظيم ندوات تتمحور حول موروث وتاريخ الجنوب المغربي، وذلك تحت عنوان “التعليم لدى الرحل، من التعليم التقليدي +المحضرة+ إلى المدرسة الحديثة”.
ومنذ 15 سنة، يشكل المهرجان الدولي للرحل، الأول من نوعه المحدث على مستوى جنوب المغرب، والذي يعد ثمرة تعاون بين جمعية رحل العالم، والمجلس الإقليمي لزاكورة، ووزارة الثقافة، مرجعية دولية في مجال التنوع الثقافي والانفتاح على العالم.