نادية الغزاوي: تلوح في الأفق جولة إعادة انتخابات رئاسية شديدة الجدل في بولونيا بين مرشح المحافظين ،الرئيس المنتهية ولايته أندريه دودا ، ومرشح الليبراليين والمؤيد للتوجه الأوروبي عمدة وارسو رافال ترزاسكوفسكي ،الذين سيتواجها بعد غد الأحد في اقتراع حاسم لمستقبل البلاد.
وتتنافس شخصيتان متعارضتان من حيث الخلفية الإيديولوجية و تجسدان رؤيتين مختلفتين جذريا للبلاد في انتخابات ذات نتيجة غير محسومة سلفا وغير مؤكدة ، وتعتمد على أصوات “مؤجلة” لها وزن مؤثر في نتيجة التصويت النهائية للاستحقاق .
ويبقى السؤال مطروحا هو هل سيستمر التوجه المحافظ في أعلى سلطة في البلاد ؟ وهذا هو القضية الجوهرية التي على المحك في هذه الانتخابات الرئاسية الحاسمة ، التي يتابعها ويراقبها الاتحاد الأوروبي عن كثب ، لأن نتائج الجولة الثانية يمكن أن تشكل عماد العلاقات البولونية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
ومن باب المستحيل التنبؤ بمن سيخرج منتصرا من استحقاق بعد غد الأحد لأنه على الرغم من التقدم المريح بفارق يقارب 13 نقطة مائوية حققه الرئيس المنتهية ولايته في الجولة الأولى التي كان مقرر إجراؤها يوم 10 ماي الماضي قبل أن يؤجل موعدها الى 28 يونيو المنصرم بسبب عدم التوافق والاختلاف السياسي -القانوني على خلفية انتشار وباء الفيروس التاجي ، تبدو الانتخابات الرئاسية مفتوحة على كل الاحتمالات ، مع العلم أن للمرشحين معا نفس درجة الحظ للفوز بالانتخابات .
ورغم أنه كان صاحب الأفضلية للفوز بالانتخابات الرئاسية مع بداية العام و توقعت نتائج استطلاعات الرأي نجاحه بفوز كبير من الجولة الأولى ، فقد حصل الرئيس أندريه دودا ، المرشح لولاية ثانية والمدعم من قبل القوميين المحافظين بقيادة “القانون والعدالة ” على 43.5 في المائة من الأصوات ، ما أجبره على خوض غمار جولة ثانية لحسم فوزه وهو يقابل منافسا غير سهل يدعى رافال ترزاسكوفسكي ، الذي حصل على 30.46 في المائة من الأصوات ويدعمه أقوى أحزاب المعارضة “المنبر المدني” .
وركز أندريه دودا ، 48 عامًا ، والذي يمكنه الاعتماد على ناخبيه المخلصين في معاقل الحزب القروية ، والمكونة من أشخاص من كبار السن وأقل تعليماً من أولئك الذين يدعمون خصمه ، حملته على تطلعات المجتمع ،وهو يصر على الدفاع عن الامتيازات الاجتماعية والبرامج ذات الصلة التي أطلقها الحزب الحاكم منذ توليه السلطة سن 2015 ،وكذا على القيم الكاثوليكية التقليدية.
وفاز منافسه رافال ترزاسكوفسكي ، الذي يبلغ من العمر أيضا 48 سنة وتم ترشحه رسمياً في خضم أزمة الفيروس التاجي والذي سمح للمعارضة الليبرالية بتجديد دمائها وموقعها السياسي الاعتباري ، في الجولة الأولى من السباق الانتخابي على مستوى المدن الكبرى وفي أوساط الشباب ، وقد عزز هذا النائب البرلماني السابق ونائب وزير الخارجية السابق موقعه في الساحة السياسية الوطنية في وقت قياسي ،وقدم نفسه كمرشح للتغيير مع الحرص على تأكيد دعمه للتدابير الاجتماعية التي ساهمت في فوز المحافظين في الانتخابات التشريعية العام الماضي.
وحاول المرشحان خلال الحملة الانتخابية التي تقود الى الجولة الثانية جذب انتباه الناخبين من مؤيدي المرشحين الآخرين الذين تم إقصاؤهم من المنافسة وكذا المراهنة على المسجلين في اللوائح الانتخابية الذين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الأولى و يمكنهم قلب الموازين. ومن المحتمل أن تذهب نسبة 13.9 في المائة من الأصوات التي حصل عليها شيمون هولونيا ، الصحافي والكاتب المرشح المستقل الذي احتل المركز الثالث ، لفائدة الليبراليين ،خاصة وأن المرشح المستقل أكد بالفعل وبشكل واضح لا غبار عليه أنه سيصوت ضد حزب “القانون والعدالة” القومي الحاكم .
و سعى الرئيس دودا إلى “إغواء” الناخبين من اليمين المتطرف ، الذين لم يقرروا بعد وجهة أصواتهم ، إلا أن الناخبين الذين قد يستجيبوا لرغبة القوميين هم من مؤيدي اليمين المتطرف الذي يقوده كرزيستوف بوساك ، الذي حصل في الجولة الأولى على 6.8 في المائة من الأصوات ، أو ما يعادل 1.3 مليون ناخب ، والذين من غير المستبعد أن يكون لهم إلى حد كبير تأثير مهم على نتيجة الاستحقاق .
وكانت المنافسة شرسة في الشوط النهائي من الحملة الانتخابية حتى ولو لم تجر مناظرة رئاسية حقيقية بين الجولتين ، حيث لم يتمكن المرشحان من الاتفاق ،وشارك كل واحد منهما في مناظرة خاصة ورمز كل منهما عن غياب منافسه بوضع منبر فارغ.
وقبل أسبوع من الانتخابات ، عندما أجاب رافال ترزاسكوفسكي على أسئلة مجموعة من الصحفيين في ليسزنو (غرب) ، كان أندريه دودا وحده هو الذي يجيب على الأسئلة في القناة العمومية “تي في بي”. ورفض عمدة وارسو المشاركة في المناظرة التلفزيونية ،معتبرا أن هذا المنبر الإعلامي يدعم علانية الرئيس المنتهية ولايته ،الذي رفض بدوره وسائل الإعلام الخصوصية لأسباب مماثلة.
وتبقى هذه الانتخابات حاسمة لمستقبل البلاد على اعتبار أن فوز عمدة وارسو سيكون قادرًا على تهدئة روع الاتحاد الأوروبي في علاقته مع بولونيا ، التي عرفت منذ عام 2017 مواجهات مسترسلة ، لا سيما بشأن قضايا تتعلق بسيادة القانون. وأطلقت المفوضية الأوروبية المختلفة مع وارسو عدة إجراءات تتعلق بإصلاح المحاكم العادية أو المحكمة العليا.
وفيما يمكن لولاية أندري دودا الثانية التي تمتد لخمس سنوات أن تسمح لحزب “القانون والعدالة” بمواصلة أجندة إصلاحاته ، بما في ذلك إصلاح العدالة المثير للجدل ، يمكن لهزيمة الحزب القومي المحافظ أن تعرض نفوذ الحزب للخطر. ووفقا للدستور ، يتمتع الرئيس البولوني بسلطات محدودة ، ولكن من بين أمور أخرى له حق نقض وعدم التأشير على القوانين المقترحة. ومن تم سيكون فوز ترزاسكوفسكي ضربة قوية لحكومة المحافظين.
وفي مسلسل سياسي غني بالمنعطفات والمطبات ، يبقى التشويق سيد الموقف في انتظار ظهور نتائج المنافسة الانتخابية التي تجمع قوتين سياسيتين رئيسيتين في البلاد ،حزب “القانون والعدالة” وحزب “المنبر المدني” ، وهو الشطر الثاني من الاستحقاق الذي من المتوقع أن يسجل نسبة مشاركة أكبر من الجولة الأولى (أكثر من 64 في المائة) ، خاصة وأن جزء كبيرا من الممتنعين سابقا عن التصويت أعربوا عن نيتهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع للاختيار بين الاستمرارية والتغيير.