الإصلاح الدستوري الجزائري.. هل سيشكل المضمون تجسيدا للمكتوب ؟

0

عادل الزعري الجابري–بروكسيل – يفصح المشروع الدستوري لـ “الجزائر الجديدة” عن أمور كثيرة، لاسيما حول تنظيم السلط في بلد يستبد فيه الجيش بالحكم. لكن، بعيدا عن معرفة ما إذا كان هذا المشروع سيلبي أم لا التطلعات الحقيقية للشعب الجزائري، لا تزال العديد من مناطق الظل تخيم على حمولته الحقيقية، وذلك إذا علمنا أنه سيضفي، على نحو خاص، هالة من القدسية على وضع رئيس الجمهورية باعتباره “قائدا للحرب”، على اعتبار أن بوسعه أخذ قرار في شأن إرسال قوات عسكرية إلى الخارج.

لقد انصب اهتمام بعض المحللين على هذه النزوة الجديدة للنظام، واصفين إياها بـ “التغيير في العقيدة العسكرية” للجزائر، بينما يتساءل آخرون حول توقيتها والجدوى منها، علما أن البلاد تجتاز أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، تؤججها احتجاجات الشارع، الذي لم يستشعر بعد مؤشرات القطيعة الحقيقية، التي أعلن عنها على نطاق واسع، مع الحرس القديم للنظام.

ويرى الخبير الدستوري بجامعة باريس II- بانتيون أساس، ماسينسن شيربي، أن هذا الإصلاح لا يدعم وحسب تقديس القوة العسكرية، لكنه لن يتمكن من النجاح مع نفس الفاعلين؛ أولئك “الذين جعلوا الشعب الجزائري يتعرض لأشد مظاهر الإذلال”.

وتطرق ماسينسن شيربي، أيضا، لسياق هذا الإصلاح الذي يتسم بتفشي وباء “كوفيد-19″ و”القمع العنيف للمعارضين والصحفيين”. كما لم يستثن المهندسين “المختارين بعناية فائقة” لهذا الإصلاح الذي طبخ وراء ظهور الجزائريين، متحدثا بذلك عن عملية مشوهة. وليس من قبيل الصدفة، أن فاتح أوقرقوز، الدكتور في القانون والقاضي السابق بالمحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان، استقال من مجموعة الخبراء المكلفة بإعداد هذا الدستور، معربا عن أسفه لكونه يندرج في سياق “استمرارية الدستور الحالي”، ومستنكرا نوعا من “النزعة المحافظة” في تناول القضايا المتعلقة بإعادة تأسيس الدولة.

وبالنسبة للمعارضة، فترى فيه بكل بساطة “عملية تجميل للواجهة من دون قطيعة فعلية مع النظام السياسي القائم”.

أما عن “دستورية” مشاركة الجيش الجزائري في عمليات بالخارج، التي يتباهى بها النظام على أنها سابقة عالمية، بينما سبق للجزائر أن ساهمت في عمليات خارج حدودها، لاسيما في العام 1989 بأنغولا، وفي 1992 بالكمبودج، و1995 بهايتي، وسنة 1999 بالكونغو، فتعتبر عملية تواصلية إلى حد كبير.

ويرى الصحفي أكرم خريف، أن الأمر يتعلق فقط بإزالة “نوع من الغموض الفني عن عقيدة عدم التدخل المفترضة للجيش الجزائري”.

وذكر هذا المتخصص في قضايا الدفاع بأن الجيش الجزائري تدخل في الكثير من النزاعات، بأشكال مختلفة، إما من أجل شن الحرب أو لمساعدة الحكومات القائمة.

وخير دليل على ذلك، تورط بلاده في النزاع المسلح ضد المغرب منذ العام 1963 مع حرب الرمال، وفي 1975-1976 مع معركتي “أمغالا 1″ و”أمغالا 2”.

وينضاف إلى ذلك تسليح وتمويل وتدريب مليشيات “البوليساريو”، قصد الإبقاء على جو من عدم الاستقرار في المنطقة، مع أعباء إنسانية ثقيلة على الساكنة المحتجزة داخل مخيمات تندوف، على التراب الجزائري.

وعلاوة على الفاتورة الأمنية، يترتب عن استراتيجية التوتر هاته التي تنتهجها الجزائر ضد المغرب، كلفة انعدام الوحدة المغاربية، التي تجعل البلدان الخمس للمنطقة تفقد قيمة مضافة سنوية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

ولعل السؤال الآخر الذي يطرح نفسه في هذه الدسترة المفاجئة لهذا “الدور الجديد للجيش”، هو المتعلق بالميزانية المرصودة له، والتي قدرها المعهد الدولي لأبحاث السلام بستوكهولم (سيبري) في سنة 2018، بـ 9,6 مليار دولار، أي 5,3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

واهتمت مجموعة الأبحاث والمعلومات حول السلام والأمن، التي تتخذ من بروكسيل مقرا لها، عن قرب، بهذا الإقبال المحموم على اقتناء الأسلحة، حيث وضعت ذلك في سياق التنافس الإقليمي واستراتيجية التوتر التي تنتهجها الجزائر في علاقتها مع جارها، المغرب.

فإذا كانت مجموعة التفكير الأوروبية هاته، ترى بأن هذا الوضع يمس بشدة الاستقرار الداخلي للجزائر الهش للغاية، فهو يشكل أيضا تهديدا أمنيا جوهريا بالنسبة للمنطقة وجوارها الأورو-متوسطي.

فهل سيكون بمقدور الجيش الجزائري التخلي عن نزعاته العدائية ضد المغرب، “خدمة للسلام الدولي”، كما يدعي ذلك المشروع الأولي للدستور “الجديد”؟.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.