فيروس كورونا يؤجج التوترات السياسية بين الصين والولايات المتحدة

0

ما إن وضعت الحرب التجارية أوزارها بين الولايات المتحدة والصين وخمدت نزاعاتهما حول قضايا أخرى في المجال التكنولوجي والحقوقي، عاد التوتر السياسي بين البلدين إلى واجهة الأحداث، وهذه المرة حول قضية غير مسبوقة تتعلق بتبادل الاتهامات بشأن فيروس كورونا.

وبدأت معالم التوتر بين البلدين تظهر في الأيام الأولى التي تلت الإعلان عن تفشي الفيروس، عندما اتهمت بكين المسؤولين الأمريكيين بإثارة “الذعر” في العالم باتخاذ سلسلة من القيود الصارمة وحظر دخول القادمين من الصين، لتتطور الأمور باتهام واشنطن لبكين بـ”عدم الشفافية” و”التستر” على وباء فيروس كورونا في بداية تفشيه في مدينة ووهان أواخر دجنبر، ليتخذ الجدل بعدا دبلوماسيا عقب استدعاء السفير الصيني في واشنطن. وفي الوقت الذي كانت تخوض فيه الصين معركتها لكبح تفشي الفيروس، اتهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو في مناسبات متعددة الصين بـ”عدم الشفافية”، فيما صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، أن السلطات الحكومية “تسترت على الوباء في بداية تفشيه، مما أخر الاستجابة العالمية للوباء لمدة شهرين على الأقل”، معتبرا أن بكين “لو تعاملت بصورة صحيحة مع الفيروس لكان من الممكن الحد من انتشاره في الصين وجميع أنحاء العالم”.

ورد المسؤولون الصينييون بأن هذه الاتهامات “غير أخلاقية وغير مسؤولة”، وأكدوا أن سلوك الصين اتسم ب”الوضوح” و”الشفافية” في ما يخص تقاسم المعلومات بشأن الفيروس مع منظمة الصحة العاملية والبلدان المعنية منذ ظهور الوباء، داعين إلى التركيز على مكافحة الوباء وتعزيز التعاون الدولي “بدلا من تشويه جهود الصين”.

وعقب تصريح روبرت ريدفيلد، مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أمام الكونغرس، بأن بعض حالات الوفاة في الولايات المتحدة كانت مصابة بفيروس كورونا الجديد وتم تشخيصها بشكل خاطئ على أنها أنفلونزا، طالب المتحدث باسم الخارجية الصينية، تشاو لى جيان، واشنطن بالتحلي بـ”الشفافية” بشأن المعطيات المتعلقة بفيروس كورونا على أراضيها، ولمح إلى أن “الجيش الأمريكي قد يكون جلب الفيروس إلى ووهان”.

وكتب لي جيان، في تغريدة على “تويتر”، أثارت جدلا واسعا، “سجلت الولايات المتحدة 34 مليون إصابة بالأنفلونزا بينها 20 ألف وفاة، يرجى الإعلان عن عدد الحالات المرتبطة بكوفيد-19، متى ظهرت أول حالة إصابة في الولايات المتحدة؟ كم عدد المصابين؟ ما هي أسماء المستشفيات؟”، مضيفا “ربما يكون الجيش الأمريكي هو من جلب الوباء إلى ووهان”.

وعلى إثر هذا التصريح استدعت الولايات المتحدة السفير الصيني لديها احتجاجا على الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي قد يكون خ ل ف نشر فيروس كورونا المستجد في مدينة ووهان.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية إن “إشاعة نظريات مؤامرة خطير وسخيف. أردنا تحذير الحكومة (الصينية) من أننا لن نتسامح مع ذلك، لمصلحة الشعب الصيني والعالم”.

غير أن وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كورونا بـ”الفيروس الصيني” أثار غضب واستياء بكين، التي اعتبرت أن هذا الربط بين الفيروس والصين يعد نوعا من “الوصم” المرفوض.

ونبه المتحدث باسم الخارجية الصينية، قنغ شوانغ، أن منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي “يعارضان بوضوح ربط الفيروس بأي بلد أو منطقة معينة وهم ضد أي شكل من أشكال الوصم”، داعيا الولايات المتحدة إلى “تصحيح خطئها على الفور، ووقف اتهاماتها غير المبررة ضد الصين”.

وذكر أن الصين تعتقد بأن تتبع مصدر فيروس كورونا الجديد مسألة تتعلق ب”العلم وتحتاج إلى آراء علمية ومهنية”.

ولم يقتصر الجدل حول الموضوع بين كبار مسؤولي البلدين، وإنما انتقل إلى شبكات التواصل الاجتماعي الصينية، التي ضجت بعبارات الاستنكار والإدانة لوصف ترامب كورونا بـ”الفيروس الصيني” من قبل مستخدمي الإنترنيت، والذي أطلق بعضهم عرائض لجمع توقيعات تدين وصم الصين وربطها بالفيروس.

وفي هذا السياق، ذكرت “غلوبال تايمز”، اليومية الصينية الناطقة بالإنجليزية، أن أكثر من 120 ألف صيني من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وقعوا حتى يوم الأربعاء على عريضة تطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتذار عن تسمية كوفيد-19 بـ”الفيروس الصيني”، وتدين في نفس الوقت سلوكه.

وذكرت الصحيفة أن أحد مستخدمي الإنترنيت بادر يوم الاثنين إلى إحداث عريضة، تسعى إلى جمع مليون توقيع لتوجيهها إلى البيت الأبيض، ذكر فيها أن “الرئيس ترامب مدين لجميع الصينيين باعتذار عن تسمية كوفيد-19 بالفيروس الصيني، خاصة أن مصدر كوفيد-19 غير محدد علميا حتى الآن”.

ونقلت الصحيفة عن أحد مستخدمي الإنترنيت، الذي وقع على العريضة، قوله “لقد أظهر لنا ترامب ما يمكن وصفه بالوقاحة.. أريد من خلال العريضة أن أجعل الحكومة الأمريكية ترى موقف ووحدة الشعب الصينى. فالصين قدمت تضحيات ومساهمات كبيرة فى مكافحة الوباء، ونحن لن نتسامح أبدا مع الاتهامات والافتراءات غير المعقولة”. ومن جهته، صرح لي هايدونغ، الأستاذ بمعهد العلاقات الدولية بجامعة الدراسات الخارجية الصينية، للصحيفة، أنه “من المهم إطلاق هذه العرائض التي يمكن اعتبارها جزءا من الدبلوماسية العامة”، مضيفا أن هذه الخطوة “يمكن أن تسمح للشعب الأمريكي بفهم وجهة نظر الشعب الصيني بشأن هذه المسألة، وتبين لهم مدى عدم الرضى عن تصريحات رئيسهم غير المسؤولة”.

وقال إن “ترامب تعمد وصم الصين محكوما باعتباراته السياسية الخاصة، فهو يستخدم الصين كبش فداء لصرف الاهتمام المحلي عن ضعف استعداده وتأخر استجابته خلال المراحل الأولى من تفشي الوباء، من أجل تعزيز حملته الانتخابية الرئاسية المقبلة”.

ويتزامن التوتر السياسي بين بكين وواشنطن حول فيروس كورونا، مع اندلاع جبهة أخرى من الخلاف على الصعيد الإعلامي بعد سحب الصين تراخيص الاعتماد من صحفيين أمريكيين، ردا على تدابير تقييدية فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا بحق منابر إعلامية صينية لديها.

وطالبت الخارجية الصينية، يوم الأربعاء، صحافيين أميركيين يعملون لحساب صحف “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”وول ستريت جورنال” بتسليم بطاقاتهم الصحافية في غضون 10 أيام، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات “اضطرت إلى اتخاذها ردا على المضايقات غير العقلانية التي تتعرض لها المؤسسات الإعلامية الصينية في الولايات المتحدة”.

وتلقي هذه التوترات بين العملاقين الاقتصاديين بظلال قاتمة في المشهد الدولي في وقت ينشغل فيه العالم بحربه غير المسبوقة على مكافحة تفشي فيروس كورونا وتداعياته القاسية على الاقتصاد والأسواق المالية فضلا عن تعطل الحياة العامة للسكان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.