الحكومة اللبنانية الجديدة: ولادة عسيرة على وقع مظاهرات شعبية رافضة لصيغة المحاصصة

0

المصطفى الناصري: بعد مشاورات وتجاذبات سياسية شاقة دامت لأزيد من شهر على تكليف الرئيس اللبناني ميشال عون لحسان دياب رئيسا للحكومة، توصل الفرقاء السياسيون إلى اتفاق أفرز تشكيلة حكومية ولدت على وقع مظاهرات شعبية مستمرة رافضة لصيغة المحاصصة في تشكيل الحكومة.

وأ علنت مساء أمس الحكومة اللبنانية الجديدة التي تشكلت بعد حوالي ثلاثة أشهر من حركة احتجاجية غير مسبوقة أدت الى استقالة الحكومة السابقة وتطالب برحيل الطبقة السياسية التي تحكم لبنان منذ عقود.

وبالوصول إلى تشكيل الحكومة ” العتيدة”، يكون دياب قد كسر العجز والعوائق التي صاحبت عملية التشكيل الحكومي التي عرفت في مختلف مراحلها صعوبات كبيرة تمثلت في إرضاء الأحزاب التي كانت متشبثة في وقت سابق بالحصص وتقاسم الحقائب الوزارية.

وكان كل من تيار “المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، و”حزب القوات”، و”حزب الكتائب”، قد أعلنوا عدم مشاركتهم في حكومة حسان دياب.

وحري بالذكر أن ولادة الحكومة في لبنان لا يمكن أن تتم من دون توافق القوى السياسية الكبرى إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والمجموعات السياسية.

ومع الإعلان عن الحكومة الجديدة، تواصلت الانتفاضة الشعبية متجاهلة الرسائل الإيجابية للرئيس دياب، عبر خلالها المحتجون عن عدم رضاهم على عملية التشكيل وإصرارهم على النزول إلى الشارع كردة فعل تؤكد رفضهم القاطع لمكونات الحكومة الجديدة.

واعتبر المحتجون، الذين عمدوا إلى قطع الطرق الرئيسية في بيروت والعديد من المناطق اللبنانية بالإطارات المشتعلة والأتربة، أن الحكومة لا تتجاوب مع مطالبهم، باعتبار أن الأحزاب السياسية المرفوضة من قبل الشارع هي التي شاركت في التشكيلة الجديدة.

كما عبروا عن رفضهم للوجوه المشاركة في الحكومة لانها تمثل، برأيهم، أحزابا غير مرغوب فيها، داعين إلى حكومة مستقلة تلبي الانتظارات الكبيرة والراهنة لشعب لبنان الذي يغرق في أزمة اقتصادية خانقة.

وفي ردود فعل أولية، قالت النائبة بولا يعقوبيان المستقلة، في تغريدة على “تويتر”، إن “الوجوه الجديدة هي كرقعة جديدة على ثوب قديم”، مضيفة أن حسان دياب “لم يلتزم بوعده بتأليف حكومة مستقلين”.

من جهتها، اعتبرت مصادر “تيار المستقبل”، الذي يرأسه سعد الحريري، أنه ” بسبب خلافات الفريق الواحد على الحصص وصلت الامور في نهاية المطاف الى حكومة مستشارين على عكس ما يريده الحراك الشعبي”، مشيرة إلى أن ما يحصل من تحركات وقطع طرقات “هو نتيجة طبيعية لرفض الحراك لحكومة من هذا النوع”.

بدوره، قال حزب “القوات اللبنانية” إن “القوات كانت من أول المطالبين بحكومة اختصاصيين، لكن الفريق المهيمن على العهد ومقدرات البلاد لا يريد إلا حكومة من هذا النوع ليبقى متمسكا بالسلطة وبالامتيازات “.

وأشار إلى أن “القوات كانت تأمل أن تعطي الحكومة صدمة إيجابية، إلا أنه وبعد أكثر من شهر على التكليف جاء العكس، مما أغضب الناس ودفعهم مجددا الى الشارع الشيء الذي يوحي بأن البلاد ما زالت في بداية الازمة ولا حلول قريبة”.

أما رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط (غير مشارك في الحكومة)، فقد قال إن “أي حكومة أفضل من الفراغ لأن المرحلة المقبلة صعبة ومن الأفضل تكسير الحواجز كي لا نضيع في لعبة الأمم”.

وفي المقابل، اعتبر حزب “التيار الوطني الحر” (مكون حكومي)، أن الحكومة الجديدة تضم اختصاصيين غير ملتزمين سياسيا أو حزبيا، داعيا الجميع إلى إعطاء الفرصة لهذه الحكومة مع مراقبة عملها لتكون بداية لمرحلة “إنقاذية” وأن تجد الحلول الملائمة للأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي يعاني منها البلد.

ويرى المراقبون أن حكومة دياب تنتظرها مهام كبيرة وشاقة خاصة قدرتها على إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية هيكلية كمطلب أساسي للمانحين الدوليين مقابل مساعدة لبنان على تجاوز الظروف الاقتصادية الخانقة، واستعادة استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من ثلث قيمتها في السوق الموازية.

ووفقا لهؤلاء، فإن الحكومة الجديدة تنتظرها مهمة صعبة تتمثل في إعادة إحياء اقتصاد منهار واسترداد ثقة المتظاهرين الذين عادوا إلى الشارع فور الإعلان عن التشكيلة الجديدة.

وكان رئيس الحكومة اللبنانية قد أكد أن الحكومة الجديدة “تعبر عن تطلعات المحتجين” الذين يخوضون حركة احتجاج منذ ثلاثة أشهر، واصفا إياها بحكومة “إنقاذ”.

وقال دياب، في مؤتمر صحفي عقب مراسيم التشكيل الحكومي، إن “هذه الحكومة تعبر عن انتظارات المعتصمين على مساحة الوطن خلال أكثر من ثلاثة أشهر من الغضب، كما ستعمل على تلبية مطالبهم”.

وأضاف أن الحكومة الجديدة، المكونة من وزراء تكنوقراط من ذوي الكفاءات، ستعمل على وضع قانون جديد للانتخابات، وترجمة مطالب المحتجين خاصة في الشق المتعلق باستقلالية القضاء واسترجاع الأموال المنهوبة.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الجديدة تتألف من عشرين وزيرا لم يتولوا من قبل مسؤوليات سياسية.

وفي أكبر حصة للمرأة في تاريخ لبنان، ضمت الحكومة الجديدة ست وزيرات (حوالي الثلث) ، كما أنه وللمرة الأولى في تاريخ الحكومات اللبنانية أسندت إلى امرأة حقيبة الدفاع ومنصب نائبة رئيس الحكومة.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر حراكا شعبيا غير مسبوق يطالب بإسقاط الطبقة السياسية كاملة ويتهمها بالفساد ويحملها مسؤولية انهيار الوضع الاقتصادي.

ووقعت الأسبوع الماضي مواجهات غير مسبوقة بين عناصر الأمن ومتظاهرين في العاصمة أسفرت عن إصابة أكثر من 500 شخص بجروح، وتخللتها عمليات تخريب وتحطيم محلات تجارية وواجهات عدة مصارف.

ويواجه الاقتصاد اللبناني تحديات اقتصادية، تتمثل في ارتباك سوق الصرف المحلية، وتذبذب وفرة الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.