عمر عاشي: في الوقت الذي طوى فيه الأمريكيون صفحة سنة 2019 على وقع ارتدادات محاكمة الرئيس دونالد ترامب الرامية إلى عزله من منصبه، وهي قضية سياسية داخلية تختزل المواجهة بين الديمقراطيين و الجمهوريين في سنة انتخابية حاسمة، وسمت إطلالة العام الجديد (2020) تطورات متلاحقة في قضايا ساخنة لها ثقلها في السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد وضع تصاعد التوتر مع إيران، وتحديات نزع السلاح النووي في كوريا الشمالية، والحرب المكلفة في أفغانستان، والمواجهة التجارية مع الصين، السياسة الخارجية لقاطن البيت الأبيض على المحك، وأعادها الى دائرة الضوء.
ففي 3 يناير، أمر دونالد ترامب بتنفيذ غارة بواسطة طائرة مسيرة استهدفت الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهي عملية من شأنها، وفقا للمراقبين، أن تشكل نقطة تحول حقيقية يتجاوز مداها منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي أكد أنه لايسعى إلى الدخول في حرب مع إيران أو تغيير النظام في طهران، فإن مخاطر اندلاع نزاع مسلح هزت العواصم العالمية وأرخت بظلالها على أسواق المال.
ويطالب الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي بمزيد من المعلومات حول سبب إقدام ترامب على هذا الإجراء، مشككين في توقيت الهجوم الذي يرى فيه البعض محاولة لصرف الأنظار عن المحاكمة المتعلقة بعزل الرئيس الامريكي بمجلس الشيوخ خلال الشهر الحالي.
ويدفع قاطن البيت الأبيض بكون الجنرال قاسم سليماني “قتل وجرح الآلاف من الأمريكيين وكثيرين آخرين في المنطقة”، معتبرا أنه “كان يجب أن يقتل قبل سنوات”.
و بمقتل الجنرال الإيراني، تصدر موضوع العلاقات بين واشنطن وطهران، ومن خلاله السياسة الأمريكية في المنطقة، واجهة الاهتمام على المستويين السياسي والإعلامي في الولايات المتحدة، لاسيما بعد توعد القادة الايرانيين بالانتقام، في تصعيد يغذي المخاوف من استهداف المواطنين والمصالح الأمريكية.
وفي هذا السياق، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من أن العالم لا يستطيع “تحمل حرب أخرى” في منطقة الخليج، داعيا الى ضبط النفس واستئناف الحوار.
و فضلا عن التهديدات اللفظية، أخذت التطورات المرتبطة بهذا الملف منحى تصعيديا، حيث طلب البرلمان العراقي من الحكومة “إنهاء تواجد القوات الأجنبية” في البلد وهو الطلب الذي قابله دونالد ترامب بالتهديد بفرض عقوبات قاسية على بغداد إذا تم إجبار الجنود الأمريكيين على المغادرة.
ومن جانبه، أعلن النظام في طهران تحلله من أي التزام بشأن تخصيب اليورانيوم، ما يعني إطلاق رصاصة الرحمة على الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني المبرم سنة 2015.
ويرى المراقبون أن اغتيال قائد قوة النخبة الإيرانية يمثل شرارة مواجهة مباشرة مع إيران ستزيد من تعقيد وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعدما ظلت لسنوات تتجنب الدخول في مواجهة كبرى.
قضية أخرى لاتخلو من أهمية في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية، تتعلق بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية. فبعدما أثارت القمة التاريخية الأولى بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اونغ أون سنة 2018 موجة من التفاؤل، أعلن هذا الاخير في الأول من يناير الجاري عن قرار محبط للآمال يتمثل في إنهاء الوقف الاختياري للتجارب النووية وتجارب الأسلحة البالستية العابرة للقارات.
والأدهى من ذلك، أنه توعد بالقيام بفعل “مروع” ضد الولايات المتحدة، وهو ما يضع الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين للولايات المتحدة في موقف حرج بعدما كان يراهن على تحقيق اختراق دبلوماسي من خلال استئناف المحادثات حول نزع سلاح بيونغ يانغ.
وبخصوص القضية الأفغانية، استأنفت الولايات المتحدة وطالبان الاتصالات مرة أخرى من أجل التوصل الى اتفاق لسحب القوات الأمريكية بعد نحو 20 عاما من الصراع.
إلا أن التوتر لا يزال مستمرا ومعه الخسائر البشرية.حيث توفي 17 جنديا أمريكيا في هذا البلد سنة 2019، وهي أعلى حصيلة منذ سنة 2015.
ولاتزال المفاوضات بين الجانبين تراوح مكانها في الوقت الذي يتعهد فيه الرئيس الامريكي بوضع حد لهذه “الحرب العبثية” و إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن كما يطالب بذلك الرأي العام الأمريكي.
وخلافا لحالة الاستعصاء التي تواجهها السياسة الخارجية لدونالد ترامب في الملفات السالفة الذكر، حملت سنة 2020 تطورات واعدة في الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين.
وفي هذا الاطار، أعلن الرئيس ترامب أنه سيوقع “المرحلة الأولى” من الاتفاق التجاري مع الصين في 15 يناير في واشنطن قبل أن يتوجه إلى بكين لإجراء محادثات حول اتفاق أشمل.
وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة على خلفية حرب الرسوم الجمركية، مع ما يترتب عنها من عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، يبدو أن أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم تمضيان نحو تسوية مرحب بها من قبل المراكز المالية.
ويعد هذا التطور، إلى جانب انتعاش ثقة المقاولات والأسر ومعدل البطالة الذي تراجع الى أدنى مستوى له خلال 50 سنة، مؤشرات واعدة تصب في مصلحة ترامب الطامح للفوز بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية لشهر نونبر المقبل.