لبنان : مواقف سياسية متضاربة ترسم الضبابية على مسار تشكيل الحكومة الجديدة

0

المصطفى الناصري: برزت في المشهد السياسي اللبناني، منذ تكليف الرئيس اللبناني ميشال عون، للوزير السابق حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، مواقف سياسية متباينة وتصريحات متضاربة، أضفت المزيد من الضبابية على مسار الاستشارات الجارية ذات الصلة. وكان دياب، الشخصية المستقلة، قد تم تكليفه الخميس الماضي، كرئيس جديد للحكومة اللبنانية بعدما نال تأييد 69 نائبا من النواب الذين شاركوا في الاستشارات، غالبيتهم من كتل “حزب الله” وحلفائه، لا سيما “التيار الوطني الحر” و “حركة أمل”.

وترسم التصريحات، التي أدلى بها زعماء بعض التيارات السياسية تزامنا مع الاستشارات النيابية التي بدأها أمس الرئيس المكلف، بعد جولته التقليدية مع رؤساء الحكومات السابقين، صورة تنذر بصعوبة كسب رهان الاستحقاق الحكومي وتشكيل حكومة “إنقاذية” تخرج البلد من وطأة الأزمات الاقتصادية والمالية والسياسية المطروحة.

وينضاف إلى المواقف المتضاربة حول مشاورات التأليف، التي لم تبحث بعد في شكل الحكومة، حكومة تكنوقراط أو مطعمة بسياسيين، تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية منذ تكليف حسان دياب، حيث اختلط الحابل بالنابل وسط حراك شعبي ضاعت معالمه بين الانتفاضة الشعبية المطالبة بالتغيير، والشارع السني الغاضب من طريقة اختيار الرئيس المكلف بتأليف الحكومة ، وتخوف من حصول فتنة مذهبية بين فصيلين متصارعين.

وكتقليد سياسي، يقوم رئيس الوزراء المكلف بموجب هذه الاستشارات، باستطلاع آراء النواب والوقوف على مطالبهم في شأن مسار تشكيل الحكومة الجديدة وآليات التمثيل الوزاري داخلها وجدول أعمالها والأولويات الحكومية التي ينبغي تتبعها.

ولعل أبرز المواقف الرافضة للمشاركة في استشارات التأليف الحكومي تلك التي عبرت عنها “كتلة المستقبل” التي يتزعمها سعد الحريري، في أحدث فصول الأزمة السياسية في لبنان المستمرة منذ أكتوبر الماضي.

وفي هذا السياق، قال أعضاء في الكتلة في تصريحات صحفية، إثر لقاء دياب إنهم أبلغوه بقرارهم بعدم المشاركة في الحكومة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على اعتبار أنهم يريدون تأليف حكومة مكونة من اختصاصيين مستقلين.

وترفض كتلة نواب ” المستقبل”، التي تعد ثاني أكبر الكتل النيابية في البرلمان اللبناني (19 نائبا) ، تسمية دياب ، الذي بحسب قولهم، “لا يحظى بموافقة غالبية ممثلي الطائفة السنية في البلاد”.

من جانبها ، أعلنت كتلة “اللقاء الديمقراطي” بزعامة النائب وليد جنبلاط، أمس ، امتناعها عن المشاركة في الحكومة اللبنانية ، حيث اعتذرت الكتلة (9 نواب من أصل 128) عن المشاركة في استشارات تأليف الحكومة الجديدة.

وقالت الكتلة ، في بيان، إنه “مع احترامنا للدستور والأعراف وآلية الاستشارات، وانسجاما مع موقفنا المعلن بضرورة أن تعكس الحكومة نبض الشارع وطموح الشباب اللبناني، نعلن امتناعنا عن المشاركة في الحكومة المقبلة”.

ومن المواقف البارزة لرفض المشاركة في الحكومة القادمة تلك الصادرة عن حزب “القوات اللبنانية ” الذي يتزعمه سمير جعجع ، والذي أكد عدم مشاركته في الحكومة التي يتم العمل على تأليفها ، معتبرا أن نجاح الحكومة المرتقبة يتطلب أن تتشكل من متخصصين “تكنوقراط” مستقلين عن الأحزاب والقوى السياسية حتى تستطيع إيقاف التدهور المالي والاقتصادي الحاد الذي يشهده البلد.

وفي المقابل، شددت التيارات السياسية المساندة للرئيس المكلف على توسيع دائرة مشاركة الأحزاب في الحكومة المقبلة وعدم الانجرار إلى منطق الإقصاء من أجل مصلحة البلد.

وفي هذا الصدد، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يتزعم حركة (أمل)، “الإصرار على تمثيل كل الشرائح البرلمانية” بما فيها الأحزاب التي أعلنت عدم رغبتها المشاركة في الحكومة.

من جانبه، دعا رئيس كتلة “حزب الله” البرلمانية محمد رعد إلى “أوسع تمثيل” في الحكومة التي قال إن “لا أحد يفكر أن تكون حكومة مواجهة أو ذات لون واحد”.

وبدوره، أبقى رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل الباب مفتوحا أمام مشاركة حزبه في الحكومة، قائلا إنه يفضل ألا تضم سياسيين “من الدرجة الأولى” وألا تستثني أي طرف.

وكان الرئيس المكلف قد أعلن ، خلال مؤتمر صحفي عقب اختتام الاستشارات النيابية، توجهه لتشكيل حكومة اختصاصيين ومستقلين مصغرة في أسرع وقت ممكن من أجل إخراج البلاد من غرفة ” العناية الفائقة” نتيجة الانهيار الاقتصادي المتسارع.

وأوضح دياب أنه لن يعتذر عن عملية تشكيل الحكومة، وسيعمل على تشكيل حكومة مصغرة من 20 وزيرا من أجل حل الأزمة اللبنانية، لافتا إلى أن ظهور الحكومة الجديدة إلى النور لن يأخذ وقتا طويلا.

ومع اختتام الجولة الأولى من مشاورات التأليف، ذهب المراقبون إلى القول إن مشاورات تشكيل الحكومة لن تكون سهلة، وطريقها “لن يكون مفروشا بالورود” رغم تأكيد دياب موافقة جميع الأطراف على طرحه، مشيرين إلى أن التباين في المواقف لا يزال يسيطر على أبرز القوى السياسية خاصة في ما يخص شكل الحكومة وحجم المشاركة فيها.

وتزامنت الاستشارات الحكومية، مع زيارة بدأها لبيروت، أول أمس الجمعة مساعد وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل حيث عقد العديد من اللقاءات مع المسؤولين تناولت قضايا محلية وإقليمية.

وكان هيل قد دعا، عقب لقاء جمعه مع الرئيس عون، اللبنانيين إلى الدفع بعجلة الإصلاحات وتشكيل حكومة تستطيع القيام بها، مضيفا أن الشراكة بين بلاده ولبنان قائمة، لكن الالتزام بالاصلاحات الفورية من شأنه إعادة إخراج لبنان من النفق، والسير به إلى الاستقرار والأمن والازدهار.

كما تأتي الاستشارات النيابية في وقت تلقى فيه البلد صفعة إضافية من وكالات التصنيف العالمية، حيث عمدت “ستاندرد اند بورز”، بعد “موديز” و”فيتش”، إلى خفض تصنيفها الائتماني الطويل الأجل لثلاثة بنوك رئيسية بالبلد إلى (سي دي) أي “تعثر افتراضي”، مشيرة إلى أنه مرجحة أن تبقى الظروف الاقتصادية متوترة في السنوات المقبلة، وعدم حصول أي تدفقات جديدة للودائع.

ومنذ أن استقالت حكومة الحريري، في 29 أكتوبر الماضي تحت وطأة احتجاجات شعبية، يطالب المحتجون بتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على التعامل مع الوضعين السياسي والاقتصادي.

ويمر لبنان بأزمة اقتصادية خطيرة وسط ركود اقتصادي وارتفاع نسبة البطالة، انضاف إليها مؤخرا تراجع قيمة العملة المحلية في السوق السوداء وقيود فرضتها المصارف على السحب وتحويل الأموال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.