سعد أبو الدهاج: شكلت مدينة الداخلة، خلال سنة 2019، قبلة للعديد من الأنشطة والأحداث السياسية والاقتصادية ذات البعد القاري، مكرسة بذلك موقعها كجسر حقيقي بين المغرب وبقية البلدان الإفريقية، ومنطقة عبور وتواصل لصالح تعزيز التنمية الاقتصادية.
وشهدت لؤلؤة الجنوب المغربي، طيلة الأشهر المنصرمة، تنظيم العديد من التظاهرات التي تبرز بالملموس الانخراط القوي للمغرب، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لفائدة دعم وتعزيز التعاون مع البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة في شتى المجالات.
وتبرز أيقونة الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي أضحت منذ فترة وجهة سياحية واعدة ومركزا اقتصاديا صاعدا، كنموذج فريد بإمكانه المساهمة بقوة في النهوض بالعلاقات المغربية – الإفريقية ودعمها على نحو متزايد.
كما تأمل الداخلة، التي تعرف دينامية اقتصادية متسارعة تؤهلها لتكون فضاء ناقلا لقيم حضارية وثقافية ومشاريع مبتكرة بين شمال القارة وجنوبها، إلى استغلال مؤهلاتها لتشكل نموذجا لعلاقات مستقبلية أكثر متانة بين المغرب وجواره الإفريقي.
ومع توالي السنوات، أضحت الداخلة ومعها الجهة ككل في صلب الدينامية الجديدة للتعاون جنوب – جنوب التي أطلقتها المملكة، والتي تستهدف من خلالها دعم وتعزيز الدور المهم الذي تضطلع به المقاولات المغربية في قطاعات التأمين والبنوك والبناء والأشغال العمومية بالقارة.
وقد تعززت المكانة الاقتصادية للداخلة، من خلال استفادتها من “النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية للمملكة”، ما مكن من فتح آفاق تنموية واعدة بمختلف مناطق الجهة، لما يتضمنه هذا النموذج التنموي من رؤية استراتيجية وتصورات كفيلة بإحداث تحولات اقتصادية عميقة بالمنطقة.
هذه الآفاق التنموية الواعدة بإمكانها أن تشكل قاعدة رئيسية تنطلق منها الرؤية الاستراتيجية للمملكة تجاه إفريقيا، التي ترتكز على الجهود والمبادرات المتعددة التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس لفائدة تنمية القارة وتطويرها في إطار التعاون بين بلدان الجنوب.
وفي هذا الصدد، قال الوزير الأول المالي الأسبق، موسى مارا، في مداخلة خلال ندوة نظمتها المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالداخلة، إن جهة الداخلة – وادي الذهب تزخر بمؤهلات كبرى وبنيات تحتية مهمة كميناء الداخلة الأطلسي، الذي سيكون بمثابة منصة لوجستية للقارة الإفريقية بهدف تحسين تنافسية المبادلات التجارية.
وأبرز السيد مارا، خلال هذا اللقاء المنظم بمناسبة انطلاق السنة الجامعية 2019-2020، تحت شعار “رهانات التنمية الاقتصادية في إفريقيا”، الدور المنتظر لهذه البنيات التحتية بجهة الداخلة – وادي الذهب، من حيث تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المغرب وبلدان غرب إفريقيا، بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي ومؤهلاتها.
وفي هذا الصدد، سيشكل إحداث “ميناء أطلسي” من مستوى عال بضواحي مدينة الداخلة، التي تحظى بموقع استراتيجي متميز على ساحل المحيط الأطلنتي، دفعة قوية للعلاقات بين المغرب وإفريقيا على المستويين الاقتصادي والتجاري.
ويطمح المغرب، من خلال هذه المنشأة المينائية التي ستتوفر على منطقة لتعزيز الرواج والتبادل التجاري وأنشطة الصيد البحري ومناطق صناعية ولوجيستية، إلى أن يشكل القلب النابض للعلاقات والمبادلات بين المملكة والبلدان المجاورة، لاسيما في منطقة غرب إفريقيا.
كما تسعى المملكة إلى أن تشكل مدينة الداخلة مشتلا رئيسيا لتأهيل المهارات الإفريقية، من خلال التفكير في إقامة مؤسسات جامعية ومعاهد عليا بالداخلة، من أجل تكوين الطلبة الأفارقة في مجالات مختلفة كالطيران والمالية وإدارة شبكات السكك الحديدية والفلاحة والنجاعة الطاقية وغيرها.
من جهة أخرى، يأتي احتضان الداخلة، للمرة الخامسة على التوالي، لأعمال منتدى “كرانس مونتانا”، الذي نظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال الفترة ما بين 14 و17 مارس الماضي تحت شعار “بناء قارة إفريقية قوية وحديثة في خدمة الشباب”، ليؤكد تميز المدينة وريادتها كصلة وصل للتعاون بين المغرب وعمقه الإفريقي.
وهكذا، تحولت الداخلة، التي تمثل فضاء طبيعيا فريدا يمزج بين رمال الصحراء وزرقة البحر، طيلة أيام هذه التظاهرة الدولية والقارية الكبرى، إلى عاصمة للسياسة والفكر والاقتصاد والمبادرات المبتكرة بالقارة السمراء، مكرسة بذلك وجهتها الدولية وانفتاحها على جوارها الإفريقي.
إن اختيار منتدى “كرانس مونتانا” لمدينة الداخلة، وتشبثه بمواصلة احتضانها لدوراته، يعكس بجلاء مكانة المدينة وإشعاعها المتزايد، بالنظر إلى أنها أصبحت مقصدا مهما ونقطة التقاء لكل الفاعلين المعنيين بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إفريقيا.
على صعيد آخر، استضافت مدينة الداخلة، ما بين 19 و23 يونيو الجاري، أشغال الملتقى الثاني لمنتدى الجمعيات الإفريقية للذكاء الاقتصادي، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تحت شعار “الذكاء الاقتصادي وآفاق التطور الترابي بإفريقيا”، بمشاركة نحو 26 بلدا إفريقيا.
ودعا هذا اللقاء، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على واقع التجارب الوطنية الإفريقية بشأن الذكاء الاقتصادي الترابي من خلال مقاربة أكاديمية وسياسية وعلمية، إلى إحداث مركز إفريقي للدراسات والأبحاث حول الذكاء الاقتصادي واليقظة الاستراتيجية، كآلية ذات نجاعة وفعالية ترتكز على إعطاء بعد عملي وتنموي للمنتدى.
كما احتضنت الداخلة، ما بين رابع وثامن دجنبر الجاري، أعمال الملتقى الدولي السادس للجامعة المفتوحة للداخلة، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس في موضوع “إعادة التفكير في إفريقيا في القرن الواحد والعشرين”، بمشاركة نحو 39 بلدا.
ويهدف هذا اللقاء إلى بحث مختلف القضايا المرتبطة بالتنمية في إفريقيا والرهانات الناجمة عنها، من خلال مقاربة أكاديمية وسياسية وعلمية، كما يندرج في سياق نهج أطلقته الجامعة المفتوحة للداخلة منذ تأسيسها في 2010 لبحث القضايا الراهنة في إفريقيا والعالم وتبادل وجهات النظر بين نحو 50 أكاديميا وخبيرا من مختلف أرجاء العالم.
يشار إلى أن إفريقيا، التي تبرز كقارة ذات مؤهلات تنموية مهمة جدا (ثروات معدنية، موارد بشرية، وفرة الأراضي)، تعد مجالا مستقبليا يتطلب تضافر جهود جميع مكوناته بهدف تجاوز فكرة الحدود البرية، وبالتالي الدفع بالتعاون الإقليمي والتنمية الاقتصادية المحلية.