شريط “من أجل القضية” لحسن بن جلون: مقاربة سينمائية جريئة تنتصر لقيم التضامن والتسامح والتعايش

0

في فيلمه الجديد “من أجل القضية” يتمرد المخرج المغربي حسن بن جلون على نسقه السينمائي الذي اعتاد من خلاله الغوص في قضايا متعددة لا يبتعد سياقها عن هموم المجتمع المغربي ليقارب هذه المرة، ومن زاوية إنسانية تنتصر لقيم التضامن والتسامح والتعايش والحب، تجليات القضية الفلسطينية، التي تحظى بارتباط وثيق بالوجدان العربي.

ويرصد الشريط الذي تم عرضه مساء أمس ب (دار الأوبرا) بالقاهرة، ضمن فعاليات الدورة الـ 41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، من خلال قالب فني درامي ممزوج بسخرية لافتة، معاناة المواطن الفلسطيني ليس فقط من الممارسات القمعية اليومية لجنود الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي الفلسطينية ولكن أيضا خارج حدود فلسطين.

ويحكي الفيلم الذي يشارك في مسابقة “أفاق السينما العربية” قصة موسيقي فلسطيني ومغنية فرنسية ذات أصول يهودية، في رحلة فنية، مستوحاة من واقعة حقيقية لحسن بن جلون عاشها إبان سبعينيات القرن الماضي بالنمسا، وهو يحاول عبور الحدود إلى دولة تشيكوسلوفاكيا في ذلك الوقت.

ويتناول الشريط رحلة الشاب الفلسطيني “كريم ناصر” المقيم في إسبانيا، والمغنية الفرنسية “سيرين” الذين قدما إلى المغرب من برشلونة أملا في العبور إلى الجزائر عبر الحدود بين البلدين من أجل إحياء حفل موسيقي بوهران وبعدها يسافران إلى تونس لنفس الغرض.

لكن وبسبب الإجراءات القانونية في الحدود سيعيش الشابان وطيلة ليلة كاملة، لحظات عصيبة لكن لا تخلو من مشاهد بطعم إنساني وتضامني لافت.

وسيجد “كريم” (رمزي مقدسي) و “سيرين” (جولي دراي) نفسيهما خلال رحلتهما ممنوعين من العبور إلى الوجهة الأخرى (الجزائر) من طرف حرس الحدود الجزائري ليظلا حبيسا جسر يربط البلدين وهو الجسر الذي كان مسرحا لأحداث الفيلم في قالب مشوق حافل بكوميديا “ساخرة”.

ويحفل هذا الفيلم (93 دقيقة) بعدة مشاهد تبرز الجانب الانساني والتضامني لدى المغاربة من أجل القضية الفلسطينية، كما يروي الشريط أحداثا عن طريق “الفلاش باك” حينما يسترجع “كريم” سواء في طريقه إلى المعبر أو على الجسر الحدودي، لحظات الطفولة وما عاشه خلالها من معاناة وقمع من طرف جنود الاحتلال برام الله .

وعرف عرض الشريط الذي تتبعه جمهور غفير وتفاعل معه بقوة، حضور صحافيين وفنانين ونقاد ومهتمين بالشأن السينمائي العربي.

وقال حسن بن جلون في ندوة صحفية، عقب عرض الشريط، بخصوص الدوافع التي جعلته يختار فلسطين كتيمة لفيلمه، إن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى والتي ستظل حاضرة في القلب والوجدان العربي، مضيفا أن اختياره لهذه التيمة جاء انطلاقا من كون القضية الفلسطينية تعيش في الفترة الراهنة تحولات جوهرية بسبب صمت المجتمع الدولي عن الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني.

وأشار إلى أن الفيلم هو “حنين الى القضية الفلسطينية والتفاتة فنية تسائل الضمير العربي”، مبرزا أن الشريط يسلط الضوء على الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه الفن في كسر وفتح كل الحدود المغلقة من أجل الإنسانية وتعزيز قيم التعايش والتسامح والتضامن.

وأكد المخرج أن حبكة الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية عاشها عام 1972 بالنمسا عندما كان يعتزم، رفقة صديقة له، عبور الحدود إلى تشيكوسلوفاكيا أنذاك، حيث عاش نفس اللحظات العصيبة التي مر منها “كريم” الفلسطيني و”سيرين” الفرنسية في أحداث الشريط.

كما أعرب بن جلون عن سعادته لتفاعل الجمهور المصري والعربي مع شريطه الجديد.

من جهتها ، أشادت الناقدة المصرية علا الشافعي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بالمستوى الفني الجيد للفيلم ، مضيفة أن هذا الشريط عمل فني متقن يتميز بالبساطة في الرؤية، ويخلو من أي تعقيدات فنية سواء من حيث التصوير الجيد أو الحوار السهل.

وأشارت إلى أن الشريط يحمل رسالة مفادها أن الانسانية والتعايش والتسامح والحب وقبول الآخر هي أهم من الحدود المغلقة بين الدول ، والدليل على ذلك هو نهاية الفيلم التي انتصرت للحب وكسرت الحدود حينما تمكن “كريم” و”سيرين” من العبور إلى الجانب الآخر.

وشخص أدوار الفيلم كل من الفلسطيني رمزي مقدسي والفرنسية جولي دراي، ومن المغرب، عبد الرحيم المنياري وحسن بيديدة، وعبد الغني الصناك، ومحمد حراكة، وعائشة ماهماه، وفرح العوان والممثلة الشابة سانديا تاج الدين.

وتم تصوير مشاهد الفيلم في عدة فضاءات تتوزع بين ضواحي الجديدة ومدن سطات والدار البيضاء وفاس وبرشلونة.

وإلى جانب “من أجل القضية”، يحضر المغرب في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بشريط “نساء الجناح ج” لمحمد نظيف، وهما شريطان يشاركان ضمن مسابقة “أفاق السينما العربية”.

وتتنافس إلى جانب الفيلمين المغربيين، على الخصوص أشرطة “بيك نعيش” للمخرج التونسي مهدي برصاوي و”بغداد في خيالي” للمخرج العراقي سمير جمال الدين، و”بيروت المحطة الأخيرة” للمخرج اللبناني إيلي كمال، و”نجمة الصبح” للمخرج السوري جود سعيد، و”شارع حيفا” للمخرج العراقي مهند حيال و”أوفسايد الخرطوم” للمخرجة السودانية مروة زين، و”ع البار” للمخرج التونسي سامي التليلي، و”باركور” للمخرجة الجزائرية فاطمة الزهراء زموم . وتضم لجنة تحكيم هذه المسابقة، الناقد الكندي بيرس هاندلنج (رئيسا)، والمنتجة المغربية لمياء الشرايبي، والممثلة المصرية هنا شيحة، والفنان التونسي أمين بوحافة، والمنتج البلغاري ستيفن كيتانوف.

وحسن بنجلون، مخرج وكاتب سيناريو ، من مواليد مدينة سطات عام 1950، من أبرز أفلامه “أصدقاء الأمس” (1996) “شفاه الصمت” (2001)، و”الغرفة السوداء (2004)، و”فاين ماشي يا موشي؟” (2007) ، و”المنسيون” (2010)، و”القمر الأحمر” (2013)، و”اختيار أسماء” (2016).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.