هناء ضاكة: بعد مرحلتين ناجحتين في مجال التنمية البشرية بمفهومها الشامل، مشهود لهما بالريادة على المستويين الإقليمي والدولي، توجه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مرحلتها الثالثة لبرامج النهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة.
ويعتبر برنامج الدعم الموجه للتنمية البشرية للأجيال الصاعدة لبنة جديدة في بناء صرح المنظومة المندمجة للتنمية وإعطاء دفعة قوية لها من أجل محاربة الحتمية الاجتماعية وبعث الأمل، عبر الاستثمار في الرأسمال البشري منذ المراحل المبكرة للفرد.
وحسب معطيات للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، توصلت بها وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة اليوم العالمي للطفولة، فإن هذا الاستثمار سيتم عبر برنامجين فرعيين متكاملين، يعنى الأول بتنمية الطفولة المبكرة، باعتبارها مرحلة حاسمة بالنسبة للفرد من أجل تجاوز معيقات التنمية، بحيث سيتم بتنسيق وبتكامل مع برامج القطاعات الوزارية المختصة، استهداف النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الأقل من 6 سنوات المنحدرين من الأوساط الفقيرة والمعوزة عبر المساهمة في تقوية نظام صحة الأم والطفل والرفع من جودة تغذية الطفل ودعم تعميم التعليم الأولي لمكافحة الإخفاق المدرسي.
أما البرنامج الفرعي الثاني والمتعلق بمواكبة الطفل والمراهق، فيهدف إلى التخفيف من التفاوتات المسجلة في مجال التعليم، من خلال تمكين الأطفال والمراهقين ما بين 6 و18 سنة المنحدرين من الأوساط الفقيرة، من الدعم الضروري لتحقيق التفوق المدرسي والمساهمة في انفتاحهم عبر الولوج إلى الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية.
وتفعيلا لهذه الرؤية، عملت وزارة الداخلية على ثلاثة مستويات، تهم أولا الشق المتعلق بصحة وتغذية الأم والطفل، حيث تم إبرام اتفاقية ثلاثية الأطراف تجمع بين وزارتي الداخلية والصحة ومنظمة اليونيسف من أجل وضع منظومة للصحة الجماعاتية بالعالم القروي للتمكن من تقليص الوفيات لدى الأمهات وحديثي الولادة والرضع والأطفال، ومحاربة التأخر في النمو، والنقص في التغذية.
وأوضح المصدر ذاته أنه تم إعطاء الأولوية لجهات بني ملال-خنيفرة، ومراكش-آسفي ودرعة-تافيلالت، لكونها تسجل مؤشرات متدنية في هذا المجال، حيث تمت خلال هذه السنة تعبئة غلاف مالي يقارب 100 مليون درهم لاقتناء معدات طبية لفائدة 596 مؤسسة صحية موزعة على 14 إقليما بالجهات الثلاث سالفة الذكر، مبرزا أنه تم تعزيز هذا العرض ببرمجة 44 دارا للأمومة واقتناء 107 سيارات للإسعاف إلى حدود اليوم.
وفي الشق المرتبط بالتعليم الأولي في بعده الخاص بتنمية الإدراك المعرفي والاجتماعي للطفل، وتمكينه من الكفايات اللازمة لضمان النجاح والتفوق المدرسي، تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على تعميم الولوج إلى التعليم الأولي بالوسط القروي عبر توفير عرض مهم من خلال بناء 10 آلاف وحدة للتعليم الأولي المجاني وتأهيل 5 آلاف وحدة قائمة في الفترة الممتدة ما بين 2019-2023، وذلك تفعيلا لمضامين الاتفاقية الإطار الموقعة بين وزارتي الداخلية والتعليم بمناسبة إعطاء انطلاقة المرحلة الثالثة للمبادرة.
كما يتم العمل على ضمان جودة العرض التعليمي من خلال تعزيز مجالات الشراكة مع فاعلين استراتيجيين متخصصين، وتبني محتوى تربوي معتمد وتخصيص برامج لتكوين المربيين، وبناء وتهيئة وتجهيز هذه الوحدات وفق معايير تقنية وفنية موحدة مع تحمل تكاليف تسييرها لمدة سنتين في أفق إحداث نموذج مستدام للتدبير بتعاون مع قطاع التربية الوطنية والجماعات الترابية والمجتمع المدني.
وفي هذا الإطار، تضيف المعطيات ذاتها، تم إلى حدود اليوم، إحداث 1020 حجرة للتعليم الأولي من أصل 1200 مبرمجة برسم سنة 2019 ، مما مكن من استقبال قرابة 22 ألف و500 طفل يؤطرهم 1253 مشرفا تربويا.
وفي ما يتعلق بمحاربة الهدر المدرسي وتعزيز انفتاح الأطفال والشباب، تم في تجربة نموذجية أولى برسم سنة 2019، استهداف 2300 تلميذ وتلميذة للاستفادة من الدعم المدرسي بجهة سوس- ماسة (عمالتا أكادير ادا اوتنان وإنزكان ايت ملول) بشراكة مع جمعية رائدة في الميدان، في أفق تعميمها على الصعيد الوطني.
كما تم في نفس السياق، دعم النقل المدرسي بالمناطق النائية، باقتناء 401 حافلة برسم سنة 2019 لفائدة أكثر من 21700 تلميذ وتلميذة مع تحسين وتقوية العرض المتعلق بالإقامة (دار الطالب والطالبة)، حيث تمت برمجة بناء وتأهيل 126 دارا للطالب والطالبة.
وعلى مستوى سياسة التحسيس والتواصل، اتخذت وزارة الداخلية جملة من الإجراءات منها تنظيم حملات تحسيسية وتوعوية على الصعيدين الوطني والمحلي خلال الفترة الممتدة من 21 أكتوبر إلى 04 نونبر 2019 بشأن أهمية مرحلة الطفولة المبكرة والإجراءات التي يتعين مباشرتها في مجالات الصحة والتغذية والتعليم من طرف المعنيين بالأمر ابتداء من الأسرة.
ومن أبرز هذه الإجراءات أيضا، تنظيم الدورة الأولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تحت شعار “الطفولة المبكرة.. التزام من أجل المستقبل”، والتي تميزت بتوجيه رسالة ملكية سامية للمشاركين، شكلت بحق خارطة طريق للنهوض بالتنمية البشرية في شقها اللامادي.
وأمام التحديات المطروحة بخصوص هذا التصور الجديد للمبادرة الوطنية المعتمد أساسا على الاستثمار في الجوانب اللامادية للتنمية البشرية كالتعليم الأولي، وصحة الأم والطفل، تعمل التنسيقية الوطنية للمبادرة على تأهيل منظومتها المعلوماتية التي يتوخى منها، إلى جانب تتبع الإنجازات، تقييم الوقع على المستفيدين.
ومن أجل تنزيل هذه المنظومة، تبنت المبادرة الوطنية مقاربة علمية تستند على معايير دولية معتمدة من طرف البنك الدولي في هذا الميدان، حيث سيتم بشراكة مع الفاعلين الوطنيين والدوليين، وضع مجموعة من المؤشرات للوقع والتتبع قابلة للقياس وفق آليات وأدوات محددة تستقي المعطيات اللازمة لمقاربة مسألة الجودة، وترشيد النفقات، وإنجاز التقييم الكمي والكيفي، وكذا قياس الوقع والأثر المنشودين.
كما يقوم التصور الجديد للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة، في جوهره الأساسي، على إعطاء الأولوية من جهة للمناطق الفقيرة والفئات الهشة والمحددة حسب مؤشرات خريطة الفقر متعدد الأبعاد، مع تركيز العمل من جهة ثانية على الجوانب اللامادية للتنمية البشرية طيلة مراحل حياة الفرد، انطلاقا من الاهتمام بتنمية الطفولة المبكرة إلى مواكبة الطفل والمراهق على مستويات الدعم المدرسي والإدماج المستقبلي في سوق الشغل، مع العمل على مواصلة جهود محاربة الفقر والإقصاء وترسيخ قيم الكرامة والمساواة والتضامن.
ويبدو جليا دور الرافعة الذي تضطلع به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة بالنسبة لمختلف برامج القطاعات الوزارية المعنية باعتماد أربعة برامج شعارها تحقيق قيم العدالة الاجتماعية والكرامة وبعث الأمل، وتتمثل في برنامج تدارك الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والخدمات الأساسية بالمجالات الترابية الأقل تجهيزا، وبرنامج مواكبة الأشخاص في وضعية هشاشة، واللذين يعتبران امتدادا للمرحلتين الأولى والثانية، وبرنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب الذي يهدف إلى تأهيل الشباب لولوج سوق الشغل ومواكبة حاملي المشاريع منهم، بالإضافة إلى دعم الاقتصاد التضامني والاجتماعي.