إضراب وطني في كولومبيا: الحكومة أمام اختبار الشارع

0

محمد بنمسعود:  في سياق إقليمي يتسم بمستوى عال من التوتر وعدم اليقين والذي تتميز به المظاهرات العنيفة في الشيلي وبوليفيا، ستواجه كولومبيا إضرابا وطنيا الخميس، يُنظر إليه على أنه اختبار حقيقي لحكومة الرئيس اليميني إيفان دوكي، الذي يتولى قيادة البلاد منذ غشت 2018.

ويأتي الإضراب، الذي دعت إليه النقابات العمالية الرئيسة في البلاد أبرزها المركزية الوحدوية للعمال وكونفدرالية عمال كولومبيا بالإضافة إلى منظمات السكان الأصليين وحركات معارضة، للاحتجاج على السياسات الاجتماعية والاقتصادية للحكومة، بما في ذلك الإصلاح المحتمل لأنظمة التقاعد وسوق الشغل.

ودعا منظمو الإضراب، الأول من نوعه منذ 17 مارس 2016، الكولومبيين إلى النزول بقوة إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم للسياسات “الليبرالية الجديدة” لرئيس الدولة والتظاهر لصالح “الحياة والسلم”، وذلك في مواجهة تصاعد وتيرة العنف منذ التوقيع في نونبر 2016 على اتفاق السلام مع الحركة المسلحة السابقة “فارك”.

وحذر رئيس المركزية الوحدوية للعمال، ديوجينيس أورخويلا، في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا ببوغوتا، من أن الإصلاح المحتمل لنظام المعاشات التقاعدية سيكون له آثار سلبية على الأمن الوظيفي، ويهدف إلى حرمان العمال من حقهم في معاشات التقاعد.

كما وصف الزعيم النقابي سياسة حكومة الرئيس اليميني إيفان دوكي بأنها “تراجعية على جميع المستويات”، منتقدا الإصلاح الضريبي الذي يناقشه الكونغرس.

من جانبه أشار السناتور ويلسون آرياس، عن القطب الديمقراطي البديل (يسار)، إلى أن هذا الإضراب يشكل فرصة “للاحتجاج على المجموعة الكبيرة من تدابير الرئيس إيفان دوكي لإدخال إصلاحات تتعارض مع مصالح الطبقات الأقل دخلا”.

وفي هذا السياق، قال: إن “مليونين و400 ألف كولومبي يعيشون في وضعية مجاعة”، مضيفا أن “600 ألف شخص فقدوا وظائفهم في 2018”.

ووفق بيانات لهيئة الإحصاء بالبلد الجنوب أمريكي فقد بلغ عدد الأشخاص الذي يعيشون في وضعية فقر 13 مليون (27 بالمائة) من مجموع عدد سكان البلاد البالغ عددهم 2ر48 مليون نسمة.

وأما بالنسبة للفجوة على مستوى الدخل فقد استمرت في التوسع لتصل إلى 517ر0 في السنة الماضية مقابل 508ر0 في 2017.

وعلى مستوى البطالة، بلغ عدد العاطلين عن العمل في شتنبر الماضي 2ر10 بالمائة مقابل 5ر9 بالمائة خلال الشهر نفسه من 2018، بحسب أرقام لهيئة الإحصاء.

ويأتي الإضراب في وقت ارتفع فيه معدل رفض إدارة الرئيس دوكي إلى 69 بالمائة، وهو رقم قياسي لم يصل إليه الرؤساء الأربعة المتعاقبون على رأس الدولة منذ 1994، وفق استطلاع أجراه معهد “إنفامير” ونشرت نتائجه في 7 نونبر الجاري.

كما يشهد البلد الجنوب أمريكي أيضا تصاعدا غير مسبوق في أعمال العنف التي أودت بحياة عشرات الأشخاص، معظمهم من السكان الأصليين بجهة كاوكا (جنوب شرق).

ويأتي الإضراب أيضا في أسوأ لحظة بالنسبة للرئيس إيفان دوكي، الذي يخشى انتقال عدوى الاضطرابات التي تعيشها بعض بلدان المنطقة مثل الشيلي وبوليفيا كما أشارت إلى ذلك الصحافة والعديد من المراقبين المحليين.

وندد دوكي (43 عاما)، الذي تضررت صورته بشدة بسبب اندلاع أعمال العنف التي تستهدف السكان الأصليين والزعماء الاجتماعيين، “بحملة تضليل” تهدف إلى إثارة غضب الكولومبيين، محذرا في الوقت نفسه من ارتكاب أعمال العنف خلال الإضراب.

وفي هذا الصدد، قال: “نحن دولة تعترف بالحق الدستوري في الاحتجاج السلمي، لكن نحن أيضا دولة قانون التي يجب أن تكون صارمة مع أولئك الذين يسعون إلى اللجوء إلى العنف أو تجاوز القانون”.

وتشكك الدوائر المقربة من الحكومة في الحجج التي قدمتها النقابات والحركات الاجتماعية لتبرير دعوتها للإضراب، حيث أن الرئيس الكولومبي نفى في أكثر من مناسبة المعلومات المتداولة بشأن إصلاح معاشات التقاعد أو الأجور في المستقبل، وينظر إلى ذلك كمناورة مدبرة من الخارج.

وبرأي الرئيس الأسبق المحافظ والسناتور الحالي، ألفارو أوريبي، الذي يعتبر مرشد الرئيس دوكي، ف”الإضراب جزء من استراتيجية منتدى ساو باولو التي تحاول زعزعة استقرار ديمقراطيات أمريكا اللاتينية، بدعم من مجموعات معارضة تهدف إلى عرقلة حكومة الرئيس إيفان دوكي”.

وأدى الإعلان عن الإضراب الوطني، الذي يدعمه أيضا مؤتمر الأساقفة بكولومبيا والحركات المدافعة عن البيئة، إلى خلق مناخ من الذعر لدى الرأي العام، خاصة مع نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أفرادا مقنعين على غرار “لوس إنكابوتشادوس” (الملثمين) بالشيلي يدعون إلى العنف بمناسبة الإضراب.

وأعلنت الحكومة الكولومبية سلسلة من الإجراءات بما في ذلك إغلاق الحدود لضمان الحفاظ على النظام العام خلال يوم الإضراب.

إلا أن وزيرة الداخلية نانسي باتريسيا غوتيريث، التي كشفت النقاب عن هذه الإجراءات في مؤتمر صحفي، لم تحدد مدة إغلاق الحدود البرية مع الدول المجاورة (فنزويلا والإكوادور والبيرو والبرازيل وبنما).

وقالت الوزيرة، التي أكدت على احترام حرية التظاهر، إن الحكومة “تظل يقظة” بشأن الوضع بعد دعوات بارتكاب أعمال عنف خلال الإضراب الوطني، مشيرة إلى تهديدات من قبل نظام نيكولاس مادورو الفنزويلي.

وأفادت السلطات الكولومبية في نهاية الأسبوع الماضي بطرد ستة مواطنين فنزويليين متهمين بالتخطيط لأعمال من شأنها تقويض النظام العام، ولم تقدم الحكومة تفاصيل عن طبيعة هذه الأعمال.

وفي سياق التدابير الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة، سيتم منح صلاحيات استثنائية لعمداء المدن وحكام الجهات تتعلق بالحفاظ على النظام العام، حيث سيتم التصريح لهم، بموجب مرسوم سيتم تبنيه قريبا، بتقييد حمل الأسلحة وإعلان حظر التجول في مناطقهم إذا رأوا ذلك ضروريا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.