عمر عاشي: على بعد سنة من الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة، بلغ الاستقطاب الحزبي ذروته واستعر الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين، مع انطلاق أولى جلسات الاستماع العلنية المتلفزة في إطار التحقيق الرامي إلى عزل الرئيس دونالد ترامب، وسط متابعة مباشرة من الرأي العام الأمريكي.
وانطلقت شرارة هذا المسلسل السياسي ـ القضائي الجديد إثر شكوى من أحد المبلغين تفيد بأن ترامب ضغط على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للتحقيق بشأن أحد منافسيه، نائب الرئيس السابق جو بايدن، في وقت تم فيه تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا. ويرفض قاطن البيت الأبيض بشكل قاطع هذه القراءة للوقائع ويدين تعرضه لـ”أعظم مطاردة ساحرات في التاريخ الأمريكي”.
واستدعى الديمقراطيون، الذين يتوفرون على الأغلبية بمجلس النواب، العديد من الشهود أمام لجنة الاستخبارات، بينهم دبلوماسيون كبار على اطلاع تام بتفاصيل الملف الأوكراني.
وبعد الاستماع إلى هؤلاء الشهود على انفراد في إطار مسطرة العزل التي انطلقت أواخر شتنبر الفائت، تسنى لملايين الأمريكيين الاستماع لشهاداتهم في بث مباشر. وتوفر هذه التغطية الإعلامية فرصة للديمقراطيين، من جهة، لكشف حججهم مباشرة ضد ترامب، المتهم بسوء استخدام سلطه لأهداف شخصية، ومن جهة أخرى، للرئيس ولمعسكره الجمهوري، للطعن في شرعية مسطرة العزل ككل.
وبعد إدلاء وليام ب. تايلور جونيور، كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في أوكرانيا، وجورج كنت، نائب وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية ـ الآسيوية، بشهادتهما في اليوم الأول من جلسات الاستماع العلنية، جاء الدور على السفيرة السابقة للولايات المتحدة في كييف، ماري يوفانوفيتش، التي تمت إقالتها من قبل ترامب في ماي الماضي، لتدلي بشهادتها في اليوم الثاني من هذه الجلسات.
وقد قام الأعضاء الجمهوريون في لجنة الاستخبارات بكل ما في وسعهم للتأثير على الشهود والتشكيك في معطياتهم بشأن الأحداث وإعطاء الرأي العام رواية مختلفة للوقائع.
وفي البداية، سرعان ما وصف الرئيس ترامب جلسات الاستماع بأنها “خدعة”، مشيرا إلى أنه ” منشغل جدا ولا وقت لديه لمتابعة جلسات الكونغرس” على الرغم من أنه أعاد تغريد أزيد من عشرة مقاطع فيديو ومقالات وتعليقات تعزز دفاعه عن موقفه.
وأمام الاتهامات التي وجهتها له سفيرته السابقة في كييف، تفادى قاطن البيت الأبيض الرد في تصريحات على المباشر، وأطلق سلسلة من الهجمات عبر تويتر.
وكتب ترامب على حسابه بشبكة التواصل الاجتماعي: “أينما حلت ماري يوفانوفيتش حل الخراب. لقد بدأت في الصومال، وتعرفون كيف انتهت الأمور هناك”.
من جانبها، قللت وسائل الإعلام المحافظة، من “فوكس نيوز” إلى “بريتبارت”، من شأن تأثير هذه الجلسات “المملة”، على أمل ألا تؤلب الرأي العام، وخاصة قاعدة ترامب الحزبية.
وتحت عنوان “سينقلب الأمر ضدهم: التحقيق الرامي إلى العزل يعزز قوة ترامب في الولايات الرئيسية”، كتبت صحيفة “واشنطن تايمز” أن العديد من الناخبين الذين لم يحسموا موقفهم بعد في الولايات والضواحي الرئيسية، وعلى الرغم من عدم إعجابهم بشخصية الرئيس وبتغريداته التخويفية وإهاناته، يرون أن جهود الديمقراطيين لعزل الرئيس مجرد “مضيعة للوقت”.
ويأمل فريق ترامب في أن تساعد نتائج هذا الإجراء على كسب الرئيس لناخبي الضواحي الذين خسر أصواتهم في رئاسيات سنة 2016.
وبالنظر إلى توفر الجمهوريين على الأغلبية بمجلس الشيوخ، فمن غير المرجح أن تتم إقالة دونالد ترامب، لأن الغرفة العليا ستكون لها الكلمة الفصل بشأن مصيره.
لكن الديمقراطيين يراهنون على نهاية مختلفة، حيث يعملون من أجل عزل ترامب على مستوى مجلس النواب، الأمر الذي سيضعف حظوظ الرئيس في سعيه للظفر بولاية ثانية في نونبر المقبل.
وقد نوهت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بوطنية الدبلوماسيين الذين يدلون بشهاداتهم رغم جهود البيت الأبيض للنأي بمسؤولي الإدارة عن المشاركة في التحقيق.
وقالت بيلوسي إن “الوطنية تعني أن البلاد تأتي قبل السياسة والطموحات الشخصية، وبأنه يتعين التحدث عندما لا تسير الأمور على ما يرام”.
وأوردت صحيفة الكونغرس، “ذ هيل”، أن ماري يوفانوفيتش حكت لمحققي مجلس النواب عن “سابقة خطيرة” نجح فيها المحامي الشخصي للرئيس، رودي جولياني، ومسؤولون أوكرانيون وشخصيات إعلامية، في طرد سفيرة أمريكية كانت تعتبر بمثابة “عقبة أمام أعمالهم ومصالحهم السياسية”.
وقد كشف الديمقراطيون عن الجدول الزمني لثماني شهادات مبرمجة سيتم الإدلاء بها في غضون الأسبوع الجاري أمام عدسات الكاميرا بالكونغرس.
ومن بين المسؤولين الآخرين الذين تم استدعاؤهم أمام لجنة الاستخبارات، جنيفر ويليامز، مستشارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، وألكساندر فيندمان، عضو مجلس الأمن القومي، وكورت فولكر، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى أوكرانيا الذي استقال من منصبه أواخر شتنبر الماضي، وكذا غوردون سوندلاند، سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي، ودافيد هيل، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية.
ويصعب، حسب المراقبين، التكهن بطبيعة نهاية هذا المسلسل الجديد، الذي ينتظر أن يكون طويلا وحافلا بالتطورات والمفاجئات.