انطلقت مساء الأربعاء بمداغ، بإقليم بركان، فعاليات الدورة الرابعة عشرة للملتقى العالمي للتصوف المنظمة تحت شعار “التصوف والتنمية : دور البعد الروحي والأخلاقي في صناعة الرجال”.
ويشارك في هذه الدورة، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام المعاصر إلى غاية 10 نونبر، حوالي 120 من العلماء والأساتذة الباحثين والمفكرين المغاربة والأجانب.
واختارت اللجنة المنظمة أن تناقش في الدورة الحالية دور التصوف في تنمية المجتمعات، مع التركيز بشكل خاص على الأهمية التي تكتسيها التنمية الروحية للأفراد، وذلك من خلال مداخلات سيقدمها باحثون مغاربة وأجانب في الأنتروبولوجيا والفلسفة والتصوف والشريعة والسوسيولوجيا والاتصال والقانون والاقتصاد والعلاقات الدولية، وغيرها من مجالات البحوث التي تهتم بالإنسان.
وتعرف هذه الدورة مشاركة علماء وباحثين من بلدان مختلفة من بينها مصر والجزائر وموريتانيا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة وإندونيسيا والهند والنيجر وجنوب أفريقيا والسنيغال ومالي وتركيا والصومال والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمكسيك لتسليط الضوء على أبعاد وتجليات التربية الصوفية ودورها في صناعة الرجال.
في كلمة خلال حفل الافتتاح، اعتبر مدير الملتقى العالمي للصوفية، منير قادري بودشيش، أن هذا الملتقى هو مناسبة علمية وأكاديمية، كما أضحى “معلمة حضارية عالمية ومحطة أكاديمية مرموقة تستقطب الفعاليات الكبرى والأطر العلمية والأكاديمية الوازنة من مختلف القارات والتخصصات المعرفية لتعميق البحث والنظر في الشأن الروحي والأخلاقي خاصة، وفي الشأن الانساني بصفة عامة”.
وأوضح أن اختيار شعار هذه الدورة يأتي في سياق “معالجة القضايا الشائكة في سياق العولمة المادية الجامعة، والتي تكاد تعصف رياحها العاتية بالإرث القيمي الروحي والأخلاقي والحضاري المشترك”، لافتا إلى أن الملتقى سيبحث “الارتباط العضوي بين التنمية والتصوف، وإبراز الإمكانات التي يزخر بها هذا الأخير التي يمكن أن تساهم في أنسنة التنمية وتخليقها واتزانها”.
ولاحظ أنه بالرغم من “النتائج الإيجابية الكثيرة للظاهرة التنموية الحديثة، فقد أفرزت نموذجا تنمويا غير متكافئ وتقدما لا متوازنا”، محذرا من انعدام التوازن قد يؤدي إلى أزمات اجتماعية ويذكي الانقسامات والنزاعات.
ونوه بأن التنمية كي تكون مستدامة وخلاقة، ينبغي أن تنطلق من الانسان وتراعي إشباع جميع حاجاته بتوازن وتوفيق بين ما هو مادي ومعنوي، أي بين الجسدي والروحي، مشددا على أنه “بهذه الموازنة التوفيقية يمكن أن نؤسس لنموذج تنموي متوازن ومنتج”.
في هذا الصدد، ذكر منير قادري بودشيش بأن التصوف هو من أكثر المكونات الدينية ارتباطا بالجانب الانمائي والبنائي والتأهيلي للفرد، وإعداده وجعله فاعلا تنمويا إيجابيا صالحا ومصلحا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه وعصره، وتحقيق أمنه الروحي، مبرزا أن القيم الانسانية تعتبر لبنة أساسية لبناء المجتمعات التي تقوم على العيش المشترك والسلام والتعاون.
وخلص إلى أن التربية على التصوف تفتح أفقا واعدا للتنمية، وتقدم قيمة مضافة في بناء وتشييد الحضارة الإنسانية المشتركة على أساس من التعاون والتكامل المثمر.
وأبرزت المداخلات، التي تمثل الوفود المشاركة، أهمية الملتقيات العالمية للتصوف والتي صارت على مر السنوات موعدا للباحثين والخبراء لبحث القضايا الراهنة.
ويروم الملتقى مناقشة “التحدي الحقيقي الذي يواجه التنمية اليوم أي العنصر البشري الذي بصلاحه تصلح الأمم وتتألق على جميع المستويات : دينيا، وروحيا، وثقافيا، واجتماعيا”، مبرزين أن “النموذج النبوي خير شاهد على إبراز أهمية العنصر البشري وجعله النواة الأساسية للإصلاح والنهوض بالأمة”.
ويضم برنامج الملتقى إطلاق القرية التضامنية في دورتها السابعة، وكذلك الجامعة المواطنة في دورتها الثالثة، بالإضافة إلى أنشطة أخرى موازية كالمنتدى الإسلامي للبيئة، ومنتدى التكنولوجيا والأخلاق والورشات الصحية الوقائية والإسعافية.
فالقرية التضامنية ستركز في هاته الدورة على موضوع الكفاءات والخبرات ودورها في رفع مستوى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب، حيث إن المشاريع الاقتصادية التنموية تحتاج إلى وجود كفاءات، وذلك رغم وجود رؤية استراتيجية واضحة المعالم ووجود وسائل لتفعيلها، أما الجامعة المواطنة فستواصل عملها في التكوين المستمر ونشر المعرفة وذلك من خلال برنامج موجه للحضور.
أما المنتدى الإسلامي فسيعالج موضوع الأزمة المناخية الحالية، ودور السلوكيات الإيجابية في التصدي لها، بينما سيعرض منتدى التكنولوجيا والأخلاق موضوع القيم الإسلامية ودورها في تحقيق التوازن بينهما.
وستشهد هذه الدورة تنظيم مجموعة من الورشات الصحية بهدف توعية المجتمع بمخاطر الأمراض، تحت إشراف عدد من الأطر الطبية المتخصصة، ستشمل في نسختها الأولى أمراض القلب والأوعية الدموية وكيفية الوقاية منها، وتدريب المهتمين بتقنيات الإسعافات الأولية.
وستختتم هذه الفعاليات بتنظيم الليلة الاحتفالية الكبرى بمولد سيد الأنام عليه أزكى الصلاة والسلام، والتي يقصدها عشرات الآلاف من مريدي الطريقة القادرية البودشيشية من العالم أسره، وثلة من العلماء والمثقفين من داخل المملكة وخارجها.
الحدث/ و م ع