أطربت ثلة من الفنانين الشباب الموهوبين الذين أطلق عليهم، بهذه المناسبة، لقب “ورثة الأندلس” الجمهور، مساء أمس الخميس بالصويرة، في افتتاح فعاليات الدورة السادسة عشر لمهرجان “الأندلسيات الأطلسية”.
وحضر هؤلاء الفنانون، المسلمون واليهود، في جو من الحميمية والانسجام، جنبا إلى جنب، على منصة موقع المنزه الأسطوري، خلال حفل موسيقي غير مسبوق، من أجل الغناء وعزف الموسيقى تحت تصفيقات جمهور قادم من سائر أنحاء العالم، لتذوق سحر مدينة ليزاليزي وللوقوف على روح لا مثيل لها من الحميمية والانفتاح والتقاسم والعيش المشترك، التي تشكل بصمة هذه المدينة: الصويرة “العالمية”، الصويرة “الإنسانية”.
وفي كلمة بهذه المناسبة، أكدت السيدة كوثر شاكر بن عمارة، باسم جمعية الصويرة – موكادور، أن مدينة ليزاليزي تتشرف بالانضمام إلى شبكة المدن المبدعة، التابعة لمنظمة اليونسكو، مشيرة إلى أنه تم انتخاب هذه المدينة العزيزة بفضل “حماسها الموسيقي”.
وأضافت السيدة بن عمارة “مدينتنا تعيش وتتنفس، من خلال مهرجاناتها المختلفة، على إيقاعات موسيقى كناوة وموسيقى ليزاليزي الكلاسيكية وموسيقى الجاز تحت الأركان والفادو والملحون والموسيقى الأندلسية والأغاني اليهودية العربية”، مشيرة إلى أنه “من خلال مهرجان الأندلسيات الأطلسية، تستضيف مدينتنا منذ 15 عاما، الآلاف من عشاق الموسيقى الذين يذرفون دموع الفرح خلال هذا اللقاء الذي يتجدد ويستعيد كل ذكرياته”.
وقالت “إن مهرجان الأندلسيات الأطلسية يعد، إضافة إلي جانبه الاحتفالي، تصورا والتزاما وموقف انفتاح على الآخر وتقديرا للتنوع والهويات المتعددة والتمازج”، مشيرة إلى أن روح هذا الموعد الخريفي مستوحاة من الأندلس، ومن مكان وحقبة ميزت تاريخ الإنسانية، وعصرا ذهبيا للتعايش بين الديانات السماوية الثلاث.
وكان لهذا الحفل الافتتاحي، الذي تميز بحضور مستشار جلالة الملك والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة – موكادور أندري أزولاي، وعامل إقليم الصويرة عادل المالكي، ورئيس مجلس جهة مراكش – آسفي أحمد اخشيشين، والأمين العام لمجلس الجماعات اليهودية بالمغرب سيرج بيرديغو، والسفير الإسباني بالمغرب ريكاردو دييز – هوشليتنر، والقنصل العام لفرنسا بمراكش فيليب كازيناف وشخصيات أخرى، تأثير فوري في إضفاء الذوق على جمهور المهرجان خلال الأمسيات الأخرى المقررة لهذه الدورة.
ومكن هذا الحفل الموسيقي الفريد والبهيج، الذي يشمل برنامجه “زيارة” لأكثر الصفحات رمزية وإشعاعا من ريبرتوار “الشكوري” و”الملحون” و”الشعبي”، خلال هذه الأمسية الأسطورية التي طال انتظارها، من المزج، في انسجام لا مثيل له، بين العربية والعبرية في موسيقى “المطروز” التي يملك المغرب سرها وتألقها، والتي أضحت الآن ضمن مواعيد “الأندلسيات الصويرية”.
وهكذا، نجحت أيقونات شابة لهذا الفن العريق الذي يصنع فخر المملكة وتفردها، مثل إلياد ليفي وأنس بلهاشمي ويوحاي كوهين وصلاح الدين مصباح ولالا تمار وهشام دينار وحاي كوركوس، في منح سكان الصويرة وضيوفها أمسية أولى في غاية الجمال، حيث رافقتهم خلال هذه المغامرة “الإنسانية” الجميلة أوركسترا “طرب” التي تقاسمت المنصة بلطف مع هؤلاء الشباب “سفراء” السلام والتسامح.
ومكنت هذه المغامرة الناجحة جمهور المهرجان من التمتع، بشكل مباشر، بسلسلة كبيرة من “النوستالجيا” خلال تكريم الشيخ مويزو.
ويعد هذا المهرجان، المنظم إلى غاية ثالث نونبر الجاري بالصويرة، موعدا سنويا مهما وحدثا فريدا في العالم، بالنظر إلى أنه في المغرب والمغرب العربي وأرض الإسلام، يضرب آلاف المسلمين واليهود كل سنة موعدا لعدة أيام من أجل الموسيقى والغناء سويا، والاحتفاء بتاريخهم المشترك، وذاكرتهم المختلطة وموروثهم الغني، كما كان الحال دوما في مدينة ليزاليزي، باللغتين العربية والعبرية.
وأفاد المنظمون بأن برنامج هذه السنة، الذي سيعرف تنظيم 15 حفلا لإبراز التراث الموسيقي اليهودي – العربي، يتميز بمشاركة كل من “سامية أحمد” التي تقترح سفرا موسيقية من تاريخ الأندلس، و”أسماء الأزرق” التي ستعيد على طريقتها أداء قصائد من الملحون اليهودي – العربي الذي يخترق الفضاءات والأجيال، إذ “ستخبرنا عن أمس يساعدنا في كتابة مستقبل لهذا التاريخ المغربي الجميل، من خلال قصائد بينها +أنا الكاوي+ و+لالة غيثة مولاتي+”.
كما سيكون جمهور المهرجان على موعد مع إبداعات “دليلة مسكوب” التي ستتحفهم بأغاني “لين مونتي” و”سليم الهلالي” و”سامي المغربي”، فضلا عن قصيدة في مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، انطلاقا من نص للشاعر اليهودي الكبير عيوش بنمويال الصويري.
ومع “أسماء الأزرق” و”دليلة مكسوب”، سيعرف المهرجان كذلك مشاركة كل من “هناء توك” و”تامار بلوش” و”شيماء عمران” في تكريم عازفة البيانو، غيثة العوفير، التي توفيت قبل سنوات، والتي طبعت انطلاقا من الرباط، الساحة المغاربية على مستوى الموسيقى الأندلسية. وأخيرا وليس آخرا، ستعود ريموند البيضاوية لإتحاف جمهور المهرجان خلال حفلين فنيين، الأول يقام في دار الصويري والثاني عند الاختتام، رفقة الفنان الكبير “ابن عمر الزياني”، أحد الرواد والأيقونات التي تجسد الموسيقى اليهودية – العربية بالمغرب والخارج.
وأوضح المنظمون أن الزاوية القادرية ستفتح أبوابها في أمسية طال انتظارها، تحتفي من خلالها، باللغتين العربية والعبرية، بأجمل القصائد التي طبعت موروث طرب الآلة في المغرب.
ويعد مهرجان “الأندلسيات الأطلسية” كذلك فضاء للنقاش والمعارض، من خلال منتدى – أغورا لهذه الدورة، حيث ستتناول مليكة الدمناتي المنصوري موضوع “العيش المشترك”، باعتباره روح الصويرة، مدينة الأولياء سيدي مجدول والحاخام حاييم بينتو.