لبنان: الاحتجاجات الشعبية تدفع حكومة الحريري إلى الاستقالة

0

المصطفى الناصري: دفع تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية، التي تواصلت على نحو أسبوعين في العديد من المناطق اللبنانية للمطالبة بحلول للأزمة الراهنة في البلاد، إلى إعلان سعد الحريري، أمس الثلاثاء، استقالة حكومته بعد وصوله إلى أفق مسدود.

وخلال لقاء مع الرئيس اللبناني، ميشال عون في قصر بعبدا، قدم الحريري استقالة حكومته الائتلافية، التي نالت ثقة مجلس النواب (البرلمان)، في 15 فبراير الماضي.

وجاءت هذه الاستقالة بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة منذ سنوات في العديد من المدن اللبنانية، للمطالبة برحيل الطبقة السياسية وإجراء إصلاحات هيكلية من شأنها الخروج من الأزمة الراهنة التي تشهدها البلاد، في وقت بدأت تلوح فيه أزمات اقتصادية عديدة مرتبطة بمختلف مناحي الحياة المعيشية.

وما إن أعلن الحريري استقالته، حتى نزل اللبنانيون إلى الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية، معبرين عن فرحهم بخطوة الاستقالة التي وصفوها، ب”الإنتصار الأول لوجع الناس”، من أجل تحقيق كل المطالب الشعبية. كما عبر المعتصمون بمختلف ساحات الاحتجاجات الشعبية عن ابتهاجهم مرددين النشيد اللبناني، وإطلاق المفرقعات النارية احتفالا بالحدث الذي انتظروه لمدة أسبوعين من اندلاع “الانتفاضة الشعبية”.

وعقب إعلان استقالة الحكومة اللبنانية، توالت ردود فعل الطبقة السياسية المحلية، حيث رحب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بتقديم الحريري لاستقالته تجاوبا مع مطالب الاحتجاجات، داعيا إلى تشكيل حكومة تكنوقراط.

وقال جعجع، في بيان، “حسنا فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوبا مع المطلب الشعبي العارم بذلك”، مبرزا أن المهم هو الذهاب نحو الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من الأزمة الحالية ألا وهي تشكيل حكومة جديدة من مستقلين تماما عن القوى السياسية.

من جانبه، دعا رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، إلى تشكيل حكومة جديدة بعيدا عن التيارات السياسية والأحزاب، مشددا على أن “تشكيل هذه الحكومة بعيدا عن التخوين والتشكيك وربط الأمور بنظريات المؤامرة”.

أما الرؤساء السابقون للحكومة (نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) فأكدوا ، في بيان ، أن الحريري، الذي استجاب للنداء الذي أطلقه معظم اللبنانيين من شتى مناطق لبنان وأطيافه، “تحلى بحكمة وشجاعة، والتزام بمسؤولياته الوطنية” .

ودعوا إلى “تحمل الجميع كامل المسؤولية باتجاه حركة إنقاذية وطنية تتجاوب مع مطالب الناس وتحافظ على السلم الاهلي وتقي لبنان من أنواع الانهيارات السياسية والاقتصادية والوطنية”.

أما على المستوى الدولي، فكانت فرنسا سباقة إلى التعليق على خطوة الاستقالة، حيث أكد وزير خارجيتها جان إيف لودريان، أن لبنان “يمر بأزمة خطيرة جدا ، لافتا إلى أن الأولوية بالنسبة لهذا البلد تتمثل في الحفاظ على استقراره.

ودعا لودريان، إلى “فعل كل شيء لضمان وحدة لبنان واستقرار مؤسساته”، معربا عن أمله في أن تستجيب الحكومة اللبنانية لمطالب الشعب.

من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، جميع القوى السياسية في لبنان إلى التزام الهدوء، مطالبا قوات الأمن بحماية المتظاهرين السلميين والمحافظة على أمن البلاد.

وأضاف “نأمل أن تتوافق جميع القوى السياسية، وتجتمع معا بحيث تتم المحافظة على السلام والأمن في هذا البلد”.

وبدوره، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، اللبنانيين إلى التمسك بالوحدة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي.

وأعرب ابو الغيط عن تطلعه “لتمسك كافة اللبنانيين بالوحدة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي والمظهر الحضاري الذي صاحب التظاهرات منذ بدايتها وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن واستقرار البلاد من خلال شق وحدة الصف اللبناني”.

ويرى المراقبون أن استقالة الحريري “تعد انتصارا للشعب اللبناني” ، معتبرين أن سقوط الحكومة سيجعل من الشارع أكثر انضباطا، وبالتالي الذهاب إلى حكومة تكنوقراط تتبنى الورقة الاقتصادية الإصلاحية.

ودعوا إلى تنظيم انتخابات نيابية مبكرة، وتكوين السلطة في مشهد جديد هو “مشهد الثورة”.

ولاحظوا أن هذه الاستقالة، وإن كانت حققت المطلب الرئيسي للمحتجين، فإنها لم تقترن باتفاق على حكومة جديدة، وهو ما يدخل البلاد من وجهة نظرهم في حالة من مواجهة المجهول السياسي.

أما على المستوى الميداني، فقد تعالت أصوات العديد من مكونات الطبقة السياسية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ، للمطالبة بفتح الطرقات على الفور وتسهيل أمور الناس، مع الاحترام الكامل لحق الجميع في التظاهر بالساحات من أجل الاستمرار في الضغط لتلبية المطالب الأخرى المتعلقة بمحاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة واقرار الإصلاحات.

وأمام الوضع القائم، شهد الوضع الاقتصادي تأزما كبيرا تجسدت معالمه في نفاذ مادتي البنزين والمازوت من محطات الوقود في عدد من المحافظات والمناطق التي أقفلت أبوابها أمام الزبائن، حيث أصبح مخزون هذه المادة الحيوية لا يكفي لأكثر من أسبوعين.

كما انعكست الاحتجاجات على مادة الدقيق كواحد من المواد الأساسية التي بدأت تتراجع في السوق اللبنانية، مما دفع تجمع المطاحن في لبنان إلى الإعلان عن انخفاض مخزون القمح الى معدل لا يكفي حاجة البلاد لأكثر من عشرين يوما، بسبب عدم القدرة على تأمين التحويلات اللازمة لشراء هذه المادة الغذائية منذ اكثر من شهرين.

ومن القطاعات الحيوية التي تضررت نتيجة الأزمة القائمة قطاع الصحة الذي بدأ يشهد شحا في الأدوية بالأسواق المحلية وعدم تمكن المرضى من الوصول الى المستشفيات بسبب انقطاع الطرقات، فضلا عن ارتفاع أثمان العديد من السلع والمواد الغذائية، وارتفاع أسعار بطاقات الهاتف النقال، لتتوالى الردود مستقبلا حول تعميم انتشار ارتفاع الأسعار على بقية الخدمات.

وازداد الوضع تأزما بعد التصريح الذي أدلى به حاكم مصرف لبنان أول أمس، كشف من خلاله أن “الانهيار الاقتصادي في لبنان مسألة أيام، والبلد يحتاج إلى حل فوري من أجل معالجة الأزمة”، إلى جانب إعلان جمعية المصارف اللبنانية، مواصلة إقفال أبواب البنوك، في انتظار عودة الاستقرار إلى البلاد، واستمرار تعليق الدراسة في المدارس والمعاهد والجامعات منذ اليوم الثاني من انطلاق الاحتجاجات الشعبية.

وبعد خطوة الحريري للخروج من الأزمة الحالية، يبقى التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي اللبناني أمر صعب المنال، خاصة وأن الحريري، كان قد أجرى اتصالات بفرقاء سياسيين قبل قراره الاستقالة، كما أن الرهان ينصب حول كيفية تدبير المشاورات لتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، خاصة في ظل الوضع السياسي الذي يغلب عليه تعدد الأحزاب والطوائف.

يشار إلى أن الاحتجاجات بدأت في 17 أكتوبر الجاري، رفضا لمشروع حكومي لزيادة الضرائب على المواطنين في ميزانية 2020، قبل أن ترفع سقف مطالبها أيضا إلى استعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد.

ويعاني لبنان، الذي يقدر دينه بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية وترهل بنياته التحتية.

كما يواجه الاقتصاد اللبناني تحديات اقتصادية، تتمثل في ارتباك سوق الصرف المحلية، وتذبذب وفرة الدولار، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.