ربيعة صلحان: يخلد المغرب، يوم غد الخميس (11 أكتوير)، الذكرى الحادية عشر لليوم الوطني للمرأة المغربية، وهي فرصة متجددة لاستحضار وتثمين الإنجازات والتقدم الذي تم تحقيقه في مجال النهوض بحقوق المرأة، والوقوف على التحديات التي لا تزال تواجه جهود تمكين المرأة من حقوقها وتحقيق اندماجها الكامل في المجتمع.
وفي هذا السياق، يمكن التأكيد على أن وضعية النساء المغربيات عرفت قفزة نوعية خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث حظيت قضية تمكين المرأة بحيز كبير ومهم في الرؤية الإستراتيجية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من خلال جعل المرأة في صلب ورش وطني إصلاحي كبير، كانت أولى نواته مدونة الأسرة، لتليها بعد ذلك مجموعة من الإصلاحات المهمة التي تضمنها دستور 2011، فضلا عن انخراط المملكة في عدد من الاتفاقيات الدولية، أبرزها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وبفضل هذه الأوراش الكبرى نالت المرأة المغربية حقوقا شتى، لعل أبرزها حق منح الجنسية للأبناء الذين يولدون في إطار الزواج المختلط، وفرض قيود على زواج القاصرات وتعدد الزوجات. كما قام المغرب سنة 2014، بإلغاء أحد القوانين الأكثر جدلية في البلاد، حيث كان واحدا من أهم المطالب التي لطالما طالبت بها النساء بمختلف مشاربهن وأعمارهن، والذي يتعلق بإعفاء المغتصب من العقاب في حال زواجه بضحيته، حيث شكل إلغاء هذا القانون انتصارا مهما لقضية المرأة بالمغرب، وردا لاعتبار المرأة وكرامتها وحقها في الاختيار.
وسعيا منه لتعزيز مبادئ المساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية، انخرط المغرب، بشكل فعلي، في مسلسل مناهضة العنف ضد النساء وفق منهج متكامل يجمع بين البعد الوقائي والحمائي والتكفلي والتمكيني، حيث تم إحداث اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، التي ستعمل على مأسسة آليات التنسيق بين المتدخلين في مجال مناهضة العنف ضد النساء وحمايتهن، باعتبار الصلاحيات المهمة التي أسندت إليها بموجب القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي يعتبر آلية قانونية معتمدة لإنصاف المرأة، والذي قام بتجريم وللمرة الأولى بعض الأفعال التي تعتبر أشكالا للتحرش، والاعتداء، والاستغلال الجنسي وسوء المعاملة مع تشديد العقوبات على المتهمين.
ولتعزيز هذه المكتسبات وتنزيل النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق المرأة على أرض الواقع، بادر المغرب إلى سن سلسلة من القوانين تهدف إلى النهوض بوضعية المرأة وتعزيز حضورها في المشهد السياسي من أجل إسماع صوتها والمساهمة بشكل فعال ومباشر في مسلسل الإصلاح الذي تعرفه المملكة.
وهكذا فقد أتاح اعتماد قانون ما يعرف ب”التمييز الإيجابي” الرفع من تواجد وحضور المرأة في المؤسسات المنتخبة، حيث ينص هذا القانون على تخصيص 60 مقعدا للنساء في إطار اللائحة الوطنية الخاصة بمجلس النواب، واعتماد مبدأ التناوب بين الجنسين بالنسبة للوائح الترشيح المقدمة من طرف الهيئات الناخبة الممثلة في مجلس المستشارين، وتعديل القوانين التنظيمية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية بالتنصيص على تخصيص ثلث المقاعد على الأقل للنساء في كل دائرة انتخابية.
واستنادا على الأرقام المسجلة، فقد نجحت هذه الإجراءات في رفع نسبة المشاركة النسوية في الحياة السياسية، حيث شهد حضور المرأة على مستوى مجلس النواب ارتفاعا ملحوظا، حيث انتقل من 34 نائبة في انتخابات 2007، إلى 67 نائبة في اقتراع 2011، ليصل إلى 81 نائبة في الانتخابات التشريعية لسنة 2016، فيما شهدت نسبة تمثيلية النساء في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة تطورا ملحوظا، لتصل إلى 6673 مقعدا للنساء، ما يمثل ضعف العدد المسجل في الانتخابات الجماعية لعام 2009.
ولم تقتصر هذه الإنتعاشة على الحياة السياسية، فقد أصبحت المرأة المغربية تتقلد مختلف المناصب في الميادين الاجتماعية والرياضية والفنية، كما اقتحمت ميادين أخرى كانت في الماضي القريب حكرا على الرجال، على رأسها القضاء والإدارة والجيش والأمن والدبلوماسية، لتواصل بذلك التجربة المغربية في مجال تمكين المرأة تفردها وتقدمها على نظيراتها على المستوى العربي والإقليمي، من خلال رفع التحدي تلو الآخر، باتخاذ خطوات شجاعة ومتفردة، كان آخرها المرسوم الملكي الذي أصدره الملك محمد السادس الذي يسمح للمرأة المغربية بتولي وظائف التوثيق الشرعي للزواج والطلاق وتسجيل المواريث الشرعية.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات والانتصارات التي حققتها قضية المرأة بالمغرب، إلا أن سقف الطموحات والانتظارات يبقى أكبر، حيث لا تزال بعض الأصوات المطالبة بتعديل ومراجعة بعض القوانين على رأسها قانون زواج القاصرات، حيث تنادي أصوات نسائية بإلغاء كافة الاستثناءات التي يتضمنها هذا القانون، كما تدعو الجمعيات النسوية إلى وجوب إقرار حق الزوجة في إعطاء الجنسية لزوجها الأجنبي، أسوة بحق المغربي في منح الجنسية لزوجته الأجنبية.
وفي انتظار حصد المزيد من النجاحات والتقدم في ملف المناصفة بشكل أكبر، يجدر بكل امرأة مغربية أن تفخر اليوم بما تحقق من إنجازات، حيث استطاعت المرأة المغربية أن تصنع لنفسها مكانا متميزا في مجتمعها، وتؤكد أنها مؤهلة وقادرة على التغيير وتولي أهم المناصب القيادية، حتى أضحت نموذجا يستشهد به في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي، ومثالا يشاد به على المستوى العالمي.