ريو دي جانيرو : تاريخ وجمال وفنون …وفافيلات

0

خالد التباتة:  يقود الحديث عن البرازيل تلقائيا إلى التطرق إلى الصور الخلابة لريو دي جانيرو، التي تعتبر من بين أجمل مدن العالم.

ويعود اسم ريو دي جانيرو، أو “نهر يناير”، إلى خطأ ارتكب في فاتح يوليوز 1502 من قبل المستكشف البرتغالي غاسبار دي ليموس، الذي كان يعتقد أنه اكتشف خليجا واسع المساحة بمصب أحد الأنهار.

وكانت ريو دي جانيرو عاصمة للمملكة المتحدة للبرتغال ولجمهورية البرازيل إلى غاية 21 أبريل 1960، تاريخ إعلان برازيليا عاصمة جديدة للبلد الجنوب أمريكي. ووقف وراء هذا المشروع الرئيس جوسيلينو كوبيتسشيك الذي كان يرغب في بلورة واجهة حديثة لبلاده ووضع حد للمنافسة التاريخية بين ريو دي جانيرو، العاصمة السياسية والثقافية، وساو باولو، العاصمة الاقتصادية.

ولا تخلو ريو التي تزخر بالرموز من المواقع التي تصنع هويتها البصرية، ويشكل جبل “باو دي أسوكار” موقع جذب سياحي رمزي للمدينة التي تضم أزيد من 12 مليون نسمة. ووحده جبل “كوركوفادو”، البالغ ارتفاعه نحو 700 متر، ينافس “باو دي أسوكار” بفضل تمثال السيد المسيح (ارتفاعه 30 مترا) المقام فوق قمته. ويتعلق الأمر بعمل أنجزه المهندس البرازيلي هايتور دا سيلفا كوستا والنحات الفرنسي بول لاندونسكي. وبات هذا التمثال، الذي استكمل بناؤه سنة 1931، موقع جذب سياحي رئيسي وصورة البرازيل الأكثر شهرة في العالم.

ويحج 600 ألف شخص سنويا لزيارة هذا الموقع الذي يزينه أيضا جبل “كوركوفادو”، أقدم موقع سياحي بالمدينة.

ويحظى المنتزه الوطني بريو بإقبال الساكنة والأجانب على الخصوص محبي التنزه بالطبيعة واستنشاق الهواء النقي. ويعد هذا المنتزه الواقع في وسط المدينة ثاني أكبر حديقة بالوسط الحضري في العالم وهو ثمرة عملية تشجير كبيرة أطلقت في القرن ال 19 بعد سنوات من إزالة الغابة بالمنطقة من أجل زراعة البن.

ويزخز هذا الفضاء، الذي يمتد على مساحة 3200 هكتار، بمئات الأحياء النباتية والحيوانية.

وغير بعيد عن وسط المدينة، تتواجد أحياء سانتا تيريزا، التي يخترقها ترامواي “بوندينهو” الذي يرفض الاستسلام لعملية تحديث وسائل النقل. ويسعى سكان هذا الجزء من المدينة إلى الحفاظ على هذه “الجوهرة” التي تطبع منطقتهم.

وحتى منتصف القرن الماضي، كان هذا الحي من أرقى أحياء ريو قبل ان يطغى عليه وجود الطبقة المتوسطة بعد انتقال ساكنته الى وسط المدينة ولاحقا الى محيط كوباكابانا، الشاطئ الشهير الذي يمتد على طول ستة كلمترات ويستقطب نحو 5ر1 مليون زائر سنويا.

ومن أجل فهم شهرة كوباكابانا، يجب العودة إلى العام 1923، تاريخ بناء فندق “كوباكابانا بالاس” الأكثر فخامة بمجمل منطقة أمريكا اللاتينية حينئذ. وفي فصل الصيف يتوافد مئات الآلاف على حي كوباكابانا على الخصوص للاستمتاع بشاطئ إيبانيما، الواقع بالحي الأرقى على الإطلاق بريو الذي خلدته الأغنية الشهيرة “غاروتا دي إيبانيما” (فتاة إيبانيما).

وتزخر ريو التي تعرف أيضا بكرنفالها بالمتاحف الشهيرة كمتحف التاريخ الوطني، وهو قصر وردي اللون من ضمن بنايات ريو القديمة، إذ بني في القرن ال 17 كقلعة قبل ان يتحول إلى سجن خاص بالعبيد السود، ثم إلى متحف سنة 1922.

وبالمدينة ذاتها، يقع المتحف الوطني للبرازيل، الذي يحتضنه قصر سانت كريستوفر، مقر إقامة جواو السادس والأسرة الامبراطورية الى غاية إعلان الجمهورية سنة 1889، ويحتفظ هذا المتحف بأكبر مجموعة أعمال علمية بالبرازيل.

أما متحف الفنون الجديدة بريو فيقترح على مرتاديه أكبر مجموعة أعمال فنية بالمدينة ومن ضمنها لوحات فنية أنتجتها مدارس فنية من دول أوروبية وأمريكية جنوبية قبل قرون.

وتمثل ساكنة ريو فسيفساء فريدا من الطبقات الاجتماعية والاصول المتباينة، وهذه هي صورة مدينة كانت على الدوام ملتقى للقاء والحوار بين الأفارقة والأوروبيين والأمريكيين وحتى الاسيويين.

وعلى غرار باقي البرازيليين، فإن سكان ريو، الذين يعرفون بحبهم للموضة والشواطئ والموسيقى، شغوفون بكرة القدم، ويتوقف الزمن لديهم حينما يكون “فلامينغو”، النادي التاريخي لمدينتهم، في مواجهة نادي ثان سواء بمعقله ب “ماراكانا” او خارج المدينة.

وحينما يواجه “فلامينغو” غريمه “غريميو” يتسمر سكان ريو أمام شاشاتهم أو بالتجمعات التي تقام بالهواء الطلق، ومن الصعب حينئذ رؤية شخص آخر غير متفرغ لمتابعة المباراة إلا إذا كان سائحا أو أجنبيا، أو غير مكترث لجنون كرة القدم.

ولريو وجه مغاير تماما، إنها ظاهرة تصنع في الوقت ذاته، سلبا وايجابا، شهرة المدينة .. يتعلق الأمر ب “الفافيلا” وهي مدن صفيحية عشوائية تشكل مسرح مواجهات لا تنتهي بين الشرطة والعصابات الإجرامية. ويطلق على هذه الأحياء اسم “سيدادي ماريفيوزا” (المدينة الرائعة) لكن ليس لها من اسمها هذا نصيب على ما يبدو.

بيد أن هذه الاحياء الملتصقة بالمرتفعات وجدت لنفسها متنفسا جديدا وأضحت وجهة سياحية رئيسية، فلا غرابة أن تجد السياح يتدفقون على هذه الاحياء العشوائية ويتجولون في شوارعها التي تنتشر فيها آليات عسكرية وأخرى تابعة للشرطة، من أجل التقاء صور وسط الفافيلات.

وتمكنت برامج ضمان الأمن من خلال عمليات منتظمة وواسعة النطاق ضد مهربي وتجار المخدرات والعصابات الإجرامية من تحسين الوضع الأمني بهذه المناطق وهو ما مهد الطريق لتعزيز قطاع السياحة الذي يتوفر على مؤهلات كبيرة من شأنها أن تجعله أكثر ازدهارا ليس بريو فحسب، ولكن أيضا على مستوى العديد من مدن عملاق أمريكا اللاتينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.