كولومبيا: الاستئناف المحتمل لرش الغليفوسات جوا للقضاء على محاصيل الكوكا يقسم البلاد

0

محمد بنمسعود: إذا كانت هناك قضية تقسم كولومبيا أكثر من غيرها، بعد اتفاق السلام الموقع مع حركة “فارك” المتمردة السابقة، فهي الاستئناف المحتمل للرش الجوي للغليفوسات للقضاء على محاصيل الكوكا.

وقد دخل البلد الجنوب أمريكي، أكبر منتج للكوكايين بإنتاج بلغ 1220 طنا في العام الماضي وفق الأمم المتحدة، منذ 2015 في نقاش لا نهاية له حول استئناف استعمال الغليفوسات من عدمه لتدمير مزارع الكوكا.

وتحت ضغط الولايات المتحدة، المستهلك الرئيسي للكوكايين الكولومبي، لتكثيف المعركة ضد زراعة نبتة الكوكا، المكون الأساسي لهذا المخدر، تفكر كولومبيا في استئناف عمليات الرش الجوي لمبيد الأعشاب المذكور، الذي تم تصنيفه في 20 مارس 2015 من قبل منظمة الصحة العالمية ك “مادة مسرطنة محتملة”.

وفي مواجهة حملة واسعة من التعبئة يقودها نشطاء حماية البيئة والمزارعون والخبراء الذين ينددون بالآثار الضارة للغليفوسات على الصحة والبيئة، أعلن المجلس الوطني لمكافحة المخدرات، في ماي 2015، تأييده لحظر استعمال مبيد الأعشاب المذكور بسبعة أصوات مقابل صوت واحد.

وحتى عام 2015، كانت كولومبيا واحدة من الدول القلائل في العالم التي تعمل على الرش الجوي للغليفوسات بمساعدة مالية من الولايات المتحدة.

وفي وقت لاحق، أمرت المحكمة الدستورية بتعليق عمليات الرش من خلال حكم يسعى إلى حماية مجتمع الأفروكولومبيين بتشوكو (شمال غرب البلاد)، المتضرر من “الرش بمبيد الأعشاب الضار”.

واستند قرار المحكمة العليا إلى مبدأ احترازي على مستوى الصحة والبيئة، ونص على أن العودة إلى استخدام الغليفوسات ستكون ممكنة شريطة أن يتم التحقق من أن استخدامه ليس ضارا.

ومع ذلك، أعلن الرئيس السابق خوان مانويل سانتوس (2010-2018)، في يونيو 2018، على بعد شهرين من انتهاء ولايته الرئاسية الثانية، استئناف الرش الجوي للغليفوسات بواسطة طائرات بدون طيار بعد الزيادة القياسية لمزارع الكوكا في عام 2017.

وجاء إعلان سانتوس عن هذا الإجراء بعد يوم من نشر المكتب الوطني الأمريكي لمراقبة المخدرات لأرقام تبين أن زراعة الكوكا في كولومبيا وصلت إلى مستوى قياسي في 2017، متحدثة عن 209 آلاف هكتار بزيادة قدرها 11 بالمائة على أساس سنوي.

وخلال الفترة نفسها، قفز إنتاج الكوكايين بنسبة 19 بالمائة حيث انتقل من 772 طنا إلى 921 طنا في 2017، وهو رقم قياسي آخر.

وبعد شهرين من تنصيبها، أعلنت الحكومة الجديدة للرئيس إيفان دوكي عن استعدادها لاستئناف الرش الجوي لمبيد الأعشاب المثير للجدل على مزارع الكوكا، متجاهلة القيود المفروضة في هذا المجال قبل عامين.

ومنذ ذلك الحين، ما يزال الجدل مثارا بين مؤيدي ومعارضي استعمال الغليفوسات مع تقلبات وتحولات في المواقف كما هو الحال مع سانتوس.

ولا يزال دوكي، المؤيد القوي لاستئناف استخدام الغليفوسات، مقتنعا بأن هذه هي الوصفة الوحيدة القادرة على تدمير جميع النباتات وحرمان تجار المخدرات من الموارد.

وتتجه الأنظار إلى الرئيس الجديد حول هذا الموضوع. فقد لاقى موقف حكومته انتقادات العديد من الخبراء، وأيضا من قبل الرئيسين السابقين سيزار غافيريا (1990-1994) وخوان مانويل سانتوس.

وفي جلسة علنية عقدت مؤخرا من قبل المحكمة الدستورية، طلب دوكي من المحكمة العليا تعديل قرارها لعام 2015 بشأن تعليق الرش الجوي لمبيد الأعشاب أمام زيادة قياسية في مزارع الكوكا في البلاد.

وفي الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة مزارع الكوكا مشكلة “للأمن القومي” يجب معالجتها بكل الأدوات المتاحة، بما في ذلك الرش الجوي للغليفوسات، الذي تم تعليقه حاليا، يعتقد العديد من السياسيين أنه ليس من الضروري العودة إلى ذلك.

ومن بين هؤلاء مانويل سانتوس الذي أوضح، وهو لايزال رئيسا للبلاد العام الماضي، أمام المحكمة الدستورية أن هذه التقنية كانت أقل فعالية بكثير مقارنة من الاقتلاع اليدوي أو حرق مزارع الكوكا. ووفق بعض المصادر، فإنه بين سنتي 2005 و 2014 تم رش مليون و200 ألف هكتار بالغليفوسات إلا أن مساحة الكوكا لم تنخفض سوى ب 14 ألف هكتار فقط.

ومن جانبه، اعتبر كاميلو روميرو، حاكم جهة نارينيو (جنوب غرب)، أن على الحكومة حظر هذه الممارسة وحماية سكانها وأراضيها من أدنى خطر.

وفي السياق نفسه، حذر الخبير فيليبي مارتينيث من أن استئناف رش الغليفوسات “مرادف لحرب كيميائية” ضد المجتمعات التي تعيش في المناطق القروية في البلاد (فلاحون وشعوب أصلية وكولومبيون منحدرون من أصول إفريقية”.

وبينما تحتفظ المحكمة الدستورية بقيودها في انتظار مراجعة قرارها الذي لا يزال معلقا، فإن الحكومة الحالية مقتنعة بأن الدراسات المتعلقة بآثار المبيد على الصحة غير حاسمة.

ويتعرض الرئيس دوكي لضغوط أولها وعده الذي قطعه على نفسه، في شتنبر الماضي مباشرة بعد انتخابه، عندما أعلن أنه خلال أربع سنوات ستدمر البلاد ما بين 140 ألف و150 ألف هكتار من مزارع الكوكا.

وبالإضافة إلى ذلك، تضغط وزارة الخارجية الأمريكية على بوغوتا من أجل تخفيض المساحات المخصصة لهذه الزراعات في أسرع وقت.

وفي هذا الصدد، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في مارس الماضي خلال زيارته لفلوريدا: “أحدثكم عن كولومبيا: الرئيس الجديد لكولومبيا إنسان رائع للغاية، قابلته واستقبلته في البيت الأبيض وأخبرني أنه سيوقف المخدرات، لكن هناك مخدرات تغادر كولومبيا بحجم أكبر بعد توليه الرئاسة … لم يفعل أي شيء بالنسبة إلينا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.