الرق : فصل قاتم في تاريخ الولايات المتحدة لا يزال موشوما في الذاكرة

0

عمر عاشي: في سنة 1619 قام مستوطنون أوربيون بترحيل أول دفعة من الرجال والنساء والأطفال قسرا من إفريقيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لبيعهم كعبيد، مدشنين بذلك حقبة طويلة من الاستغلال والميز العنصري التي تركت ندوبا عميقة في التاريخ الأمريكي.

وفي شهر غشت الجاري ، يحتفل البلد بالذكرى المئوية الرابعة لهذا الفصل المؤلم الذي لا يزال موشوما في الذاكرة.

وتم جلب العبيد الاوائل في ظروف مزرية على متن قوارب عبرت المحيط الأطلسي ليتم استغلالهم في العمل الشاق بالمزارع في فرجينيا (جنوب شرق) ، بعد فترة قصيرة من استقرار المستوطنين البريطانيين الأوائل.

ورست أول سفينة قادمة من مملكة ندوندو، أنغولا حاليا، في خليج تشيسابيك منهية رحلة بحرية تؤرخ لحقبة من العبودية امتدت لأزيد من 200 سنة.

وبالنسبة للمؤرخين، يعتبر رسو هذه السفينة في خليج تشيسابيك ، الذي أصبح مهدا للعبودية في الولايات المتحدة، نقطة تحول في التاريخ الأمريكي، إذ مهد الطريق لنظام العبودية القائم على التمييز العرقي والذي لا يزال وصمة عار في تاريخ البلد.

وتم الاحتفال بذكرى تجارة الرقيق وبإلغائها في نهاية الأسبوع الماضي في المناطق الممتدة من فيرجينيا إلى ألاباما ومن ميسيسيبي إلى كاليفورنيا.

وبالعودة إلى التاريخ. فمنذ منتصف القرن السابع عشر، ازدهرت “تجارة الرقيق” في الولايات المتحدة. ولقي العديد من الأسرى الأفارقة حتفهم أثناء نقلهم في رحلات بحرية عبر المحيط الأطلسي ، اكتنفتها ظروف غير إنسانية.

وعلى الرغم من أن إعلان استقلال الولايات المتحدة الموقع سنة 1776 أشار إلى إلغاء الرق، إلا أن نظام الفصل العنصري استمر على أرض الواقع.

وبعدما تم سنة 1780إحصاء 600 ألف من السود ، أو خمس سكان الولايات المتحدة ، ارتفع العدد إلى مليونين سنة 1830، ثم مالبث أن تجاوز سنة 1860 أربعة ملايين من المستعبدين قبيل حرب الانفصال.

وتمت المتاجرة في هؤلاء الرجال والنساء كأي سلعة، وجرى استغلالهم في الزراعة، أو كخدم في البيوت أو عمال في قطاعات التعدين والبناء والصناعة.

وفي سنة 1808 تم حظر “تجارة الرقيق الأسود” في الولايات المتحدة لكن الظاهرة استمرت مرة أخرى.

وفي عشرينيات القرن التاسع عشر، رأت حركة مناهضة للرق النور شمال البلاد، وأصبح موضوع العبودية أحد القضايا الرئيسية في السجال السياسي. وتعاظمت حدة الاستقطاب حول هذه القضية، مما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية في سنة 1861 والتي انتهت بإعلان تحرير العبيد في الأول من يناير سنة 1863 من قبل الرئيس أبراهام لنكولن، والذي تلاه اعتماد التعديل الثالث عشر للدستور الاتحادي في 6 دجنبر 1865 وبموجبه تم إلغاء العبودية بكافة أشكالها باستثناء من يدان بجريمة داخل الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير الذي أحرزه البلد فإن ذلك لم يساعد في تعزيز تحرر و اندماج الامريكيين من أصل إفريقي في النسيج الاجتماعي، وتشهد التشريعات مثل المدونات السوداء التي تقيد الحقوق الأساسية والحقوق المدنية للسود، وقوانين جيم كرو التي أقرت الفصل العنصري في الجنوب، أو في وقت لاحق بروز حركة كو كلوكس كلان العنصرية، إلى حد كبير على استمرار مظاهر الميز العنصري في بلد العم سام والتي استمرت حتى ستينيات القرن الماضي وهي الفترة التي شهدت بروز حركة الحقوق المدنية التي قادتها شخصيات بارزة من طينة مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمنا لنضاله من أجل المساواة في الحقوق على مستوى التشريعات وفي أرض الواقع.

واليوم، ما تزال قضية العنصرية تكتسي حساسية في الولايات المتحدة، ويعد مجتمع السود الذي يشكل حوالي 13 في المائة من مجموع السكان أكثر عرضة للعنصرية والتمييز والعنف.

وغالبا ما تبرز التوترات العرقية والاحتجاجات في مواجهة عنف الشرطة، أو احتجاجا على التباينات الاجتماعية والاقتصادية، أو ظروف الاعتقال، أو ظهور الإيديولوجية اليمينية المتطرفة.

كما تنعكس حالة التوجس والتوتر والكراهية داخل المجتمع في الحوادث التي تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

ويجد المجتمع الأمريكي نفسه اليوم في خضم نقاش يتخذ طابعا أكثر حدة في الأوساط السياسية والإعلامية ، وخاصة في ظل تصاعد خطاب الكراهية الذي يستهدف الأقليات والمهاجرين.

وتكريما لذكرى ضحايا مأساة تجارة الرقيق، أصدر الكونغرس الأمريكي سنة2017 قانونا ينص على إنشاء لجنة بشأن 400 عام من التاريخ الأفرو أمريكي.

وينص هذا القانون، على وجه الخصوص، على إقامة أنشطة بمناسبة هذا الحدث تلقي الضوء على 246 عاما من العبودية وتذكر بمخاطر الانحرافات التي أوجدت فصلا طويلا ومؤلما غير وجه أمريكا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.