جدل حاد حول المسلسل الانتخابي في تونس

0

دخل المسار الانتخابي في تونس، أول أمس الاثنين، مرحلة قبول الترشيحات للانتخابات التشريعية المقبلة، المقرر إجراؤها في السادس من أكتوبر المقبل، على خلفية جدل انتخابي حاد، ومناخ تسوده الشكوك والمزايدات وتبادل التهم وانقسام في أعلى هرم السلطة.

وكان رفض الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التوقيع على القانون الانتخابي الجديد، الذي صادق عليه، مع ذلك، مجلس نواب الشعب (البرلمان) بأغلبية مريحة، وزكته الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، مفاجئا، وأثار موجة من ردود الفعل المتباينة من قبل الفاعلين السياسيين وممثلي المجتمع المدني وخبراء القانون الدستوري.

وتدور بؤرة هذا الجدل السياسي الحاد حول أحكام القانون الانتخابي الجديد التي اقترحتها الحكومة، قبل أشهر قليلة من تاريخ الاقتراع.

واعت برت التعديلات التي أدخلت على هذا القانون وكأنها و ضعت على المقاس، لاستهداف شخصيات تصدرت استطلاعات الرأي وتنتمي إلى المجال الجمعوي أو تؤيد النظام السابق، على غرار عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر.

وفي مواجهة الحكومة التي أكدت من خلال هذه المبادرة، رغبتها في حماية الديمقراطية، رد الرئيس التونسي ب”عدم التصديق” على القانون المعدل.

وتم النظر إلى قرار الرئيس على أنه “مس بمؤسسات” البلاد، وخاصة البرلمان الذي يفترض أن يكون مصدر جميع السلطات، وتجاوز لدستور 2014 من قبل المؤتمنين عليه.

ويتعلق الأمر بالنسبة للبعض، بـ”قرار مفاجئ” يندرج في سياق صراع طويل الأمد بين رأسي السلطة، وي سمم الحياة السياسية في البلاد، بالنظر إلى الخلاف القائم بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، علما أن هذه الأخير ع ين في هذا المنصب من قبل الرئيس في 2016، وانتهى به المطاف إلى التمرد على حزبه، “نداء تونس”، من خلال عقد تحالفات جديدة، والظهور كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية التي ستجرى جولتها الأولى في العاشر من نونبر.

وفي انتظار الظهور العلني لرئيس الجمهورية، المتوقع غدا الخميس 25 يوليوز، بمناسبة الاحتفال بعيد الجمهورية، فإن التبرير الوحيد الذي قدمه رسميا نور الدين بن تيشة المستشار السياسي للرئيس، ي قدم حجة مفادها أن “الرئيس يرفض ختم قانون للإقصاء”.

وكان رد الفعل هذا، وتصريحات حافظ قائد السبسي، رئيس شق من حزب نداء تونس، عاملا أثار جدلا كبيرا.

وبحسب بعض المراقبين، فإن رئيس الجمهورية أراد إظهار قراءة معينة للدستور تسعى إلى إثبات أنه على الرغم من الصلاحيات المحدودة، إلا أنه يبقى، في بعض الحالات متحكما في اللعبة.

وقد أثار هذا الوضع الذي فرضه رئيس الجمهورية، والذي يؤدي إلى تطبيق القانون الانتخابي الحالي، ردود فعل متباينة، وتفسيرات متعارضة تماما في بعض الأحيان، تكشف عن الخلافات في أعلى هرم الدولة.

ثمة أصوات عديدة تعارض هذا الخلاف، في حين أن أصواتا أخرى تستنكر هيمنة الحسابات السياسية.

وفي انتظار تفسير الرئيس الباجي قائد السبسي لقراره بعدم التوقيع على القانون المعدل، يواصل العديد من المراقبين والفاعلين في المجتمع المدني ورجال القانون من كافة الأطياف، التساؤل عما إذا كان رئيس الجمهورية قد تجاوز صلاحياته، من خلال توجيه ضربة لمجلس نواب الشعب وهو مركز كل السلطات.

ويرى رجال القانون والخبراء أنه في مثل هذه الحالة، يتعين على الرئيس أن يختار أحد الخيارات الثلاثة، أي التوقيع على القانون الذي صوت عليه البرلمان، أو إعادة إحالته لقراءة ثانية أو إخضاعه للاستفتاء.

ويعتبر هؤلاء الخبراء أن النتيجة الناجمة عن هذا الوضع تفيد بأن الرئيس حاول أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع، مضيفين أن الأمر يتعلق بمعضلة، لأن فترة إعادة النص على البرلمان من أجل قراءة ثانية أو إخضاعه للاستفتاء قد انتهت يوم 18 يوليوز.

وهكذا لن يكون بالإمكان تطبيق التعديلات الجديدة، وبالتالي سيؤخذ في الاعتبار القانون الانتخابي الحالي.

وفضلا عن ذلك، فقد أوصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، هيئاتها الجهوية بتطبيق القانون الحالي في حال لم يختم رئيس الجمهورية القانون الجديد ولم ي نشر في الجريدة الرسمية.

وهناك نتيجة أخرى تتعلق بتفسير رجال القانون والفاعلين السياسيين للقرار الرئاسي. وحول هذه النقطة تتباين الآراء. إذ يقول أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، إنه عند تجاوز آجال الختم المنصوص عليها في الدستور يمكن الشروع في تنفيذ القانون حتى لو لم يحمل ختم رئيس الجمهورية.

وتعتبر أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي من جهتها، أنه عند تجاوز آجال اللجوء إلى الاستفتاء أو إحالة القانون من أجل قراءة ثانية، يصبح رئيس الجمهورية ملزما بختم القانون الانتخابي المعدل والإذن بنشره في الجريدة الرسمية.

واعتبر القاضي الاداري السابق أحمد صواب، من جانبه، أن من شأن عدم ختم هذا القانون المعدل أن “يسمم المناخ السياسي ويضر بعمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات”.

وعبرت حركة “النهضة”، التي اجتمع مكتبها التنفيذي بشكل عاجل، عن “انشغالها” إزاء رفض الرئاسة ختم القانون الانتخابي الذي صوت عليه مجلس نواب الشعب.

ودعت الحركة جميع الكتل البرلمانية إلى المسارعة بالاجتماع والتشاور من أجل معالجة تداعيات هذه الوضعية، واقتراح الترتيبات المناسبة للخروج منها.

واعتبرت الهيئة السياسية لحزب “تحيا تونس” (لرئيس الحكومة يوسف الشاهد)، أن عدم ختم القانون المعدل، بعد استيفائه جميع الإجراءات الدستورية وبعد المصادقة عليه من طرف مجلس نواب الشعب وتأكيد دستوريته من طرف الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، “يعد خرقا لأحكام الدستور وسابقة خطيرة تهدد مسار الانتقال الديمقراطي”.

وتبنى رئيس حركة مشروع تونس، محسن مرزوق، الموقف ذاته، معتبرا أنه “لا يحق للرئيس عدم ختم قانون الإنتخابات”.

وقال المتحدث باسم الجبهة الشعبية (يسار) ، حمة الهمامي، من جهته، إن عدم ختم الرئيس الباجي قائد السبسي للقانون الانتخابي الجديد “لا يخدم الشعب والبلاد، ولكنه يهدف إلى تسوية حسابات ويدخل في إطار الصراع مع القصبة (رئاسة الحكومة)”.

وأعرب مصطفى بن جعفر، الذي كان رئيسا للمجلس التأسيسي (2011-2014)، عن قلقه معتبرا أن الأمر يتعلق بـ”خرق جسيم لنص الدستور ومقتضياته”.

ويبدو أن الأزمة ما تزال بعيدة عن الحل، في وقت يدور فيه جدل حقيقي حول رهانات الاستحقاقات الانتخابية.

الحدث/ و م ع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.