المكسيك: المهاجرون بين مطرقة تشديد القوانين وسندان عنف العصابات الإجرامية

0

خالد الحراق: مكسيكو – دفع تشديد قوانين الهجرة وتزايد عمليات التوقيف عند الحدود الجنوبية للمكسيك، مهاجري أمريكا اللاتينية إلى الوقوع في قبضة الشبكات الإجرامية، في سعيهم وراء بلوغ حلم العبور نحو الأراضي الأمريكية، ما فاقم المخاطر التي تكتنف مغامراتهم.

وأمام ارتفاع تدفق المهاجرين المنحدرين من أمريكا الوسطى والضغوط المتزايدة من واشنطن، تعمل المكسيك جاهدة على الحد من تدفق الأشخاص الذين يعبرون أراضيها من خلال التشدد في تطبيق تدابير الطرد، لا سيما في شمال البلاد، حيث جرى تنفيذ حملات اعتقال واسعة النطاق الأسبوع الماضي.

وأمام هذا الواقع الجديد، يضطر المهاجرون إلى التحرك بسرية من خلال تجنب التردد على الأماكن التي يمكن للشرطة رصدهم فيها وبالتالي توقيفهم.

وقالت أستاذة العلاقات الدولية بجامعة الأمريكتين بمدينة بويبلا المكسيكية، كلاوديا بارونا كاستانيدا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إنه في الوقت الذي يرى فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن هذه الهجرة تشكل تهديدا لأمن بلاده ويضغط على الحكومة المكسيكية لتوقيف المهاجرين قبل وصولهم إلى الحدود الأمريكية، تعمل مكسيكو على حل أزمة الهجرة من خلال عمليات الطرد، التي تضاعف عددها ثلاث مرات في ظرف ستة أشهر، ولكن أيضا من خلال مشاريع لدعم التنمية الاقتصادية في غواتيمالا والهندوراس والسلفادور، من أجل التخفيف من الأسباب البنيوية التي تقف وراء تدفقات الهجرة، وذلك في إطار التعاون جنوب ـ جنوب.

وأوضحت الجامعية المكسيكية أن مكسيكو، وفي ظل العنف السائد في الشمال وتهديد الرئيس الأمريكي بإغلاق الحدود، “تحاول المزاوجة بين حلين معقدين يتمثلان في تشديد القوانين للتصدي لقوافل المهاجرين في جنوب البلاد، من جهة، وفي الحفاظ على حقوق المهاجرين وحمايتهم من الشبكات الإجرامية، من جهة أخرى”.

وقد أوقفت قوات الأمن المكسيكية قبل أسبوع 51 مهاجرا غير شرعي كانوا على متن شاحنة مكتظة في ولاية زاكاتيكاس، بشمال البلاد، فيما تم توقيف نحو ثلاثين آخرين كانوا على متن قطار شحن يعبر البلاد ويستخدمه الكثيرون للوصول إلى الحدود الشمالية.

ويؤكد سيرخيو مارتين، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود، أن “تجريم المهاجرين وطالبي اللجوء له عواقب أصبحنا نعاينها على أرض الواقع: لقد تم دفعهم للسرية”، مشيرا إلى أن الأيام الأخيرة سجلت تراجعا في عدد الأشخاص الذين يجرون فحوصات طبية.

وبالقرب من الحدود الشمالية للمكسيك، يجد الكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء ملاذا مؤقتا في مدن مثل مكسيكالي وتيخوانا ونويبو لاريدو ورينوسا وماتاموروس، حيث ينتظرون فرصة مواصلة رحلتهم، تحت خطر الوقوع في قبضة المجموعات الإجرامية.

وأشار سيرخيو مارتين إلى أن “المهاجرين يسافرون، اليوم، بشكل سري وفي مجموعات صغيرة”، مضيفا أنهم “يجدون أنفسهم مجبرين على اتباع مسارات خطيرة تستغلها الشبكات الإجرامية، حيث لا يمكنهم الولوج إلى أي مأوى أو خدمات صحية أساسية عندما يكونون في أمس الحاجة إليها”.

ويضيف سيرخيو مارتين أن “المهاجرين يصبحون فريسة في هذه المدن الخطرة، ويقعون تحت رحمة المجرمين الذين يعمدون لابتزازهم”.

وتقوم فرق أطباء بلا حدود بشكل منتظم بمعالجة الإصابات أو الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها المهاجرون، جراء الاعتداء عليهم أو اختطافهم من قبل عصابات تغتني على حسابهم من خلال ابتزاز أقاربهم الذين يعيشون في الولايات المتحدة أو في بلدهم الأصل مقابل إطلاق سراحهم.

ويحاول آلاف المهاجرين من أمريكا الوسطى سنويا عبور المكسيك لبلوغ الأراضي الأمريكية، هربا من العنف والفقر في بلدانهم، لكن غالبا ما يتم استهدافهم من قبل عصابات إجرامية بالمكسيك، حيث يوجد أزيد من 40 ألف شخص في عداد المفقودين.

وقد حذرت منظمة أطباء بلا حدود، في أكثر من مناسبة، من الانعكاسات الخطيرة للسياسات القمعية ضد مهاجري السلفادور والهندوراس وغواتيمالا الذين يفرون نحو المكسيك، هربا من واقع يسوده الفقر والعنف، ليصطدموا بواقع أمر من العنف الشديد بالبلد الأمريكي الشمالي.

لكن، وفي إطار جهودها للتخفيف من وقع هذه المأساة، أطلقت حكومة الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، مؤخرا، خطة شاملة للتنمية في أمريكا الوسطى، حيث رصدت كدفعة أولى استثمارات بقيمة 30 مليون دولار لتمويل برنامج “زرع الحياة” في السلفادور.

وقد أعلنت الحكومة المكسيكية، في بيان لوزارة خارجيتها، عن إطلاق سياسة جديدة للهجرة تقوم على مرتكزين أساسيين، يتمثلان في الدفاع عن حقوق المهاجرين وفي تعزيز التنمية الاقتصادية وفق مقاربة إنسانية، أخذا بعين الاعتبار الأسباب البنيوية للهجرة.

وتعتزم مكسيكو استثمار نحو 100 مليون دولار في هذا البرنامج الرامي إلى معالجة الأسباب الجذرية لتدفق المهاجرين من أمريكا الوسطى، وهو مبادرة محمودة من دون شك، لكنها ليست كافية للتعاطي مع ظاهرة معقدة للغاية وبأبعاد مأساوية أحيانا.

الحدث/ومع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.