الحسين لعوان: في قلب الصحراء الأردنية، تقع محمية الأزرق المائية، المتنزه الطبيعي والموئل المفضل لاستراحة الطيور المهاجرة بين أوروبا وإفريقيا.
محمية الأزرق، تأسست عام 1978، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى “واحة الأزرق” التي تقع ضمن محافظة الزرقاء (115 كلم شرق العاصمة عمان)، وتبعد عن المحمية بحوالي 85 كيلومترات.
ويمكن للزائر أن یقضي أوقاتا ممتعة في مراقبة أنواع مختلفة من الطیور، حيث تم تسجیل حوالي 274 نوعا سواء المحلية منها أو المهاجرة والتي تتوقف في المحمية لفترة استراحة قصیرة، وتفضل الإقامة في المنطقة طیلة فصل الشتاء، وهو ما یجعلها من أھم مواقع ممارسة ھوایة مراقبة الطیور.
فالمحمية، التي تبلغ مساحتها 74 كيلومترا مربعا، عبارة عن واحة مائية فريدة من نوعها، ما جعلها تعتبر من المناطق المائية الهامة عالميا تقصدها الطيور المهاجرة، وذلك وفقا لاتفاقية الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية (رامسار) التي وقعت عليها الحكومة الأردنية عام 1977.
وإلى جانب كونها موئلا للطيور، تعتبر المحمية، المكونة من برك ومستنقعات مائية وجزء كبير من قاع الأزرق (بحيرة عائمة)، غنية بالأحياء البرية والنباتية والحيوانية، حيث أن من أهم حيواناتها البرية إبن آوى والثعلب الأحمر والضباع المخططة والذئب والوشق والعديد من القوارض.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد مدير محمية الأزرق، حازم الخريشة، أنه تم تسجيل العديد من أنواع الطيور والأسماك لاسيما السمك السرحاني، وهو نوع نادر ومستوطن، وسمي بذلك نسبة لوادي السرحان الممتد حتى المحمية.
وأضاف الخريشة، أن هذا النوع من الأسماك لا يوجد في أي مكان في العالم إلا في واحة الأزرق، إذ أصبح إرثا طبيعيا حضاريا للمنطقة، مذكرا بأنه كان مهددا بالانقراض، إلا أن جهود الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، قد تضافرت لإنقاذه وإعادته إلى وضعه الطبيعي حتى أصبح اليوم مجتمعا حيويا طليقا.
واعتبر أن نجاح مشروع إعادة إكثار السمك السرحاني في محمية الأزرق، نال اهتماما عالميا كبيرا، من حيث حصوله على جائزة شركة “فورد” العالمية في مجال البيئة، وكذا إصدار الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، تقريرا يشير إلى أن مشروع إكثار السمك السرحاني في محمية الأزرق من أكثر مشاريع الإكثار نجاحا على المستوى العالمي.
ويتواجد في المحمية، ما يقارب 141 نوعا مختلفا من النباتات خاصة منها المائية مثل الحلفاء والقصيب الفارسي، والسمار والعرقد والأثل العطري المحلي، بالإضافة إلى ما يزيد عن 81 نوعا من الطحالب، وأكثر من 163 نوعا من اللافقاريات، ونحو 18 نوعا من الثدييات وما يزيد عن 11 نوعا من الزواحف، ونوعين من البرمائيات و15 من الرعاشات ومثلها من الفراشات.
وبهدف تشجيع السياحة البيئية، تقدم محمية الأزرق المائية، العديد من الخدمات من خلال “نزل الأزرق”، البناية التي تقع على مسافة قريبة من المحمية، والمشيدة في الأربعينات من القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية كمستشفى عسكري ميداني للجيش البريطاني آنذاك، وفيما بعد استخدم هذا الموقع كمبان حكومية.
وفي عام 1966 اتخذه مجموعة من الصيادين كمركز لهم في المنطقة حيث نظموا أنفسهم في ما يسمى نادي الصيد الملكي والذي عمل بداية على تنظيم مواسم الصيد وتحديد أنواع وأعداد الطيور والحيوانات التي يمكن صيدها وذلك بعدما وجدوا بأن بعض هذه الطيور والحيوانات قد انقرض من المنطقة والبعض الآخر أصبح مهددا بالإنقراض.
وبعد ذلك، يعتبر هذا النادي، بحسب الخريشة، نواة للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، والتي أصبحت الآن مؤسسة وطنية تطوعية رائدة في مجال حماية الطبيعة وتنمية المجتمعات المحلية، وإنشاء المحميات الطبيعية، وتقوم على تطبيق قانوني الصيد والزراعة وتقدم الدعم التقني والتدريب المستمر في مجال حماية الطبيعة.
وأضاف أن الموقع استخدم فيما بعد كمحطة تقيم به البعثات العلمية من علماء وباحثين وباختلاف اهتماماتهم العلمية سواء البيئية أو الأثرية منها، مشيرا إلى أنه أعيد بناء “نزل الأزرق” حديثا ليصبح اليوم معلما سياحيا بارزا في المنطقة حيث يحتوي على 16غرفة.
وفي هذا الصدد، يؤكد الخريشة، على الأهمية التي تحظى بها المحمية اليوم والتي لا تقل عن ماضيها على الصعيد البيئي، من خلال الفوائد الكثيرة التي تقدمها للمجتمع المحلي من بينها مضاعفة فرص العمل وتقديم الدعم لمبادرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بأهداف صون الطبيعة، حيث أضحت المحمية بالنسبة له مؤسسة وطنية رائدة ومركز إشعاع علمي ومعرفي لمختلف العلوم وتشرك المجتمع المحلي بعوائد التنمية مما أعطاها اهتماما محليا ودوليا.
ومن أجل رفع الوعي البيئي لدى الطلبة، وخلق جيل متصل بالمحمية، أشار مدير المحمية إلى أنه تم إحداث سبعة أندية حماية الطبيعة والتي يتم العمل معها ضمن برامج تعليمية بيئية مثل برنامج فارس الطبيعة، والزيارات العكسية، وعلماء البيئة الصغار، ونوادي الطيور، ونوادي النباتات، ونموذج الفيزيائي لحوض الأزرق المائي، وغيرها من البرامج البيئية.
ومؤخرا، وعلى هامش مؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية، في نونبر الماضي، تم الإعلان عن انضمام محميتي الأزرق وغابات عجلون، الأردنيتين، إلى “القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة”، والذي يعتبر الإعلان الرسمي لأفضل المناطق المحمية إدارة على مستوى العالم.
واعتبرت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، أن هذا الإعلان، يأتي بعد عملية تقييم مكثفة استغرقت ستة أشهر، تم فيها تقييم المحميتين بناء على عدة معايير تتعلق بالحكامة الجيدة، وسلامة التصميم والتخطيط، وفعالية الإدارة، وجودة مخرجات برامج صون الطبيعة.
وأضافت الجمعية، التي تتبنى أفضل الممارسات البيئية العالمية لتعزيز الإدارة والاستدامة البيئية في المحميات الطبيعية، أن هذا الانجاز، جاء نتيجة وثمرة للتعاون المشترك بين العديد من شركاء الجمعية على رأسهم وزارة البيئة، والدعم المستمر لأعضاء الفريق العاملين في المحميات الطبيعية، بالإضافة إلى أنه يعتبر ثمرة للجهود الوطنية في مجال حماية الطبيعة على المستوى العالمي.
واليوم، تبذل الجمعية جهودا مكثفة بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية، لتقنين الضخ العشوائي للمياه من المحمية للأغراض الزراعية بهدف المحافظة عليها وانقاذها من خطر الجفاف الذي يشكل التحدي الرئيسي الذي يواجه المحمية والذي من شأنه أن يؤدي إلى فقدان العديد من الكائنات الحية التي تعتمد في وجودها على هذه البقعة الخضراء.