الخلفي: تعميق مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي خطوة أساسية في تجديد النموذج التنموي للمغرب

0

سناء بنصري: أكد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، السيد مصطفى الخلفي، أن تعميق مسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي يشكل خطوة أساسية في تجديد النموذج التنموي للمغرب.

وأبرز السيد الخلفي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء حول حصيلة العمل الحكومي لسنة 2018، أنه رغم المؤشرات الإيجابية التي تم تسجيلها خلال هذه السنة على عدة مستويات، فإن هناك حاجة متزايدة إلى بذل مجهود تنموي أكبر بالنظر لكون التحديات تفوق الإنجازات.

فبخصوص المحور الاجتماعي، أكد الوزير أن سنة 2017- 2018 كانت محكومة بتوجه اجتماعي يروم إنصاف الفئات الهشة والفقيرة ومواجهة إشكاليات القدرة الشرائية ودعم الطبقة الوسطى، معتبرا أن الخطوات التي تم قطعها، رغم أهميتها، لا تزال في البداية لأن حجم المشكل الاجتماعي كبير، ويقتضي معالجة عميقة. وأوضح أنه تمت تعبئة عدد من الإمكانيات والقيام بخطوات عملية ملموسة، في مقدمتها التركيز على قطاع التعليم، الذي عرف خلال السنتين السابقتين تخصيص 70 ألف منصب مالي للتمكن من محاربة الهدر المدرسي والاكتظاظ، “وهي نسبة كبيرة وغير مسبوقة” وكلفت 7 مليارات درهم، مشددا على أنه لا يمكن رفع جودة التعليم من دون الاستثمار في الموارد البشرية. وأضاف أنه تم لنفس الغرض تطوير نظام “تيسير”، الذي أثبت فعاليته في محاربة الهدر المدرسي في المناطق التي شهدت تطبيق هذا النظام، حيث عرفت أزيد من 400 جماعة انخفاضا كبيرا في نسب الهدر المدرسي، مسجلا أن الحكومة تتجه نحو تعميم هذا النظام في كل الجماعات، ورفع عدد المستفيدين منه من حوالي 700 ألف طفل إلى أزيد من مليوني طفل، بغية تقليص نسبة الهدر المدرسي في العالم القروي من 5,7 في المئة إلى 1 في المئة، وفي التعليم الإعدادي من 12 في المئة كمعدل وطني إلى 1 في المئة أو أقل خلال عشر سنوات، بكلفة تقارب 2 مليار درهم.

وفي إطار البرامج الاجتماعية المرتبطة بمنظومة التعليم، أكد السيد الخلفي أنه تم إقرار منحة جامعية لأول مرة لطلبة التكوين المهني الحاصلين على شهادة الباكالوريا، بالإضافة إلى الرفع من عدد الطلبة الجامعيين الممنوحين، ليصل العدد الإجمالي للمستفيدين من المنحة إلى 440 ألف طالب، معتبرا أن الأمر يتعلق بمجهود كبير رغم أن 20 في المئة من المستحقين للمنحة لا يستفيدون منها بعد.

وقال إن هذه الإجراءات جعلت ميزانية التعليم تصل إلى 68 مليار درهم، في الوقت الذي كانت تراوح فيه قبل 10 سنوات 36 مليار درهم، مركزا على أن ميزانية بهذا الحجم توجه رسالة إلى المجتمع مفادها أن الحكومة تعطي الأولوية للتعليم، وأن “القول بأن الدولة تنوي التخلي عن هذا القطاع غير صحيح، لأن الأمر يتعلق بخيار انخرط فيه المغرب إيمانا منه بأن الرأسمال البشري يعد أحد مرتكزات تجديد النموذج التنموي”.

وأشار الوزير أيضا إلى إجراء تعميم التعليم الأولي تدريجيا، من خلال استفادة 100 ألف طفل إضافي بميزانية مليار و365 مليون درهم، “وهو إجراء دال”، فضلا عن المصادقة على مشروع القانون الإطار للتربية والتكوين الذي يعتبر، حسب السيد الخلفي، أحد الإصلاحات الكبرى لسنة 2019 والذي سيشكل نقلة نوعية في مسار التعليم في المغرب.

وارتباطا بالشق الاجتماعي، وفي ما يتعلق بالصحة، سجل الوزير أن هذا القطاع يواجه عدة تحديات، في مقدمتها ولوج المواطنين لخدمة صحية جيدة وقريبة وفي الوقت المطلوب وتحقق العدالة بين المناطق، مشيرا إلى أن صعوبة هذا التحدي تعزى إلى وضعية الموارد البشرية والبنيات التحتية والتجهيزات الطبية، التي لا تسمح، برأيه، بتحقيق هدف ضمان حق الولوج للصحة للجميع.

وذكر في هذا الصدد بمؤشرين، يهم الأول عدد الأطر الطبية للساكنة، الذي يقدر في المغرب ب1,5 لألف نسمة، بينما المعدل العالمي يناهز 4,5 لألف نسمة، مبرزا المجهود الذي انخرطت فيه الحكومة برسم قانون المالية لسنتي 2018 و2019، حيث تضاعف عدد الأطر الطبية، كما تضاعفت ميزانية وزارة الصحة خلال السنوات العشر الأخيرة من 8 مليار درهم إلى 16 مليار درهم حاليا، وهو ما يفسر ضرورة الاستثمار في الموارد البشرية.

أما المؤشر الثاني، يضيف السيد الخلفي، فيتصل بحكامة نظام المساعدة الطبية “راميد”، إذ شكل مطلب إحداث هيئة مستقلة لتدبير نظام المساعدة الطبية موضع اتفاق بين الحكومة والبرلمان، باعتباره أحد مداخل حل مشكل حكامة نظام “راميد”، وصيانة هذا المكتسب.

وفي نفس السياق، يضيف الوزير ، واصلت الحكومة سياسة تخفيض ثمن الادوية، كما تم فتح العديد من المستشفيات، ومواكبة عدد من المراكز الاستشفائية، فضلا عن المصادقة على القانون المنظم لتعميم التغطية الصحية، “لأنه لا يمكن قبول أن يكون ثلث المغاربة خارج التغطية الصحية”.

من جهة أخرى، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أنه تم الشروع في تفعيل برنامج محاربة الفوارق المجالية، الذي يهم حوالي 22 ألف دوار على المستوى الوطني، بميزانية سنوية تقديرية ب7 ملايير درهم، وهو البرنامج الذي سيمثل تحولا بالنسبة للمغرب، مشيرا إلى أنه سيتم خلال الفترة 2017-2019 إنجاز 40 في المئة من البرنامج الذي يشمل الطرق والكهرباء والصحة والماء الصالح للشرب والتعليم.

وفي سياق متصل، أكد الوزير أن تلبية الحاجيات الاجتماعية والنهوض بمستوى عيش المواطن يقتضي مجهودا تنمويا كبيرا، موضحا أن الحكومة تشتغل على رؤية تقوم على تجديد النموذج التنموي، لأن نسبة النمو المسجلة بالمغرب غير كافية، ولأن مايحتاجه الاقتصاد الوطني وهو ضعف المعدل الحالي للتمكن من توفير مناصب الشغل الكافية وتحسين القدرة الشرائية ومستوى الدخل.

واستعرض السيد الخلفي عددا من المؤشرات الإيجابية التي سجلها الاقتصاد الوطني خلال هذه السنة، وفي مقدمتها مؤشر الاستثمار الأجنبي بالمغرب، الذي تجاوزت مداخيله عند متم أكتوبر الماضي 39 مليار درهم، بزيادة بنسبة 41 في المئة مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، لتصل قيمة الاستثمارات الأجنبية منذ سنة 2012 إلى حدود السنة الحالية 256 مليار درهم، وهو ما يعكس أن جاذبية المغرب في ارتفاع.

وتطرق الوزير أيضا إلى قطاع التصدير الذي عرف بدوره وتيرة تصاعدية رغم العجز التجاري، مشيرا إلى أن نسبة تغطية الصادرات للواردات لم تكن تصل خلال سنة 2012 إلى 50 في المائة، فيما تجاوزت اليوم 57 في المئة، نتيجة تزايد صادرات قطاعات السيارات والنسيج والجلد والطائرات والصناعات الغذائية، إضافة إلى الفوسفاط.

وارتباطا بنفس الموضوع، أبرز السيد الخلفي أن وتيرة الاستثمار العمومي شهدت منحى تصاعديا، حيث ستصل ميزانية استثمارات القطاع العمومي خلال السنة المقبلة إلى 73 مليار درهم، بزيادة 5 مليار درهم، وهو ما من شأنه إحداث مناصب شغل في المقاولات، علما أن 100 ألف منصب شغل مرتبطة بالاستثمارات العمومية.

وكإجراءات تحفيزية، أشار الوزير إلى تخفيض الضريبة على الشركات ذات الأرباح أقل من مليون درهم وأزيد من 300 ألف درهم ب 2,5 في المئة، وإلغاء الديون المتعلقة بالقروض الممنوحة للمقاولين الشباب من طرف الدولة، بالإضافة إلى تصفية دين الضريبة على القيمة المضافة بقيمة 40 مليار درهم. وتروم هذه التدابير إحداث فرص الشغل، حيث تم تسجيل منحى إيجابي في هذا المجال حسب المعطيات الأولية لسنة 2018، التي تفيد بأنه تم إلى حدود شهر شتنبر إحداث ما مجموعه 122 ألف منصب شغل.

وخلص السيد الخلفي إلى أن التحدي الكبير يتمثل في رفع معدل النمو، مؤكدا الحاجة إلى تغيير عميق في النموذج التنموي للمغرب عبر توفير مصادر جديدة للنمو وبروز قطاعات اقتصادية جديدة ومضاعفة وتيرة اشتغال القطاعات الاقتصادية الحالية، وكذا تطوير حكامة المجال الاقتصادي والالتقائية بين السياسات.

سياسا، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة أن سنة 2018 لم تكن بالسنة السهلة على المستوى السياسي، حيث برزت صعوبات وتحديات، قابلتها خطوات دالة تمثلت على الخصوص في المصادقة على القانون المتعلق بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، باعتباره خطوة نوعية، وتنزيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، وإرساء الهيئة المركزية للنزاهة والوقاية من الرشوة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى أن تصنيف المغرب في مؤشر الرشوة “يبقى نقطة سلبية وينعكس سلبا على جذب الاستثمارات” .

وتعزيزا للنزاهة والمنافسة الشريفة، تم في قطاع المعادن سحب حوالي 1400 رخصة، وإرساء قانون جديد في مجال المقالع، فضلا عن الإعلان نهاية سنة 2017 عن خطة العمل الوطنية للنهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان، مذكرا في هذا الصدد ببرنامج “مصالحة” الذي أسفر عن عملية عفو عن المعتقلين في ما يسمى بالسلفية.

من جهة أخرى، سجل الوزير التقدم الحاصل في تنزيل الجهوية، التي كان من أكبر تحدياتها استكمال المنظومة القانونية من المراسيم التطبيقية، حيث تم اعتماد 70 مرسوما مع حلول يناير 2018.

وفضلا عن هذه الإجراءات، تمت المصادقة عند نهاية أكتوبر الماضي على ميثاق اللاتمركز في مجلس الحكومة، وهو الميثاق الذي يعتبر مهما لمواكبة تنزيل البرامج الجهوية، كما شهدت سنة 2018، يضيف السيد الخلفي، اعتماد إطار مرجعي يمكن من اعتماد برامج التنمية الجهوية في إطار التعاقد مع الدولة.

وتميزت السنة المنتهية، على المستوى السياسي، أيضا بتحقيق تقدم في تنزيل منظومة العرائض التي تعد من مقومات الديمقراطية التشاركية، وإحداث هيئات التشاور العمومي، وصدور القانون المنظم للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، وكذا قانون هيئة المناصفة ومكافحة أشكال التمييز، علاوة على إرساء منصات المشاركة المواطنة لاستثمار ما تتيحه التكنولوجيا الرقمية في هذا المجال.

وخلص السيد الخلفي إلى أن المسار السياسي يواجه تحديات أبرزها التواصل وتدبير العلاقات بين الفرقاء السياسيين، وهو ما يجعل من الإصلاح السياسي ورشا وتحديا يتطلب مزيدا من التعميق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.