عام 2018 : الهجرة والأمن محوران استراتيجيان في التعاون الإسباني المغربي

0

محمد توفيق الناصري : واصلت الشراكة الاستثنائية والمتميزة بين المغرب وإسبانيا ترسيخ أسسها ودعم مكوناتها خلال سنة 2018 في العديد من المجالات لاسيما في قضيتي الهجرة والأمن وهما مكونان أساسيان تم تعزيزهما وتقويتهما كمحورين استراتيجيين للتعاون الثنائي .

إذا كان نطاق العلاقات الاقتصادية المتميزة بين البلدين لم يعد بحاجة إلى تأكيد ما دامت إسبانيا أضحت أول شريك تجاري للمغرب ( أول مورد وأول زبون ) فإن الهجرة والأمن أصبحا يحتلان مكانا محوريا في دينامية التعاون بين المملكتين .

وبالفعل فقد أقام كل من المغرب وإسبانيا تعاونا مثاليا في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى جانب مختلف أشكال الجريمة خاصة ما يتعلق بالإرهاب حيث أضحى التعاون بين الأجهزة الأمنية ووزارتي الداخلية في البلدين نموذجا يحتذى في مجال التعاون الإقليمي .

وقد تم خلال السنة الجارية الإشادة أكثر من مرة ومن أعلى المستويات بجهود المغرب في ميدان مكافحة الهجرة غير الشرعية خاصة من طرف بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا .

فبعد أيام قليلة من وصول الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني إلى السلطة شهر يونيو الماضي سلط السيد بيدرو سانشيز الضوء أمام مجلس النواب على ” دور المغرب الاستراتيجي ” في ميدان مكافحة الهجرة غير الشرعية مؤكدا أن المملكة المغربية تساهم بطريقة “حاسمة وفعالة ” في الحد من تأثير المآسي الإنسانية لهذه الظاهرة .

وبدوره قال وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا خلال زيارة العمل إلى مدريد التي قام بها وزير الداخلية السيد عبد الوافي لفتيت شهر أكتوبر الماضي ” إن المغرب هو شريك متميز لإسبانيا ويجب أن يبقى كذلك ” في مجالات الأمن والهجرة .

لقد تجاوز التعاون المغربي الإسباني في ميدان مكافحة الهجرة غير الشرعية عام 2018 الإطار الثنائي الصرف لينتقل إلى نطاق أوسع لاسيما في إطار الاتحاد الأوربي الذي أعرب خلال قمة رؤساء الدول والحكومات التي عقدت يومي 17 و 18 أكتوبر الماضي ببروكسل عن دعمه لاقتراح تقدمت به إسبانيا من أجل وضع خطة عمل لمواكبة المغرب في تدبير تحديات الهجرة .

وقد تم دعم هذا الاقتراح الذي قدمه رئيس الحكومة الاسبانية بيدرو سانشيز من طرف رئيس المجلس الأوربي دونالد تاسك وكذا رئيس المفوضية الأوربية جان كلود جونكر وتتضمن هذه المبادرة ” مساهمة مالية لا تقل عن 140 مليون من الأموال الأوربية ” لدعم جهود المغرب في تدبير تدفقات الهجرة .

كما شكلت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المغرب شهر نونبر الماضي مناسبة لتجديد التأكيد على الرغبة التي تحدو البلدين من أجل دعم وتقوية تعاونهما خاصة في مجالات الأمن والهجرة .

وقال سانشيز في ندوة صحفية في أعقاب لقاء عقده خلال زيارته للمغرب مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني إن ” إسبانيا والمغرب ليسا صديقين وجارين فحسب بل شريكين استراتيجيين على وجه الخصوص كما أن الحكومتين تتقاسمان نفس الرؤية بشأن كيفية مواجهة التحديات المشتركة ” .

ولا يقتصر التعاون بين الرباط ومدريد على القضايا التي تهم مكافحة الهجرة غير الشرعية فقط ولكنه يشمل أيضا الهجرة النظامية كما يتضح ذلك من خلال العدد الكبير من النساء المغربيات العاملات في القطاع الفلاحي اللواتي يغادرن كل سنة في اتجاه إسبانيا للاشتغال في الحقول .

ومن بين الدلائل على نجاح هذا الشق من التعاون في ميدان الهجرة الشرعية بين البلدين عملية 2019 الخاصة باختيار العاملات المغربيات في المجال الفلاحي اللواتي يتوجهن للاشتغال في حقول الخضراوات والفواكه بإسبانيا والتي ستهم حوالي 20 ألف عاملة بزيادة تقدر بحوالي 4000 عاملة مقارنة مع عام 2018 كما أعلن عن ذلك وزير التشغيل والإدماج المهني محمد يتيم .

وفي نفس السياق عقدت المجموعة المختلطة الدائمة المغربية الإسبانية المكلفة بقضايا الهجرة اجتماعها الثامن عشر في شهر شتنبر الماضي بمدينة الصويرة وهو اللقاء الذي تمحور حول بحث ومناقشة القضايا المتعلقة بالهجرة .

وعلى هامش هذا الاجتماع أشاد كونسيولو رومي كاتب الدولة الإسباني في شؤون الهجرة بالمبادرة الملكية في مجال تدبير تدفقات الهجرة واعتبرها ” نموذجا يقتدى به ومرجعا في جميع أنحاء القارة الإفريقية ” .

أما في المجال الأمني فقد استمر التعاون بين الأجهزة الأمنية في كلا البلدين مما ساهم في إلقاء القبض على خلايا إرهابية بكل من المغرب وإسبانيا كما حدث في شهر غشت الماضي بفيتوريا ( شمال إسبانيا ) حين تم بتعاون مع السلطات المغربية اعتقال عضو في منظمة ( داعش ) الإرهابية كان يقوم لفائدتها بمهام التجنيد والاستقطاب .

كما أعلنت السلطات المغربية في ماي 2018 عن تفكيك ” خلية إرهابية ” مرتبطة بالجماعة المعروفة باسم ” الدولة الإسلامية ” تتكون من خمسة أعضاء تتراوح أعمارهم بين 22 و 33 سنة وذلك خلال عملية مشتركة نفذت بين المغرب وإسبانيا .

وقد تم اعتقال ثلاثة أفراد من هذه الخلية بالفنيدق بتعاون وتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسبانية بينما اعتقل الاثنان الآخران اللذين يحملان الجنسية المغربية والسنغالية ببلباو شمال إسبانيا .

وتعكس العديد من الإجراءات والمبادرات التي اتخذتها إسبانيا والمغرب في عام 2018 الاهتمام الكبير الذي يوليه البلدان لدعم وتعزيز وتعميق شراكتهما في مجالات الهجرة والأمن من أجل إعطاء دفعة أكبر للعلاقات الثنائية في هذه المجالات وبالتالي الاستفادة أكثر من مختلف أوجه التكامل بين البلدين خدمة لمصالحهما متعددة الأبعاد .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.