انتفاضة 7 و8 دجنبر 1952 بالدار البيضاء : ثورة شعبية ضد الاستعمار و تجسيد لعمق الكفاح المغاربي المشترك
بحلول يوم سابع دجنبر الجاري، تكون قد مرت 66 سنة عن انتفاضة 7 و8 دجنبر 1952 بالدار البيضاء ضد الاستعمار الفرنسي، حين هبت ساكنة المدينة ثائرة في وجه قوى الاستعمار، بعد جريمة اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم الجمعة 5 دجنبر 1952 ، وهي انتفاضة جسدت عمق الكفاح المغاربي المشترك ،و فرصة لاستحضار الحمولة النضالية للحركة الوطنية والطبقة العاملة المغربية وأدوارها الرائدة في تعميق الوعي الوطني وتجدير القيم الوطنية.
وأفادت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في بلاغ لها بالمناسبة أن هذه الانتفاضة تشكل حدثا تاريخيا عبر من خلاله الشعب المغربي عن تضامنه مع شقيقه التونسي حين امتدت يد المستعمر الفرنسي لاغتيال الزعيم النقابي التونسي والمغاربي فرحات حشاد ، مما يعكس الروح الوحدوية والقيم النضالية ومشاعر التضامن التي تحلى بها في مواجهة الاحتلال الاجنبي، ذودا عن وحدة الأوطان وعزتها ، ووفاء للمثل والمبادئ والوشائج التي تشكل الوجدان المغاربي.
وعلى إثر ذلك- يضيف المصدر ذاته- فقد أقدمت القوات الاستعمارية على محاصرة العمال المتجمهرين بمقر المركزية النقابية وعرضتهم لشتى أنواع البطش والقمع والاضطهاد، إذ اعتقلت منهم المئات وزجت بهم في غياهب السجون فضلا عن تسخيرها لعصاباتها المدججة بمختلف أنواع الأسلحة لمواجهة المتظاهرين العزل والتنكيل بهم، ومهاجمة مواكب جنائز الشهداء وجثامينهم الطاهرة في تحد سافر وخرق صارخ لأبسط حقوق الانسان والحريات العامة والكرامة الانسانية.
وأكدت المندوبية أن هذه المحطة البطولية التي مرت عليها 66 سنة، تعود بذكريات الشعب المغربي ، وفي طليعته أسرة المقاومة وجيش التحرير، إلى صورة التضامن العميق والتلاحم الوثيق بين الأشقاء بالمغرب العربي الكبير وتكاثفهم وتآزرهم في مواجهة الشدائد ومقارعة النوائب، إدراكا منهم لأهمية الكفاح المشترك سبيلا لصون مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية ، وإيمانا من الشعوب المغاربية التواقة إلى التحرر والكرامة ووحدة المصير، واقتناعها الراسخ بأن قوتها تكمن في تكتل كياناتها والتنسيق بين الاقطار.
وأبرزت أن اغتيال الزعيم النقابي التونسي المغاربي فرحات حشاد كان بمثابة النقطة التي أفاضت كأس الغضب والاستنكار في الاوساط الشعبية جراء الفظاعات التي ارتكبها المحتل الاجنبي في حق الساكنة من مصادرة للأراضي وتشريد للعائلات واعتقال للمناهضين لسياسته ومصادرة للحريات العامة الفردية والجماعية ولحقوق الانسان، مشددة على أن هذه الاحداث لم تكن إلا حافزا لتقوية الحس الوطني ولتعميق الوازع النضالي في صفوف الجماهير الشعبية ولتقوية العمل النقابي.
وذكرت المندوبية بأن الزعيم النقابي فرحات حشاد أقدم على نذر حياته للنضال في سبيل ارساء دعائم العدالة الاجتماعية وتثبيت الحقوق النقابية والسياسية وحمايتها وضمان ممارستها وتأسيس اتحادات وتكثلات نقابية قوية وانفتاحه على العالم الخارجي ومد جسور التواصل مع التنظيمات النقابية النظيرة الى الحد الذي أصبح معه مصدر ازعاج للسلطات الفرنسية، التي قررت الحد من طموحات هذه الشخصية الفذة التي ذاع اشعاهها على الساحة النقابية محليا وجهويا وقاريا ودوليا.
وبإخماد أنفاس هذا المناضل الوطني النقابي الشهم صباح اليوم الخامس من دجنبر 1952 توهم الارهاب الاستعماري أنه بجريمته النكراء سيتمكن من وضع حد للروح الوطنية ولشعلة الافكار التحررية بالمنطقة المغاربية التي اهتزت شعوبها لهذا الفعل الشنيع، حيث عمت المظاهرات والانتفاضات ومظاهر الاستنكار بالحواضر والبوادي في المنطقة المغاربية إذ اندفعت الجماهير غير مبالية بجبروت المستعمر ووسائل ترهيبه وآليات قمعه، مسجلة أروع صور التضامن والتكافل والوفاء للأواصر الوطيدة والوشائج القوية التي تجمع بين الاشقاء والنابعة من قيم الدين واللغة والجغرافية والتاريخ المشترك والمصير الواحد.
وأكدت أن الشعب المغربي، وهو يخلد هذه الذكرى الغالية، فإنه يستحضر الآمال التي ظلت الشعوب المغاربية تتطلع إليها منذ عدة عقود بتحقيق الوحدة والتكامل، والتي ظلت مجرد مشروع يتأجل باستمرار جراء نزاعات هامشية مفتعلة ومواقف مزاجية وأطماع وهمية لفرض الهيمنة والتوسع في منطقة المغرب العربي الكبير.
وأضافت أن المغرب، الذي ظل دائما قلعة شامخة للجهاد وعرينا محصنا للمقاومة والنضال، ليجدد استعداده وجاهزيته للتعاضد والتضامن مع الأشقاء في أفق بناء الوحدة المنشودة والسعي لتدارك الفرص الضائعة وتجاوز النزاعات المجانية التي ظلت تقف حجر عثرة في وجه إقلاع اقتصادي حقيقي بمنطقة المغرب العربي، مجددة الدعوة إلى صيانة الذاكرة التاريخية المشتركة وإلى إبراز أمجادها وملاحمها واستلهام قيمها وعبرها بما يشحذ الهمم ويذكي العزائم ويوطد العلاقات والمصالح بين بلدانها مجتمعة.