تحتفل الأمم المتحدة، يوم الخميس، باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، والذي يصادف التاسع والعشرين من نونبر من كل عام، وهو اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم سنة 1947.
ويشكل هذا اليوم العالمي فرصة ومناسبة لتذكير العالم والقوى الفاعلة فيه بحقيقة المأساة الفلسطينية والظلم الذي تعرض له شعب فلسطين نتيجة قرار التقسيم، حيث تحول هذا الشعب إلى مجموعات من اللاجئين الموزعين في شتى بقاع الأرض.
كما يمثل هذا اليوم مناسبة لتذكير المجتمع الدولي بحقيقة أن قضية فلسطين لم تحل بعد، رغم كل الجهود والمساعي والمبادرات والمفاوضات والزيارات والجولات الاستطلاعية في الشرق الأوسط، التي قام بها مئات المسؤولين والوفود من الدول الأجنبية، فضلا عن أن الشعب الفلسطيني الذي يبلغ تعداده ما يزيد على ثمانية ملايين نسمة، لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة، وتشمل الحق في تقرير المصير دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال الوطني والسيادة، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها بالقوة والإرهاب.
واستجابة لدعوة موجهة من الأمم المتحدة، تقوم الحكومات والمجتمع المدني سنويا بأنشطة شتى احتفالا بالمناسبة، تشمل إصدار رسائل خاصة تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وتنظيم وعقد اجتماعات، وتوزيع مطبوعات ومواد إعلامية خاصة بالقضية والحقوق الفلسطينية.
وفي مقر الأمم المتحدة بنيويورك، تعقد اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف جلسة خاصة، كما تفتتح اللجنة وبعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة معرضا للصور الفوتوغرافية بعنوان “حقوق لم تؤد، وعود لم تنفذ.. 70 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونكبة الشعب الفلسطيني” في البهو الرئيسي لزوار مقر الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وفي رسالة أصدرها بهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، “يقام اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام في وقت يشهد مزيدا من الاضطراب والقلاقل والمعاناة الشديدة. ويواجه الكفاح الفلسطيني المستمر منذ عقود من أجل تقرير المصير والاستقلال وحياة كريمة عقبات عديدة، منها استمرار الاحتلال العسكري للأراضي الفلسطينية، والعنف المستمر والتحريض، واستمرار بناء المستوطنات وتوسيعها، والغموض الشديد بشأن عملية السلام، وتدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية، لا سيما في غزة”.
وأضاف أن “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) توفر خدمات لا غنى عنها وتحتاج إلى دعمنا الكامل”، متابعا “إنني أحث إسرائيل وفلسطين وجميع الدول الأخرى التي لها نفوذ على الوفاء بوعد حل الدولتين واستعادة جدواه على أساس قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام ووئام داخل حدود آمنة ومعترف بها وتكون القدس عاصمة لكليهما”.
وقال “نجدد التأكيد على التزامنا بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وبناء مستقبل من السلام والعدالة والأمن والكرامة للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء”.
ولم تتوقف أطماع إسرائيل عند الحدود التي حددها قرار التقسيم، بل امتدت إلى البقية الباقية من أرض فلسطين، فمع اندلاع الحرب عام 1948 بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، توسعت الدولة اليهودية واستولت على77 في المئة من أراضي فلسطين، بما في ذلك الجزء الأكبر من القدس، وفي حرب عام 1967، احتلت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، التي ضمتها إسرائيل إليها لاحقا، كما احتلت سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وقد أسفرت هذه الحرب عن هجرة ثانية للفلسطينيين شملت أكثر من نصف مليون فلسطيني.
وقد جرت الكثير من المفاوضات العربية الإسرائيلية في مدريد وجنيف وأوسلو وواشنطن وكامب ديفيد وغيرها، لكنها أظهرت حقيقة واحدة هي أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا، وأن كل ما تريده وتخطط له هو المفاوضات من أجل المفاوضات، وكسب الوقت لتهويد المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وزرعها بالمستوطنات، وفرض أمر واقع فيها يقطع الطريق على ما يعرف بحل الدولتين، ويجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقات مرحلية بين إسرائيل وسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة والقطاع، إلا أن سلطات الاحتلال ضربت بهذه الاتفاقات عرض الحائط، وشنت العديد من الهجمات الوحشية على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الضفة والقطاع، والتي أسفرت عن آلاف الشهداء، ودمار هائل في المباني والمساكن والبنية التحتية.
ولعل من المناسب التنويه في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بأن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس حق العودة هو الأساس لأي تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي، كما أن الاحتفال يؤكد أيضا أن القضية الفلسطينية ستبقى رغم المحن عصية على النسيان وتتوارثها الأجيال، وأن حقوق شعب فلسطين في العودة وبناء دولته المستقلة على أرضه لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن.
واحتفاء باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يشكل عنوانا لروح النضال والتضحية، ويعتبر معلما بارزا في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني البطل، باعتباره اليوم الذي أعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية، وحقهم في الدفاع عن وجوده، رغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل، وسرقة الآثار الفلسطينية والانتهاكات المستمرة للمقدسات، وفي مقدمتها المسجد الأقصى الذي باركه الله تعالى، وهو أولى القبلتين.