شريط “لعزيزة” للمخرج المغربي محسن البصري رحلة إنسانية مفعمة بالحزن والشجن

0

جواد التويول: كل من شاهد شريط “لعزيزة” للمخرج المغربي محسن البصري، الذي عرض مساء أمس الخميس،بدار الأوبرا المصرية ضمن فعاليات الدورة ال40 لمهرجان القاهرة السينائي الدولي، (20-29 نونبر) إلا وخرج بانطباع أساسي يفيد بكون هذا العمل الروائي الطويل، تجربة انسانية اختزلت بين ثناياها واقعا مرا يرفل بأحاسيس انسانية عميقة لكنها مفعمة بالشجن والمعاناة.

شريط “لعزيزة”، الذي يتنافس ضمن مسابقة “آفاق السينما العربية”، رصد رحلة حافلة بالمعاناة لإمرأة وهي “لعزيزة”، (أدت الدور بشكل لافت الممثلة فاطمة الزهراء بناصر)، تواجه مصير حياتها بإصرار وتحد عارم من اجل مواجهة صعاب الزمن، بعدما تركها زوجها وهي حامل في شهرها السابع.

طيلة ساعة ونصف، ظلت لعزيزة (في الواقع والدة المخرج) تلك المرأة “العظيمة”، التي أبت إلا أن تتنازل عن حضانة ابنها وتلحقه بوالده المقيم بالرباط، المدينة “الساحرة” التي توفر كل سبل ووهج العيش لفلذة كبدها “إحسان” الذي ترعرع في كنفها بإحدى قرى مدينة قصر السوق (الراشيدية حاليا)، بعدما صار طفلا يافعا في سن التمدرس حتى يلتحق بفصول المدرسة ويعيش زمنه الطفولي كسائر أقرانه من الأطفال.

تجربة إنسانية أراد من خلالها محسن البصري أن ينتصر لأمه ويوجه لها رسالة شكر، لأنها أهدته الكثير ليحلق في سماء النجاح ويتابع دراسته بإصرار وعنفوان إلى جانب والده (ادى الدور رشيد الوالي).

يقول المخرج في رده على سؤال لوكالة المغرب العربي للأنباء، في ندوة أقيمت بعد انتهاء العرض، “لا يهمني من تابع الشريط أو لم يتابعه إلى نهايته، أنجزت الفيلم وأنا مقتنع برسالته التي تنبع من ذاتي ودواخلي طيلة فترة طفولتي التي قضيتها ما بين الراشيدية والرباط”، مشيرا إلى أن “لعزيزة” ليس شريطا عاديا كما يبدو للبعض لأنه في الواقع “رصد حميمي لعلاقة ابن بوالدته ولحظة اعتراف لتضحيات الأمومة في زمن المعاناة من أجل مصلحة ابنها حتى ينعم بحياة عادية ويستشرف مستقبلا واعدا”.

وأضاف البصري، الشريط “ليس ايضا صرخة مولود جديد، كما حاولت أن أصور ذلك في أول مشاهده، بل هو تكريم لكل الأمهات الأبيات اللواتي يتنازلن عن حقوقهن من أجل مصلحة أبنائهن”.

الفيلم أيضا وإن كان حافلا بصور المعاناة، إلا أن كاميرا المخرج ركزت على تفاصيل دقيقة، لترصد نظرات الحزن والوجع كما بدا ذلك على قسمات وجه “لعزيزة” وهي تسافر مع ابنها على متن حافلة في رحلة طويلة (ما بين إحدى قرى قصر السوق والرباط) لكنها كانت قصيرة جدا، مقدمة صورة جلية عن معاناة الأم من لحظات الحمل الى فترة الولادة و”التربية”…

“لعزيزة” عنوان حمل اسم بطلة الشريط وهي الشخصية الرئيسية، مجسدا إصرارها وحرصها وثباتها الرمزي على صفة العزة والكرامة، لأنها حرمت من متابعة دراستها اثناء صغرها وبقيت حبيسة جدران بيت والديها، لكنها ورغم طلاقها من زوجها، أبت ألا يكون مصيرها هو نفس مصير ابنها “إحسان” لتقرر اعادته الى والده في الرباط بعد خمسة أعوام من ولادته، حتى يكون مصيره أفضل من مصيرها وإن كلفها ذلك “فقدانه” وابتعاده عنها.

فيلم مثقل بالأحاسيس الانسانية، ومقتبس من سيرة ذاتية، جسد تضحيات أم من أجل ابنها في سفر مليئ بالشجن، عكسته موسيقى تصويرية حزينة من كنه الطبيعة، لكنها لافتة ومفعمة بالأمل في غد أرغد..

والشريط من بطولة فاطمة الزهراء بن ناصر و سيف الدين بيركوات وعمر لطفي و رشيد الوالي وصوفيا عكاشة و زكرياء عاطفي وسيناريو محسن البصري، وتصوير دينيس جوتزيلر، ومونتاج نعيمة بشيري.

وتدور حكاية الفيلم حول زوج يترك زوجته “لعزيزة” دون أسباب، بينما هي حامل في شهرها السابع، لتلد في منزل شقيقها وتعيش فيه مع ابنها إحسان مولودها الذي رأى النور بعيدا عن ابيه.

وبعد عدة سنوات وعندما يحين موعد التحاق إحسان بالمدرسة، يبدي والده رغبة في استعادته، لكن لعزيزة وعلى عكس رفض أشقائها، تقرر أن تأخذ ابنها إلى عتبة البيت الذي كان مغلقا في وجهها في يوم من الأيام، وفي مخيالها فكرة واحدة هي أن مستقبل إحسان فوق كل اعتبار..

ومحسن البصري مخرج من مواليد سنة 1971، تابع دراسته الجامعية في الفيزياء بكلية العلوم بمدينة الرباط، لينتقل بعد ذلك إلى سويسرا لدراسة الإعلام، ويعمل مدرسا لمادة الرياضيات.

بعد تجارب متعددة كمساعد مخرج، قام البصري بإخراج فيلمين قصيرين، وشارك في كتابة سيناريو الشريط الطويل “عملية الدار البيضاء” لمخرجه لوران نيغر، ليخرج بعدها أول عمل روائي له “المغضوب عليهم”.

ويتنافس إلى جانب شريط “لعزيزة” ضمن مسابقة “أفاق السينما العربية” شريط “الجاهلية” للمخرج المغربي هشام العسري، إلى جانب 6 اشرطة طويلة أخرى وهي “عمرة والعرس الثاني” للمخرج السعودي حمود صباغ و”غذاء الحي” للمخرج اللبناني لوسيان بورجيلي و”غود مورنينغ” للمخرج الفرنسي اللبناني هيج حجيج و”فتوى” للمخرج التونسي محمود بنمحمود و”الكيلو 64″ للمخرج المصري أمير الشناوي و”ورد مسموم” للمخرج المصري أحمد فوزي صالح.

وتضم لجنة تحكيم هذه المسابقة، المخرج المصري أبو بكر شوقي والممثلة التونسية عائشة بن أحمد والمخرج الفلسطيني محمد قبلاوي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.