تمثل الجهوية المتقدمة آلية هامة لتعزيز التنمية البشرية من خلال منح الجهات المزيد من الصلاحيات لإدارة شؤونها بما يتناسب مع احتياجات سكانها. ورغم أنها توفر فرصا لتحسين الخدمات المحلية مثل التعليم والصحة، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة مثل ضعف التنسيق بين الجهات والحكومة المركزية، التفاوت في توزيع الموارد، ونقص الكفاءات المحلية.
وسيكون في المستقبل، من الضروري تعزيز القدرات الرقمية والتنظيمية للجهات، ومواكبة التحولات البيئية والإقتصادية، مع التركيز على العدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة لتحسين مستوى المعيشة وتطوير رأس المال البشري في كافة المناطق.
الجهوية المتقدمة، هي أحد المفاهيم التي تهدف إلى منح الجهات مزيدا من الصلاحيات في إدارة شؤونها، مع التأكيد على التنمية المستدامة والمساواة بين مختلف المناطق.
ومن خلال تطبيق الجهوية المتقدمة في العديد من الدول، خاصة في المغرب بعد الدستور الجديد لعام 2011، أصبح هذا النظام جزءا مهما من استراتيجيات التنمية البشرية. لكن تواجه هذه العملية العديد من التحديات التي تؤثر على قدرتها على تحقيق أهدافها، وخصوصا في مجال التنمية البشرية.
أولا: تحديات اليوم
1.ضعف التوزيع العادل للموارد: من أكبر التحديات التي تواجه الجهوية المتقدمة هي التفاوت الكبير بين الجهات في القدرة على جمع وتوزيع الموارد المالية. في بعض المناطق، قد تظل الموارد المالية محدودة، مما يؤدي إلى ضعف في توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على التنمية البشرية.
2.التنمية البشرية المتفاوتة: بالرغم من تحسينات ملحوظة في بعض الجهات، إلا أن هناك تفاوتا كبيرا في مؤشرات التنمية البشرية بين مختلف المناطق. بعض المناطق الحضرية تتمتع بمستوى عال من التعليم والصحة، بينما تعاني المناطق القروية والنائية من نقص في هذه الخدمات الأساسية، مما يعوق تعزيز رأس المال البشري.
3.البيروقراطية وضعف الكفاءات المحلية: ما زال هناك تحدي في تعزيز الكفاءات المحلية لتنفيذ مشاريع التنمية.
بعض الجهات تواجه صعوبة في تسيير الموارد البشرية بكفاءة، سواء في إدارة المشاريع أو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
4.غياب التنسيق بين الجهات: بالرغم من أن الجهوية المتقدمة تهدف إلى منح الجهات مزيدا من الإستقلالية، إلا أن هناك حاجة للتنسيق المستمر بين الحكومة المركزية والجهات لضمان تنفيذ سياسات التنمية البشرية بشكل متكام، هذا التنسيق قد يكون غائبا في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تأخير مشاريع التنمية.
ثانيا: تحديات الغد
1.التحول الرقمي والتعليم: مع تقدم التكنولوجيا، ستصبح الحاجة إلى تطوير مهارات السكان في مختلف الجهات أكثر إلحاحا، الجهوية المتقدمة ستكون مطالبة بتوفير التدريب والتعليم المناسب للمواطنين في مختلف المجالات التقنية، وهو ما يتطلب استثمارا كبيرا في البنية التحتية الرقمية، وبالتالي تأثيرا مباشرا على تحسين القدرات البشرية.
2.مواجهة التغيرات المناخية: ستكون الجهوية المتقدمة عاملا مهما في مواجهة التحديات البيئية في المستقبل، المناطق التي تعاني من تهديدات بيئية مثل الجفاف أو الفيضانات تحتاج إلى حلول محلية موجهة للحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز الزراعة المستدامة، وهو ما سيؤثر على التنمية البشرية من خلال تحسين مستوى المعيشة وجودة الحياة.
4.التخطيط المتكامل للتنمية المستدامة: سيستمر الضغط على الجهات لتنفيذ استراتيجيات التنمية المستدامة التي تهتم ليس فقط بالجانب الإقتصادي، ولكن أيضا بالجوانب الإجتماعية والبيئية، ستحتاج الجهوية المتقدمة إلى تحديد أولويات محلية واضحة تأخذ في الاعتبار تنمية الإنسان في مختلف أبعادها: الإقتصادية، الصحية، التعليمية والإجتماعية.
ثالثا: الجهوية المتقدمة والتنمية البشرية:
الربط بين الجهوية المتقدمة والتنمية البشرية أمر أساسي لضمان نجاح هذا النظام. من خلال تمكين الجهات من اتخاذ قرارات محلية أكثر مرونة، يمكن التركيز على احتياجات السكان بشكل أدق وأكثر توافقا مع خصوصياتهم المحلية. وهذا سيؤدي إلى:
1.تحسين الخدمات الأساسية: من خلال منح الجهات القدرة على إدارة الموارد بشكل أكثر فاعلية، يمكن تحسين خدمات التعليم والصحة والنقل، مما يساهم في تعزيز مؤشر التنمية البشرية.
2.دعم المشاريع المحلية: تمكين الجهات من تنفيذ مشاريع تنموية تلبي احتياجات السكان المحليين، مثل تحسين البنية التحتية، وخلق فرص العمل، وتنمية المهارات المحلية.
3.تعزيز المشاركة المجتمعية: الجهوية المتقدمة تعزز من قدرة المواطنين على المشاركة في اتخاذ القرارات المحلية، وهو ما يعزز من الوعي المجتمعي ويؤدي إلى تنمية بشرية مستدامة.
4.تحقيق العدالة الإجتماعية: من خلال تركيز الجهود على المناطق الأقل تطورا، يمكن تقليص الفجوات بين الجهات، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة ورفاهية السكان.
وهكذا فإن الجهوية المتقدمة تمثل فرصة لتحقيق التنمية البشرية على مستوى محلي، لكنها تواجه تحديات كبيرة في مواجهة التفاوتات الإقتصادية والإجتماعية، وضعف التنسيق، ونقص الموارد.
في المستقبل، سيتطلب الأمر تحسين التنسيق بين الجهات والحكومة المركزية، وتطوير الكفاءات المحلية، وتوفير الموارد اللازمة لتسريع عجلة التنمية.
عمر المصادي