التكلفة الباهظة للعلاج وإكراهات التكفل الاجتماعي تفاقمان معاناة مرضى الزهايمر وذويهم

0

تخلد دول العالم مجتمعة ومعها المغرب في 21 شتنبر من كل سنة، اليوم العالمي للزهايمر، الذي يمثل فرصة للتأمل في واقع معاناة ملايين الأشخاص المصابين بهذا الداء، نصف عددهم في دول العالم الثالث، وفي المتاعب النفسية والجسدية والمادية الناجمة عنه، في ظل تأكيد الطب على أن تدهور حالة المريض يصاحبه نسيان كل من حوله، ليتحول إلى “طفل صغير” يحتاج لمن يرعاه.

وتتفاقم معاناة مرضى الزهايمر وذويهم بسبب الألم المضاعف الناجم عن هذا الداء، فإلى جانب التكلفة الباهظة لعلاج الاضطرابات المرتبطة بهذا المرض، هناك إكراهات جمة مطروحة على مستوى التكفل الاجتماعي بالمرضى، ولاسيما بسبب غياب بنيات تحتية ت عنى بهذه الفئة الاجتماعية، في ظل تزايد مطرد لحالات الإصابة بهذ المرض المصنف ضمن أمراض الشيخوخة والذي ينتج عنه فقدان الذاكرة.

وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور محمد سكومي، أخصائي في جراحة الدماغ والأعصاب، أن مرض الزهايمر يصيب خلايا المخ ويتطور ليفقد الإنسان ذاكرته وقدرته على التركيز والتعلم، وقد يتطور الأمر إلى حدوث تغييرات في شخصية المريض، فيصبح أكثر عصبية أو قد يصاب بالهلوسة، مؤكدا أنه لا يوجد حتى الآن علاج لهذا المرض، إلا أن الأبحاث في هذا المجال تتقدم من عام لآخر. كما أكد أن هذه الأبحاث أثبتت أن العناية بالمريض والوقوف بجانبه يحققان نتائج أفضل مع الأدوية المتاحة. وبخصوص تشخيص المرض، أوضح الأخصائي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه في البداية، قد يلاحظ المصاب بالزهايمر اضطرابا خفيفا وصعوبة في التذكر، كأن ينسى ما تناوله في وجبة الغذاء أو العشاء مثلا، ولكنه لا ينسى أحداث مرت عليها سنوات عديدة، مضيفا أنه بعد ذلك يبدأ المريض تدريجيا في نسيان كل شيء، حتى الأشخاص المهمين في حياته. كما يتعرض في الغالب لتغيرات عديدة في شخصيته، كعدم ضبط الكلام، والعصبية الزائدة، إضافة إلى الاكتئاب المصاحب للمرض.

أما عن إمكانية العلاج، يقول الدكتور سكومي، ” إن هناك أدوية توقف فقط من تطور المرض بنسبة قليلة”، مسجلا أن تكلفة العلاج جد مرتفعة مما يجعل غالبية ذوي المرضى لا يعيرون أي اهتمام له، ويربطون المرض بتقدم العمر لا غير، لكنه شدد على ضرورة التوعية بالكشف المبكر عن المرض للتخفيف من وطأته وانعكاسه على المريض ومحيطه الاجتماعي.

ولأن مرضى الزهايمر بحاجة لمن يتكفل بهم ويرعاهم بشكل شبه كامل، لاسيما في ظل غياب مؤسسات متخصصة في استقبال هذه الفئة من المرضى، تعيش العديد من الأسر معاناة حقيقية ومآسي يومية في معركتها ضد المرض.

وفي هذا الصدد، تقول عائشة، وهي البنت البكر لسيدة تعاني من الزهايمر، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء ” تعاني والدتي من الزهايمر منذ ثلاث سنوات. لم تعد تتذكر شيئا لدرجة أنها لا تفرق بين أبنائها، وهو ما زاد من معاناتنا بسبب الحال الذي وصلت إليه والدتنا”، مضيفة أن الحالة الاجتماعية الضعيفة للعائلة تحول بينهم وبين طرق أبواب الأطباء المتخصصين في تتبع مثل هذه الحالات، ما يجعلهم يقتصرون على الاعتناء بها داخل المنزل.

وبدوره، يؤكد إبراهيم أن العناية بوالده المصاب بالزهايمر من أصعب الأدوار التي يقوم بها، خصوصا في ظل غياب علاج جذري لمرضى الزهايمر، حيث أشار إلى أن الأدوية ورغم أنها تخفف فقط من حدة المرض والأعراض المرتبطة به إلا أنها جد باهظة، “يكلفني مرض أبي 4000 درهم شهريا في حين لا يتجاوز راتبي ال5000 درهم، خصوصا أنني ابنه الوحيد، ولدي التزامات أخرى تجاه أسرتي أيضا”، موضحا أنه رغم لجوئه إلى جمعيات المجتمع المدني التي تهتم بهذه الفئة، إلا أن مساعدتها تقتصر على تقديم المساعدة النفسية وتلقين المرافقين أساليب التعامل مع المريض.

وفي إطار الجهود المبذولة على الصعيد الوطني، التي واكبت زيادة الوعي بأهمية إيلاء اهتمام أكبر بهذه الفئة من المرضى، أشرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سنة 2016، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز مركز نهاري لاستقبال المرضى المصابين بالزهايمر وهو تصور جديد لمشروع طبي- اجتماعي.

ويعكس هذا المشروع، الأول من نوعه على مستوى المملكة، السياسة الاجتماعية للقرب، وذلك لفائدة الساكنة التي تعاني من ظروف صحية معيقة والمنحدرين من أوساط هشة، كما يمثل تصورا جديدا، يشمل تكفلا مزدوجا بالأشخاص المصابين بهذا المرض في مرحلة غير متقدمة، والذين يعيشون بمنازلهم، إلى جانب مواكبة مرافقيهم الأسريين.

وتشير دراسات حديثة إلى أنه رغم أن مرض الزهايمر يصيب الأشخاص أكثر من 65 سنة، إلا أن هناك حالات قليلة حسب مختصين قد تصاب بالمرض قبل هذا السن لعدة أسباب، أهمها العوامل الوراثية والبيئية، حيث تشكل خمسة في المائة من مجموع الحالات حول العالم.

ومن أجل الفوز في المعركة ضد مرض الزهايمر، تعتقد منظمة الزهايمر العالمية “إ.د.أي”، التي اختارت هذه السنة شعار ” كل 3 ثوان هناك شخص ما في العالم يصاب بالخرف”، أن مفتاح النجاح يكمن في مجموعة فريدة من الحلول العالمية والمعرفة المحلية، وهي تعمل محليا، على تمكين الجمعيات الوطنية لتعزيز أدوارها في تقديم الرعاية والدعم لمرضى الزهايمر وذويهم. وعلى المستوى العالمي، تركز الاهتمام على هذا الداء عبر إطلاق حملات لتغيير سياسات الحكومات بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، خاصة في ظل توقعات بارتفاع عدد الأشخاص المصابين بهذا المرض إلى 115 مليون بحلول عام 2050، مما يتطلب بذل المزيد من الجهود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.