ويحتفي “بيت الحكمة”، وهو مشروع ثقافي مبتكر بإمارة الشارقة يجسد أحدث نموذج لمكتبات المستقبل في العالم، بالمملكة المغربية كضيف شرف للدورة الـ43 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، من خلال تسليط الضوء على الإرث التاريخي والعلمي لجامعة القرويين العريقة ذات العطاء الموصول، وإبراز دورها الرائد في ترسيخ ونشر العلوم والمعارف لما يناهز 12 قرنا من الزمان.
ومن خلال تجربة شاملة يشعر معها الزائر وكأنه يتجول داخل أروقة وباحات ومكتبات هذه الجامعة العتيدة، يستعرض جناح “بيت الحكمة” جوانب مختلفة من تاريخ الجامعة منذ تأسيسها على يد فاطمة الفهرية في مدينة فاس عام 859 م، وذلك ضمن ثلاثة أقسام رئيسية تتوخى توفير سفر ثقافي شامل لجمهور المعرض من الكبار والصغار ومحبي الثقافة العربية الأصيلة.
ويستهل رواد الجناح زيارتهم بـ “خزانة القرويين” التي تعد من أقدم الخزانات في العالم العربي والإسلامي، وتحتضن عددا هائلا يقدر بالآلاف من نفائس المخطوطات القديمة.
كما يعرض هذا القسم نسخا رقمية من أندر المخطوطات والكتب التي تزخر بها الخزانة، من بينها نسخة نادرة من القرآن الكريم تعود إلى القرن الثالث الهجري، منسوخة بالخط الكوفي العريض على رق الغزال، ونسخة من أقدم ترجمات الإنجيل إلى اللغة العربية مكتوبة بخط أندلسي عتيق، وكذلك نسخة من “كتاب السير/ لأبو إسحاق الفزاري” تعود إلى القرن الثالث الهجري.
وتضم هذه المكتبة أيضا نسخة من كتاب “العبر وديوان المبتدأ والخبر” للمؤرخ والفيلسوف الاجتماعي ابن خلدون، صنفتها (اليونسكو) ضمن التراث العالمي الإنساني، ونسخة من كتاب “الأخلاق” لأرسطو، بالإضافة إلى فهرس بالمخطوطات المتاحة في خزانة القرويين، وهو من مقتنيات دار المخطوطات بالشارقة.
بعدها ينتقل زوار الجناح إلى شاشة تفاعلية تعرض لهم معلومات تعريفية عن الجامعة، تتضمن قصة تأسيس جامع القرويين وتحوله إلى جامعة في القرن التاسع الميلادي، والساعة المائية التي تعد من أهم معالم الجامعة، وأبرز العلماء والمفكرين والفلاسفة الذين استقطبتهم كابن خلدون وابن رشد وابن حزم والشريف الإدريسي وغيرهم.
وفي القسم التالي من الجناح، ينتقل الزوار إلى تجربة تفاعلية ثرية عبر نظارة الواقع الافتراضي، تقدم بالتعاون مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” في المملكة العربية السعودية، حيث تتيح لهم نافذة بصرية يطلون منها على جامعة القرويين لمشاهدة جماليات عمارتها الإسلامية، وقبابها الخضراء، ومحرابها الخشبي العتيق، ونافورتها الدائرية التي تتوسط باحتها، وسقفها الموزع بين جزء مغطى وآخر مفتوح على السماء.
ويضم الرواق أيضا، ركنا للقراءة يتيح للزوار التوقف والتأمل في تجربة ثقافية تنسجم مع أجواء المعرفة التي تعم الجناح، إلى جانب مساحة مخصصة لتشجيع الشباب على إعادة تصميم أغلفة الكتب القديمة بمفهوم عصري بالتعاون مع “هوية الشارقة”، وذلك بغرض تعريفهم بالتراث الأدبي القديم، وتشجيعهم على إعادة إحياء تلك الكتب من خلال تصميم غلاف معاصر يرتقي لمضمونها.
وفي تصريح صحافي، قالت المديرة التنفيذية لـ”بيت الحكمة”، مروة العقروبي، إن الاحتفاء بالصروح المعرفية والثقافية العريقة التي شكلت تراث وملامح الحضارة العربية والإسلامية يعد ضمن الأهداف التي يحرص عليها “بيت الحكمة” ضمن رؤيته الشاملة لتعزيز التفاعل مع الحراك الثقافي، وتقديم مساحة إثرائية لمجتمع القراء والباحثين.
وأوضحت أن مشاركة “بيت الحكمة” هذا العام في معرض الشارقة الدولي للكتاب جاءت لتعزز رسالته في اختيار المغرب كضيف شرف، عبر تسليط الضوء على جامعة القرويين التاريخية، وما قدمته من إسهامات جوهرية للإنسانية على مدار 12 قرنا، مؤكدة أن عطاءها ظل موصولا في إرساء ونشر الفكر والعلوم والمعارف في أرجاء العالم العربي والإسلامي، وهو ما جعلها منارة تهوي إليها أفئدة العلماء والمتعلمين من مختلف أنحاء العالم.
يشار إلى أن “بيت الحكمة” يقدم على مساحة تزيد على 12 ألف متر مربع، تجربة جديدة للقراء والباحثين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، إذ يفتح أبوابه لمئات الآلاف من الكتب والوثائق والمواد المعرفية المحفوظة داخل تحفة معمارية تعتمد في تصميمها على الإضاءة الطبيعية، ويتجول فيها الزائر داخل حديقة حية محاطة برفوف الكتب، ليعيش تجربة القراءة في مساحات تفاعلية مفتوحة، ويتنقل وسط قاعات مزودة بأحدث التقنيات.
ماب:هاجر الراضي