اليوم العالمي للسلام : بين صناعة الحروب، والبحث عن السلام المنشود

0

يأتي إحياء اليوم العالمي للسلام غدا الجمعة (21 شتنبر من كل سنة)، الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما لتعزيز قيم السلام بين الأمم والشعوب، ليجد أن آلة الحرب تدور رحاها بلا توقف في كثير من مناطق العالم، وأفواج المهج رين برا وبحرا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ لم تفتر، هربا من جحيم الحرب والاضطرابات السياسية، والتمييز العنصري، وانعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي وغيره، على مرأى ومسمع من العالم كله، وفي زمن التوثيق الحي المباشر.

من الطبيعي أن تتضاءل الحروب والصراعات مع تطور الحضارة الإنسانية، وبلوغها مستوى من النضج الفكري والعلمي والإنساني، إلا أن واقع التوترات المنتشرة في عالم اليوم يدفع إلى التساؤل بشكل متجدد: لماذ يحصل هذا إذا كانت الإنسانية، عبر المؤسسات والهيئات المحلية والدولية المحدثة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، تجمع على أهمية السلم والسلام في العالم وعلى الحق في السلام ؟ لماذا إذن تزداد الحروب وبؤر التوتر في العالم ؟ تساؤلات يطرحها أطفال العالم قبل غيرهم، لتتناسل أسئلة كثيرة بعدها: من له المصلحة في صناعة الحروب والتوترات وتغذيتها؟

تتعدد التصريحات ودعوات السلام من منابر مختلفة ومتعددة في العالم، وفي كل حين، تقابلها وقائع مناقضة لها تماما، وربما في الآن نفسه ، ما يدفع للتساؤل من جديد ما إذا كانت دعاوى السلام عند البعض مجرد قناع للتجميل فقط، محدود في الزمان والمكان ، أو اكسسوارا تمليه موضة السياسة العالمية؟

صحيح أن العالم منذ الحرب العالمية الثانية لم يشهد حربا بين أي دولتين من دول العالم العظمى بسبب ما يسمى بتوازن الرعب النووي، لكن جميع حروب اليوم تقوم بين دولة عظمى ودولة أضعف أو حروب ما بين دول العالم الثالث ، أو حروب أهلية داخلية وغيرها، وهو ما يعرف بالحروب المحدودة من حيث سقف استخدام التسليح فيها وإطارها الإقليمي المحدد. وقد تستخدم القوى العظمى الدول الضعيفة كوكلاء لها يمثلونها في معركتها ضد قوة عظمى أخرى فيما ما يطلق عليه اليوم بحروب الوكالة.

مطلب السلام اليوم، يقف في وجهه وفق متتبعين، عدة أسباب، منها فشل فكرة إصلاح الأمم المتحدة كما يقول الباحث السياسي خالد يايموت، ذلك أن مجلس الأمن الذي يهيمن على القرار الأممي، قام على أساس نتائج الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى تهميش المكانة القانونية لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقول الباحث ، فاستأثر الطرف المنتصر بوظيفة رعاية السلم العالمي، وفقا لنتائج الحرب العالمية الثانية، وما نتج عنها من تغيرات على مستوى قوى الخريطة الدولية.

وأضاف يايموت، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه بالرغم من أن المنظومة الدولية شهدت تحولات كبيرة جدا تستوجب إعادة النظر في دور الأمم المتحدة وبالأخص مجلس الأمن الدولي، إلا أن الدول الكبرى المتمتعة بحق الفيتو (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا) ما تزال تعرقل إصلاح الأمم المتحدة.

وتابع أن المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى المتمتعة بحق الفيتو تضطلع بدور مركزي في انتشار أو تقلص الحروب، معربا عن اعتقاده بالقول “يبدو أن بداية الألفية الثالثة شكلت مرحلة جديدة من زعزعة السلم العالمي، وأظهرت بشكل جلي فشل الأمم المتحدة في لعب دور فعال في منع الحروب، بل على العكس من ذلك ، أصبح المتخصصون في القانون الدولي يتحدثون عن تحول الأمم المتحدة لفاعل أممي يشن الحروب باستعمال البند السابع، خاصة المادة 42”.

وتنص المادة 42 على أنه “إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة” “.

ولعل الحرب الأهلية السورية التي انطلقت منذ 2011 تفسر طبيعة الصراعات الدولية، يقول الأكاديمي في العلوم السياسية، حيث تحولت سوريا إلى دولة تعرف انتشارا للقوات الروسية والأمريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية والتركية والإيرانية؛ وهذا الانتشار تحول لبناء تلك الدول لقواعد عسكرية غير قانونية بالأراضي السورية، مما عقد من طبيعة الصراع والحرب الأهلية.

سؤال السلام العالمي اليوم، يعترضه أيضا ما يطلق عليه تجارة الحروب، وهي المنظومة الاقتصادية الأولى عالميا من حيث الربح السنوي، وفق الدراسات المعاصرة، الأمر الذي يعزز قدرة الشركات العالمية المنتجة للسلاح على التأثير في صناعة القرار بالدول الكبرى، وعلى السياسات الدولية للأمم المتحدة.

وبخصوص مستقبل السلام العالمي، يرى يايموت أنه مرتبط ببناء قواعد ومنظومة دولية جديدة، تراعي تحولات ما بعد نهاية الحرب الباردة، وتمنح المكانة المركزية لقرارات الجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ مع ضرورة توسيع عضوية مجلس الأمن بشكل يضمن المصالح المتناقضة للمنظومة الدولية الحالية.

كما شدد على ضرورة مواجهة التهديدات الجدية للاستقرار الدولي الذي تمثله ظاهرة الإرهاب، بخلق منظومة دولية أكثر عدلا فيما يخص الإمكانيات والقدرات المحققة للتنمية الاقتصادية.

يتحقق السلام إذن في ظل العدالة، بتطبيق القوانين على وجه يحقق المساواة ويقضي على التمييز عبر تعزيز الوعي بقيم السلام في المجتمعات والاستثمار في تطوير المواطن باعتباره محور التنمية وأساس تقدم الأمم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.